يوماً بعد آخر، يترقب سكان العاصمة الإيرانية طهران أخبار ارتفاع نسب التلوث في سمائها. أمر بات اعتيادياً لهم خصوصاً في الشتاء، حيث يختنق السكان ولا يتحرك الهواء في أجواء المدينة المحاطة بثلاث سلاسل من الجبال
مع بداية شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، تبدّلت مؤشرات قياس معدلات التلوث المنتشرة في مختلف مناطق العاصمة الإيرانية طهران أكثر من مرة. عبرت باتجاه اللون الأحمر الذي يشير إلى نسب عالية للتلوث. ووصلت في مرات أخرى إلى اللون البنفسجي الذي يشير إلى خطورة الوضع بالنسبة لكل فئات المواطنين من دون استثناء، وليس فقط الفئات الحساسة التي تشمل الأطفال وكبار السن ومرضى القلب والجهاز التنفسي. وهو ما أدى إلى الإعلان عن عطلة رسمية في كل مدارس العاصمة استمرت لأيام.
تكرر الوضع في الأيام الأخيرة، ولم يكن أمام الإيرانيين إلا الدعاء بتساقط كميات كبيرة من المطر، أو هبوب الرياح. كلّ من يسكن مناطق جبلية مرتفعة في طهران قادر على رؤية هذه الغيمة الرمادية التي تلف المدينة، كما يشعر أي مواطن يمشي في شوارعها بغشاوة أمام عينيه.
وصف الوضع قد يكون أسهل من تخيل الأضرار الحقيقية التي يمكن أن يسببها التلوث على صحة الإيرانيين. وأي شخص يمكنه أن يدرك خطورة الوضع عندما يستمع للأرقام التي تعلن عنها "مؤسسة البيئة" أو "مؤسسة التحكم بتلوث الهواء" بين الفينة والأخرى. صدر تقرير عن الأخيرة يقول إنّ الأعوام الخمسة عشر الماضية كانت الأسوأ في تاريخ البلاد وما زال الوضع يتجه نحو تدهور أكبر، وهو ما يجعل طهران واحدة من أكثر المدن تلوثاً في العالم ككلّ.
بعض الأطباء يؤكدون ارتفاع حالات الإصابة بمرض سرطان الرئة في طهران خلال السنوات القليلة الماضية. ويعزو هؤلاء الأمر إلى التلوث أولاً والتدخين ثانياً. وقد نقلت وكالة "إيسنا" عن الباحثين في "مركز الدراسات البيئية" قولهم إنّ التلوث هو العامل السابع الذي يشكل الخطر على صحة وسلامة الإيرانيين في كل أرجاء البلاد.
وذكر هؤلاء أنّ 35 مليون شخص في إيران معرضون للإصابة بأنواع مختلفة من السرطان بسبب نسب التلوث العالية في بعض المدن، وأبرزها العاصمة طهران وأصفهان والأهواز.
وعند الحديث عن المسببات، يدرك الكلّ في إيران ماهيتها، فكما للعوامل الطبيعية والجغرافية دورها الرئيس، تساهم العوامل البشرية بزيادة الوضع سوءاً. ففي شوارع العاصمة نحو ثلاثة ملايين سيارة، وثلاثة ملايين ونصف مليون دراجة نارية، 80 في المائة من هذه المركبات لم تخضع للفحص الفني، وعدد كبير منها لا يطابق معايير السلامة، وهي مسؤولة عن انبعاثات الغازات الملوثة للهواء من العوادم. كذلك، يقع 30 في المائة من مصانع البلاد في مناطق محيطة بالعاصمة، وهي تنفث دخانها ليخنق المدينة وسكانها أيضاً.
من جهته، يقول مسؤول إدارة الرقابة في "مؤسسة البيئة" محمد رستغاري إنّ مؤسسته كانت معنية بإقرار خطط آنية، وخطط طويلة الأمد، وجرى العمل عليها بشكل مكثف منذ العام 2000.
يتابع رستغاري لـ"العربي الجديد" أنّ أهم الخطط كانت تلك المرتبطة بالتحكم بنوع البنزين المنتج محلياً وذاك المستورد من الخارج، للتخفيف من الانبعاثات التي تولدها محركات السيارات. كما أصدرت المؤسسة قانوناً صادقت عليه الحكومة يمنع حركة السيارات التالفة، وتلك التي لم تخضع لفحص فني.
