دمار وجوع ونزوح وأمراض تعصف بملايين المواطنين، من جراء حرب لم تتوقف منذ سنوات في مناطق عديدة من اليمن. لكنّ ما يزيد الأمور سوءاً الانتهاكات ضد الحريات الشخصية، لا سيما في مناطق الحوثيين.
تحاول جماعة أنصار الله (الحوثيون) في اليمن، التي تسيطر على محافظات عدة مكتظة سكانياً، أن تطبق منظومة قيم مختلفة عن اليمنيين من سكان تلك المحافظات، بما في ذلك من انتهاك للحريات العامة والشخصية والتقاليد المجتمعية. "مشاهد ومواقف وإجراءات لا تختلف كثيراً عن تلك التي نراها ونسمع عنها في المناطق الخاضعة لتنظيمي داعش والقاعدة" هكذا يقول النازح سليم الصعدي (اسم مستعار) المقيم في صنعاء حالياً. يضيف لـ"العربي الجديد": "بعدما سيطر الحوثيون على صعدة (شمال) بالكامل عام 2011، نفذوا حملات ميدانية واسعة، أغلقوا فيها محلات بيع التسجيلات الغنائية والأفلام، واستبدلوها بتسجيلات وأفلام دينية وقتالية. ومنعوا خروج النساء كاشفات (وجوههن)، وحاصروا كثيرا من الأنشطة المدنية التي يختلط فيها الرجال والنساء". يشير إلى أنّ الحوثيين يبررون هذه الممارسات بأنّها تسعى للحفاظ على الإسلام و"منع انتشار الفساد بين اليمنيين". يضيف الصعدي: "كانوا في نقاط التفتيش يوقفون السيارات والدراجات النارية، ويفتشون الهواتف وبطاقات ذاكرتها، بحثاً عن أغانٍ. وفي حال وجدوا شيئاً، يحذفونه ويحملون زوامل (أناشيد قتالية) عوضاً عنها".
كذلك، يؤكد الصعدي أنّ الحوثيين قتلوا عدداً من المواطنين الذين كانوا يدخلون معهم في شجار، رفضاً لمثل هذه الإجراءات: "كان آخرها مقتل جنديين في الجيش اليمني، أصرا على سماع أغاني الفنان اليمني أيوب طارش". ويشير الصعدي إلى أنّ الحوثيين فشلوا في الحدّ من سماع الأغاني في صعدة كما بقية المحافظات: "توقفت حملات التفتيش للسيارات والمارة بعد سيطرتهم على صنعاء وبقية المحافظات لأنّ العملية كانت مستحيلة، فالشعب كلّه يسمع الأغاني".
في 27 يناير/ كانون الثاني 2015، أجبر الحوثيون بعض عقّال ومشايخ قبائل محافظة عمران (وسط) بعد السيطرة عليها على الاجتماع وإصدار بيان تحول لاحقاً إلى توجيه لخطباء مساجد المحافظة، لمنع غناء الفنانين الرجال في الأعراس النسائية، وإن من خلف حاجز، كما جرت العادة. وبحسب وثيقة التوجيهات المقدمة لخطباء المساجد، منع الحوثيون استمرار فترة الأعراس النسائية عقب صلاة المغرب، بعدما اعتاد اليمنيون على أن تبقى حفلات العرس النسائية حتى منتصف الليل، فضلاً عن منع التصوير في أعراس النساء، ومنع دخول الهواتف المحمولة إلى قاعات الأعراس. لم يقتصر على تقييد حرية النساء في الأعراس، فقد سبق تعرض بعض الأسر في بعض مناطق محافظة عمران لمضايقات بسبب إقامتها أعراس الرجال التي يشارك فيها فنانون غنائيون يعزفون على العود. وكان الحوثيون قد أوقفوا حفل زفاف في عمران وخطفوا الفنان اليمني نبيل العموش في أغسطس/ آب 2014 أي قبل سيطرتهم على العاصمة صنعاء بنحو شهر، إذ أجبروه على كتابة تعهد بعدم الغناء مرة أخرى في عمران "لأنّها أصبحت مسلمة وتحررت من الفساد والمفسدين كما حدث في محافظة صعدة" بحسب شهادة له منشورة في إحدى الصحف المحلية اليمنية.
