يبيّن مؤشر مدركات الفساد، الذي تصدره سنوياً منظمة الشفافية الدولية، أنّ العراق من بين الدول الخمس الأكثر فساداً حول العالم. والفساد أمر يسلّم به الجميع، لا سيّما أنّه مستشرٍ في مؤسسات العراق كلها. الرشوة من مظاهر ذلك الفساد
إجراءات عدّة اتخذتها الوزارات العراقية باختلافها للحدّ من الرشوة في الدوائر الرسمية في البلاد، لكنّ الأمر لم يفلح وما زال المرتشون يبتكرون طرقاً خاصة تمنع الإيقاع بهم. والرشوة في العراق مشكلة بارزة لكنّها غير جديدة، وكانت قد انتشرت بصورة كبيرة في الأعوام التي تلت الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003.
ويعيد عراقيون بدء انتشار الرشوة إلى تسعينيات القرن الماضي، من جرّاء الحصار الدولي الذي فرض على البلاد بسبب غزو الكويت. ويقول المدير العام السابق في وزارة التربية، حسن الطائي، إنّ "العراقيين بمعظمهم عرفوا نتيجة ذلك الحصار فقراً لم يعهدوه من قبل، وبدأت حينها الرشوة تنتشر بين موظفي الدوائر الحكومية". ويشرح الطائي لـ"العربي الجديد" أنّ "مراقبة الموظفين كانت غائبة في هذا المجال، لأنّ القانون حينها كان يعلو الجميع والموظف كان يخاف من أن يُفضح أمره إن اكتُشف وهو يرتشي. فثمّة عقوبة قانونية تنزل به في حين تلاحقه السمعة السيّئة". أمّا اليوم، ودائماً بحسب الطائي، فإنّ "ثمّة من هم فوق القانون ويحمون المرتشين، بينما كل وسائل مكافحة الرشوة صورية".
في دوائر الدولة اليوم، تنتشر لوحات إعلانية على الجدران كتبت عليها أرقامهواتف. ويشير الإعلان إلى أنّ جهة أمنية تستقبل شكاوى مواطنين في حال وجدوا تقصيراً من قبل الموظف، وتطالبهم بالتبليغ إن طُلبت منهم رشوة لإنجاز المعاملة. لكنّ هذه الوسيلة لم تمنع الموظف من أن يفرض على المواطن مبلغاً من المال لإنجاز معاملته. بالنسبة إلى فؤاد الذي يعمل في مجال العقارات، فإنّ "هذا الطريق هو الأسهل بالنسبة إلى المواطن، حتى يتجاوز الروتين وتعقيدات إنجاز المعاملة والانتظار في طابور طويل من خلال دفع مبلغ من المال". يضيف فؤاد لـ"العربي الجديد" أنّ "عملي في العقارات يدفع إلى التعامل بالرشوة. وأنا كنت لأخسر كثيراً من الوقت والجهد في حال التزمت بالقانون ولم أدفع رشوة". ويؤكد: "لأنّني أنفّذ رغبة الموظفين في دفع الرشاوى لهم، أتمكن من إنجاز معاملة تتعلق بالعقارات في غضون ثلاثة أيام. وخلافاً لذلك، لن أتمكن من إنجازها في أقل من شهرَين، الأمر الذي سوف يكبدني خسائر".
اقــرأ أيضاً
ومن ضمن الإجراءات التي عمدت إليها الدوائر الحكومية، بعد حملات إعلامية مكثفة ومناشدات من قبل مواطنين للقضاء على الفساد، نصبت مؤسسات رسمية عدّة كاميرات مراقبة داخل مكاتب الموظفين. لكنّ هذه الخطوة لم تمنع هؤلاء من التعامل بالرشوة. ويشرح فؤاد أنّ "الموظفين صاروا أكثر دراية في التعامل مع حالات مماثلة، وهم لا يستلمون الرشاوى في داخل مكاتبهم إذا كانت مراقبة. هم يبتكرون دائماً وسائل تحميهم من الوقوع في الفخّ". يضيف: "بالنسبة إليّ ولأنّ عملي يتعلق بمراجعة دوائر معينة، فقد وثّقت علاقتي بشبكة من الموظفين. ونتيجة الثقة الكبيرة بيننا، أقصد بيوتهم وأسدد لهم المبالغ المطلوبة".
في السياق، وعلى مقربة من الدوائر الحكومية، من الممكن أن نجد نقاطاً لدفع الرشاوى، وذلك إمّا في محال متخصصة في تصوير الوثائق وبيع القرطاسية أو تبيع المواد الغذائية، وإمّا في أكشاك لبيع الصحف أو العصائر والمرطبات وأخرى لبيع الشاي. أصحاب تلك المحال والأكشاك يؤدّون دور الوسيط بين الموظف والمواطن. ويوضح ضرغام الذي يعمل وسيطاً لإنجاز المعاملات في عدد من الدوائر، منها الطابو والتقاعد، أنّ "ذلك يحصل في حال فُرضت مراقبة مشددة على الموظف. فلا يستلم أيّ مبلغ من المال ويكون تواصله مع الوسطاء في تلك النقاط. فيتلقّى رسالة نصية مشفّرة من الوسيط تفيده بأنّ المراجع الفلاني دفع المبلغ المطلوب.
هكذا، تكون المعاملة قد أنجزت بيسر". ويتحدّث ضرغام لـ"العربي الجديد" عن تفاصيل عدّة حول الرشوة في الدوائر الحكومية، رافضاً أن يطلق عليها تلك التسمية، مشيراً إلى أنّ ذلك "أجر يدفع في مقابل إتمام عمل بوقت سريع". يضيف أنّه يعمل وسيطاً منذ أكثر من عام، "وأعرف عدداً من الأصدقاء الذين يعملون موظفين في دوائر حكومية. وعملي هو استلام مبلغ محدد من المواطن المراجع لقاء إنجاز معاملته بطريقة سلسة، وأحياناً من دون أن يصل إلى الدائرة الحكومية المعنية. ومن جهتي، أوصل المبلغ المطلوب إلى الموظف بعدما أقتطع نسبتي منه. وتسليم المبلغ يكون بالتأكيد في خارج مكان العمل، أو في مقهى أو في أيّ مكان عام". ولا يخفي ضرغام أنّه بدأ بذلك "عندما اقترح عليّ ذلك أحد أصدقائي الموظفين. هو كان مراقباً بصورة كبيرة بعد نصب كاميرا مراقبة في مكتبه". ويؤكد أنّه "من الصعب الإيقاع بموظف يتعامل بالمال في مقابل إنجاز معاملات المواطنين. وكلّما زادت إجراءات المراقبة والتفتيش، وجد الموظفون طرقاً لتلافي الوقوع في المحظور".
اقــرأ أيضاً
ويلفت ضرغام إلى أنّ "بعض الموظفين ونتيجة المبالغ الكبيرة التي يجنونها من جرّاء إتمام معاملات المراجعين، يؤلّفون فرق عمل من أشخاص ذوي ثقة يساعدونهم في توجيه المواطن إلى كيفية دفع المبلغ المطلوب بالطريقة السليمة". ويشرح أنّ "الاتفاق يجري بين الموظف وصاحب محل أو كشك قريب من الدائرة الحكومية المعنيّة، ليستلم الأخير المبلغ المطلوب من المواطن المراجع، ويكون بذلك عضواً في فريق هذا الموظف. وثمّة عضو آخر في الفريق مهمّته أن يبقى خلال الدوام الرسمي في مكان قريب من الموظف سواء في داخل الدائرة أو خارجها. وهذا يتلقى بدوره توجيهاً مباشراً من الموظف في رسالة صوتية عبر أحد تطبيقات الهواتف النقالة". يضيف أنّ "الموظف يبيّن في الرسالة أوصاف المراجع المعني، ومهمة العضو الأخير أن يتصنّع الحديث مع المواطن قبل أن يوجّهه إلى العضو الذي يعمل في محل قريب من الدائرة. وعند الدفع، يرسل ذلك العضو رسالة مشفّرة عبر الهاتف النقال إلى الموظف تفيده إذا كان المراجع دفع المبلغ أم لا".
كثيرة هي الطرق المعتمدة للإفلات من كاميرات المراقبة والتي يبتكرها موظفون حتى يتجنبوا الوقوع في شراك الجهات الرقابية. ويشير ضرغام إلى أنّ "موظفين كثراً يملكون علاقات وثيقة مع رؤسائهم، فتصل الأمور إلى حدّ دفع نصيب لهم من المبالغ التي يحصل عليها الموظفون من معاملات المراجعين. وهذه طريقة أخرى تحميهم من المساءلة".