الناشط المجتمعي في محافظة عمران سمير عبد الهادي (اسم مستعار) يؤكد أنّ الحوثيين "فرضوا غرامة مالية مقدارها 100 ألف ريال يمني (400 دولار) على كلّ من يخالف هذه الضوابط". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الممارسات من هذا النوع كثيرة ومتعددة ولا تخرج إلى وسائل الإعلام بسبب خوف الناس من الانتقام إذا تحدثوا عن هذا الأمر. وغالباً ما ترتكب هذه الممارسات في مناطق نائية، فقد كانوا يقتحمون الأعراس ويمنعون الغناء ويصادرون مكبرات الصوت والكاميرات". مع ذلك، يؤكد عبد الهادي أنّ هذه الممارسات تراجعت بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 2014 واندلاع الحرب في 2015: "كان الحوثيون يجدون صعوبة في إلزام الأهالي بهذه الضوابط المتشددة، لا سيما أنّهم مستهدفون من طائرات التحالف ولديهم جبهات حرب متعددة وهم يحتاجون إلى تأييد السكان".
هذه الممارسات دفعت كثيراً من المغنين والممثلين للهجرة خارج اليمن مثل أيوب طارش، وحسين محب، وحمود السمة، وصلاح الأخفش، ومحمد محب وغيرهم. ولا يقتصر الأمر على الغناء والطرب، فقد تعرض كثير من الشباب لمضايقات متعلقة بالملابس وقصات الشعر واللقاءات بين الذكور والاناث في الجامعات أو الأماكن العامة.
اقتحم الحوثيون أحد الأعراس في محافظة البيضاء (وسط) واعتدوا على الفنان الشعبي، ملاطف حميدي، بالضرب بأعقاب البنادق، ثم قصوا شعره الطويل الذي اشتهر به أثناء رقصاته الشعبية التي تعرف في اليمن بـ"البرع"، قبل أن يخبروه أنّ إطالة شعره يعدّ من الممارسات التي فيها تعارض مع تعاليم الإسلام وتعتبر شكلاً من أشكال "الغزو الثقافي الغربي".
مؤخراً، أثارت وثيقة صادرة عن إدارة أمن مديرية يريم التابعة لمحافظة إب اليمنية (وسط)، جدالاً واسعاً بين اليمنيين، لتضمنها توجيهات للحلاقين بتجنب قصات الشعر "غير الإسلامية". وبحسب الوثيقة التي تناقلها اليمنيون، وهي صادرة عن قطاع الأمن والشرطة التابع لوزارة الداخلية والخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، فإنّ إدارة الأمن وجهت الحلاقين في المديرية، إلى الامتناع عن قص الشعر بطريقة منافية للقيم والمبادئ الإسلامية ومخالفة للتعاليم والتقاليد "وإلا فسيجري اتخاذ الإجراءات المناسبة" بحق كلّ من يخالف هذا التوجيه.
ليست المرة الأولى، فقد أصدرت الجماعة التوجيه نفسه في محافظة الحديدة (غرب) في الرابع من إبريل/ نيسان 2016 بحسب وثيقة تناقلتها المواقع الإخبارية المحلية. في هذا السياق، يؤكد الحلاق بلال أبو عبد الله (اسم مستعار) لـ"العربي الجديد" أنّ عناصر حوثيين يمرون على محله بين الوقت والآخر، ويطلبون منه تجنب القصات التي فيها "تشبّه باليهود والنصارى". لكنّه يؤكد أنّ هذه التحذيرات صادرة عن عناصر حوثية في المنطقة لا تعمل في أمانة العاصمة بصنعاء.