إجراءات عدّة اتخذتها الوزارات العراقية باختلافها للحدّ من الرشوة في الدوائر الرسمية في البلاد، لكنّ الأمر لم يفلح وما زال المرتشون يبتكرون طرقاً خاصة تمنع الإيقاع بهم. والرشوة في العراق مشكلة بارزة لكنّها غير جديدة، وكانت قد انتشرت بصورة كبيرة في الأعوام التي تلت الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003.
ويعيد عراقيون بدء انتشار الرشوة إلى تسعينيات القرن الماضي، من جرّاء الحصار الدولي الذي فرض على البلاد بسبب غزو الكويت. ويقول المدير العام السابق في وزارة التربية، حسن الطائي، إنّ "العراقيين بمعظمهم عرفوا نتيجة ذلك الحصار فقراً لم يعهدوه من قبل، وبدأت حينها الرشوة تنتشر بين موظفي الدوائر الحكومية". ويشرح الطائي لـ"العربي الجديد" أنّ "مراقبة الموظفين كانت غائبة في هذا المجال، لأنّ القانون حينها كان يعلو الجميع والموظف كان يخاف من أن يُفضح أمره إن اكتُشف وهو يرتشي. فثمّة عقوبة قانونية تنزل به في حين تلاحقه السمعة السيّئة". أمّا اليوم، ودائماً بحسب الطائي، فإنّ "ثمّة من هم فوق القانون ويحمون المرتشين، بينما كل وسائل مكافحة الرشوة صورية".
في دوائر الدولة اليوم، تنتشر لوحات إعلانية على الجدران كتبت عليها أرقامهواتف. ويشير الإعلان إلى أنّ جهة أمنية تستقبل شكاوى مواطنين في حال وجدوا تقصيراً من قبل الموظف، وتطالبهم بالتبليغ إن طُلبت منهم رشوة لإنجاز المعاملة. لكنّ هذه الوسيلة لم تمنع الموظف من أن يفرض على المواطن مبلغاً من المال لإنجاز معاملته. بالنسبة إلى فؤاد الذي يعمل في مجال العقارات، فإنّ "هذا الطريق هو الأسهل بالنسبة إلى المواطن، حتى يتجاوز الروتين وتعقيدات إنجاز المعاملة والانتظار في طابور طويل من خلال دفع مبلغ من المال". يضيف فؤاد لـ"العربي الجديد" أنّ "عملي في العقارات يدفع إلى التعامل بالرشوة. وأنا كنت لأخسر كثيراً من الوقت والجهد في حال التزمت بالقانون ولم أدفع رشوة". ويؤكد: "لأنّني أنفّذ رغبة الموظفين في دفع الرشاوى لهم، أتمكن من إنجاز معاملة تتعلق بالعقارات في غضون ثلاثة أيام. وخلافاً لذلك، لن أتمكن من إنجازها في أقل من شهرَين، الأمر الذي سوف يكبدني خسائر".
ومن ضمن الإجراءات التي عمدت إليها الدوائر الحكومية، بعد حملات إعلامية مكثفة ومناشدات من قبل مواطنين للقضاء على الفساد، نصبت مؤسسات رسمية عدّة كاميرات مراقبة داخل مكاتب الموظفين. لكنّ هذه الخطوة لم تمنع هؤلاء من التعامل بالرشوة. ويشرح فؤاد أنّ "الموظفين صاروا أكثر دراية في التعامل مع حالات مماثلة، وهم لا يستلمون الرشاوى في داخل مكاتبهم إذا كانت مراقبة. هم يبتكرون دائماً وسائل تحميهم من الوقوع في الفخّ". يضيف: "بالنسبة إليّ ولأنّ عملي يتعلق بمراجعة دوائر معينة، فقد وثّقت علاقتي بشبكة من الموظفين. ونتيجة الثقة الكبيرة بيننا، أقصد بيوتهم وأسدد لهم المبالغ المطلوبة".