في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نفذت عناصر تابعة لجماعة الحوثي حملة ميدانية، داهمت فيها محلات بيع الملابس في صنعاء، بهدف مصادرة الأربطة الخاصة بنوع من العباءات النسائية التي تسمى محلياً بـ"البالطوهات" ليجري إحراقها تحت وقع صرخة الحوثيين المعروفة "الموت لأميركا" بحسب مقطع فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما قالوا إنّ هذه الأربطة "تبرز مفاتن المرأة وتشيع الفساد بين اليمنيين".
وتنفذ العناصر الحوثية بين الفينة والأخرى حملات ميدانية على المتنزهات والكافيهات بذريعة مكافحة "الاختلاط" بين الجنسين، انتهى بعضها بإغلاق المطاعم والكافيهات. وفي السياق، تقول أمة السلام سمير (اسم مستعار) إنّ الحوثيين أغلقوا عدداً من الكافيهات والمطاعم في صنعاء لأنّ فيها اختلاطاً بين غير الأزواج: "هي كافيهات محترمة وعادة ما يلتقي فيها الزملاء والأصدقاء وهذا الأمر في نظر الحوثيين جريمة". تؤكد أن بعض هذه المطاعم والكافيهات "فتحت لاحقاً بعد حملات إعلامية شنت ضد الحوثيين واعتبار ممارساتها لا تختلف عن داعش". وكان مسلحون حوثيون قد داهموا عددا من الفنادق السياحية في صنعاء، لتحذير العاملين فيها من إقامة احتفالات عيد رأس السنة الميلادية 2020. وسبق للحوثيين إغلاق مطاعم وكافيهات عدة، مثل "بيت المعرفة" و"كوفي كورنر" و"سيكند كب" و"مغموق كافيه" بالإضافة إلى تنفيذ حملات لإجبار محلات بيع الملابس على إزالة اللافتات الدعائية التي تتضمن صور نساء. تؤكد مصادر لـ"العربي الجديد" أنّ بعض مالكي الفنادق السياحية حاولوا إقناع الحوثيين بأن يسمحوا لهم بإقامة احتفالات "متواضعة" للأجانب الموجودين في صنعاء والذين ينتمون لجنسيات آسيوية غير عربية، لكنّ الحوثيين رفضوا ذلك.
حملات التضييق على الحريات العامة أكثر وضوحاً في الجامعات الحكومية، حيث يعمل ممثلو جماعة الحوثي في الجامعات على ملاحقة الطلاب في الأروقة والممرات، ويمنعون جلوس الطلاب والطالبات معاً، ويفرضون رقابة مشددة على الصفحات الخاصة بالطلاب في مواقع التواصل الاجتماعي لمنع نشر أيّ نصوص غرامية يرون أنّها تنشر الفساد في الجامعة بحسب شهادات متعددة لـ"العربي الجديد".
فوجئ الطالب الجامعي هيثم، عندما كان يقف مع خالته في أحد أروقة الجامعة، بمسلح حوثي يسأله عن سبب وجوده إلى جانب المرأة. يقول هيثم لـ"العربي الجديد": "سألني المسلح الحوثي بلهجة مقززة ومتعجرفة، ما تعرفش (ألا تعرف) أنّ الاختلاط ممنوع؟ فأجبته بأنّ هذه خالتي. لكنّه أصر على أنّ الاختلاط ممنوع، وجلوسي مع خالتي مشبوه". يضيف أنّ هذه الممارسات ليست المرة الأولى التي يتعرض لها، وسبق لعناصر حوثية مسلحة اعتراضه مع بعض زميلاته وحذرتهم من "الاختلاط". يواصل: "لا أعرف، هل هذه الممارسات توجه رسمي، أم تصرفات فردية يلجأ لها الحوثيون لابتزاز الطلاب؟ أشاهد طلاباً يسيرون ويجلسون إلى جانب طالبات بشكل طبيعي ومن دون مضايقة، لكنّي أسمع عن قصص كثيرة وحالات توقيف واحتجاز مشابه لما حدث لي".
أما الطالبة ابتسام، فقد اضطرت لوضع النقاب بعدما تعرضت لعدد من المضايقات من قبل مسلحين حوثيين داخل الجامعة وخارجها. تقول لـ"العربي الجديد": "استوقفوني مراراً وطلبوا تغطية وجهي. كانوا يقولونها بطريقة النصح وأنّ كشف الوجه تشبّه باليهود والنصارى وهو كفر". تشير إلى أنّها فضلت أن تغطي وجهها كي تتحاشى الاصطدام معهم.
في 26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ألزم الحوثيون المنظمات والجمعيات والمبادرات المجتمعية في محافظة إب (وسط)، بمنع اختلاط النساء والرجال في الدورات التدريبية والفعاليات وورش العمل. وبحسب وثيقة اطلعت عليها "العربي الجديد"، صادرة عن المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي التابع لرئاسة الجمهورية التي يسيطر عليها الحوثيون، يُمنع عمل فعاليات مختلطة، ويمنع "التعارف وتبادل المعلومات الشخصية بين الرجال والنساء" كما يمنع أيّ أنشطة داخل الفعاليات "التي تستدعي الاختلاط بين النساء والرجال مثل المجموعات أو الحلقات" واستبعاد الأنشطة التي تثير الضحك والمرح والترفيه بين المتدربين والذي يعمل على إذابة الفواصل وموانع الحياء بين النساء والرجال، وهذا يتنافى مع الإسلام وأخلاقيات المجتمع اليمني".
وباتهامات الاختلاط وممارسة الفاحشة، اختطف المسلحون الحوثيون عدداً من النساء الناشطات في المجال السياسي والحقوقي في اليمن. وبحسب تقرير حقوقي صادر عن منظمة "سام" للحقوق والحريات، بعنوان "ماذا بقي لنا؟" فإنّ الحوثيين يقومون باختطاف النساء عبر جهاز أمنى نسائي يسمى "الزينبيات" لينتهي الأمر بتلفيق تهم الدعارة لهن. تؤكد المنظمة توثيق احتجاز 30 امرأة وهو جزء من عدد أكبر من النساء اللواتي اعتقلن في سجون سرية تتبع لإحدى القيادات الحوثية البارزة.
وفي السياق، يؤكد رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات، توفيق الحميدي، أنّ الانتهاكات التي تمارسها الجماعات المتطرفة لا تختلف من حيث جوهر الفكرة الفوقية، لأنّها تشترك جميعها في كونها من خارج الدولة والأطر التقليدية السياسية، وتعتمد على السلاح في فرض سيطرتها على الواقع وعلى الناس وتفكيرهم. يضيف الحميدي لـ"العربي الجديد": "تهدف عمليات عسكرة النساء واعتقالهن وتعذيبهن واتهامهن بكلّ ما يخدش كرامتهن وشرفهن لأجل إذلالهن وتخويف الأخريات، وفرض أفكارهم المتطرفة من خلال المدارس، والتضييق على الحرية الدينية، إلى إعادة هيكلة المجتمع وهي ممارسات تتشابه كثيراً مع تنظيم القاعدة عندما سيطر على محافظة أبين، جنوبي اليمن، في فترة سابقة، أو داعش في سورية".
من جانبه، يقول المتحدث باسم وزارة حقوق الإنسان (التابعة لحكومة عبد ربه منصور هادي) وليد الأبارة، إنّ "المتتبع لجرائم وانتهاكات تنظيم الحوثيين يدرك أنّ قادة هذا التنظيم لم يكتفوا بمصادرة الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية لليمنيين، بل يفرضون عليهم طريقة التفكير". يضيف لـ"العربي الجديد": "هذا النوع من الاستبداد والاستغلال الممارس باسم الله يتجاوز الشمولية الثيوقراطية التي شهدها العالم في العصر الكنسي، ويتساوى بفظاعته مع ممارسات تنظيم داعش الإرهابي إذا ما استثنينا ادعاءات التفوق العرقي التي يؤمن بها الحوثيون، وهي ادعاءات عنصرية تجعلهم في المرتبة الأولى على قائمة التنظيمات الإرهابية في العالم".