في السياق، وعلى مقربة من الدوائر الحكومية، من الممكن أن نجد نقاطاً لدفع الرشاوى، وذلك إمّا في محال متخصصة في تصوير الوثائق وبيع القرطاسية أو تبيع المواد الغذائية، وإمّا في أكشاك لبيع الصحف أو العصائر والمرطبات وأخرى لبيع الشاي. أصحاب تلك المحال والأكشاك يؤدّون دور الوسيط بين الموظف والمواطن. ويوضح ضرغام الذي يعمل وسيطاً لإنجاز المعاملات في عدد من الدوائر، منها الطابو والتقاعد، أنّ "ذلك يحصل في حال فُرضت مراقبة مشددة على الموظف. فلا يستلم أيّ مبلغ من المال ويكون تواصله مع الوسطاء في تلك النقاط. فيتلقّى رسالة نصية مشفّرة من الوسيط تفيده بأنّ المراجع الفلاني دفع المبلغ المطلوب.
هكذا، تكون المعاملة قد أنجزت بيسر". ويتحدّث ضرغام لـ"العربي الجديد" عن تفاصيل عدّة حول الرشوة في الدوائر الحكومية، رافضاً أن يطلق عليها تلك التسمية، مشيراً إلى أنّ ذلك "أجر يدفع في مقابل إتمام عمل بوقت سريع". يضيف أنّه يعمل وسيطاً منذ أكثر من عام، "وأعرف عدداً من الأصدقاء الذين يعملون موظفين في دوائر حكومية. وعملي هو استلام مبلغ محدد من المواطن المراجع لقاء إنجاز معاملته بطريقة سلسة، وأحياناً من دون أن يصل إلى الدائرة الحكومية المعنية. ومن جهتي، أوصل المبلغ المطلوب إلى الموظف بعدما أقتطع نسبتي منه. وتسليم المبلغ يكون بالتأكيد في خارج مكان العمل، أو في مقهى أو في أيّ مكان عام". ولا يخفي ضرغام أنّه بدأ بذلك "عندما اقترح عليّ ذلك أحد أصدقائي الموظفين. هو كان مراقباً بصورة كبيرة بعد نصب كاميرا مراقبة في مكتبه". ويؤكد أنّه "من الصعب الإيقاع بموظف يتعامل بالمال في مقابل إنجاز معاملات المواطنين. وكلّما زادت إجراءات المراقبة والتفتيش، وجد الموظفون طرقاً لتلافي الوقوع في المحظور".
ويلفت ضرغام إلى أنّ "بعض الموظفين ونتيجة المبالغ الكبيرة التي يجنونها من جرّاء إتمام معاملات المراجعين، يؤلّفون فرق عمل من أشخاص ذوي ثقة يساعدونهم في توجيه المواطن إلى كيفية دفع المبلغ المطلوب بالطريقة السليمة". ويشرح أنّ "الاتفاق يجري بين الموظف وصاحب محل أو كشك قريب من الدائرة الحكومية المعنيّة، ليستلم الأخير المبلغ المطلوب من المواطن المراجع، ويكون بذلك عضواً في فريق هذا الموظف. وثمّة عضو آخر في الفريق مهمّته أن يبقى خلال الدوام الرسمي في مكان قريب من الموظف سواء في داخل الدائرة أو خارجها. وهذا يتلقى بدوره توجيهاً مباشراً من الموظف في رسالة صوتية عبر أحد تطبيقات الهواتف النقالة". يضيف أنّ "الموظف يبيّن في الرسالة أوصاف المراجع المعني، ومهمة العضو الأخير أن يتصنّع الحديث مع المواطن قبل أن يوجّهه إلى العضو الذي يعمل في محل قريب من الدائرة. وعند الدفع، يرسل ذلك العضو رسالة مشفّرة عبر الهاتف النقال إلى الموظف تفيده إذا كان المراجع دفع المبلغ أم لا".
كثيرة هي الطرق المعتمدة للإفلات من كاميرات المراقبة والتي يبتكرها موظفون حتى يتجنبوا الوقوع في شراك الجهات الرقابية. ويشير ضرغام إلى أنّ "موظفين كثراً يملكون علاقات وثيقة مع رؤسائهم، فتصل الأمور إلى حدّ دفع نصيب لهم من المبالغ التي يحصل عليها الموظفون من معاملات المراجعين. وهذه طريقة أخرى تحميهم من المساءلة".