كما يعتبر أنّ المصانع المحيطة بالعاصمة مسؤولة عن جزء كبير من هذه المشكلة. يقول إنّ "مؤسسة البيئة" حاولت فرض استخدام الغاز الطبيعي كوقود في المصانع، لكنّ معظمها ما زال يستخدم المازوت. يؤكد أنّ العمل جار لتحسين جودة السيارات المصنعة محلياً ومنع استيراد الدراجات النارية ذات المحركات القديمة.
لكنّ رئيسة "مؤسسة البيئة" نفسها، ومستشارة الرئيس الإيراني معصومة ابتكار، انتقدت الأسبوع الماضي بعض الجهات المعنية من دون أن تسميها، قائلة إنّ خططاّ كثيرة جرت المصادقة عليها إلا أنها لم تطبق بحذافيرها خلال السنوات الثماني الماضية. وأشارت إلى أنّ البلدية التي وسعت شبكات النقل العام لم تحقق هدفها بسبب عدم تطبيق الحلول المقترحة بشكلها الصريح.
من جهته، يعتبر خبير البيئة والأرصاد الجوية أمير حسين نقشينه أنّ طهران تعاني في الأساس من عدم هبوب الرياح. وهو ما يجعل الذرّات الملوّثة عالقة في أجوائها غالباً، لا سيما خلال فصل الشتاء. ويدعو المعنيين إلى تطبيق خطط مجدية وتكثيف العمل أكثر لإيجاد حلول جذرية.
يؤكد نقشينه لـ"العربي الجديد" على ضرورة التحكم بالمسببات البشرية، من خلال تزويد وسائل النقل العامة بمحركات كهربائية، وهو ما سيجعلها أقل ضرراً بالبيئة وتسبباً بالتلوث، وتحسين البنزين المستخدم في المركبات. ويشير إلى ضرورة مشاركة المواطنين في تطبيق الحلول، من خلال الاستغناء عن سياراتهم خصوصاً في الأيام الأكثر تلوثاً.
اقرأ أيضاً: جدال حول نقل العاصمة الإيرانيّة
مع بداية شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، تبدّلت مؤشرات قياس معدلات التلوث المنتشرة في مختلف مناطق العاصمة الإيرانية طهران أكثر من مرة. عبرت باتجاه اللون الأحمر الذي يشير إلى نسب عالية للتلوث. ووصلت في مرات أخرى إلى اللون البنفسجي الذي يشير إلى خطورة الوضع بالنسبة لكل فئات المواطنين من دون استثناء، وليس فقط الفئات الحساسة التي تشمل الأطفال وكبار السن ومرضى القلب والجهاز التنفسي. وهو ما أدى إلى الإعلان عن عطلة رسمية في كل مدارس العاصمة استمرت لأيام.
تكرر الوضع في الأيام الأخيرة، ولم يكن أمام الإيرانيين إلا الدعاء بتساقط كميات كبيرة من المطر، أو هبوب الرياح. كلّ من يسكن مناطق جبلية مرتفعة في طهران قادر على رؤية هذه الغيمة الرمادية التي تلف المدينة، كما يشعر أي مواطن يمشي في شوارعها بغشاوة أمام عينيه.
وصف الوضع قد يكون أسهل من تخيل الأضرار الحقيقية التي يمكن أن يسببها التلوث على صحة الإيرانيين. وأي شخص يمكنه أن يدرك خطورة الوضع عندما يستمع للأرقام التي تعلن عنها "مؤسسة البيئة" أو "مؤسسة التحكم بتلوث الهواء" بين الفينة والأخرى. صدر تقرير عن الأخيرة يقول إنّ الأعوام الخمسة عشر الماضية كانت الأسوأ في تاريخ البلاد وما زال الوضع يتجه نحو تدهور أكبر، وهو ما يجعل طهران واحدة من أكثر المدن تلوثاً في العالم ككلّ.
بعض الأطباء يؤكدون ارتفاع حالات الإصابة بمرض سرطان الرئة في طهران خلال السنوات القليلة الماضية. ويعزو هؤلاء الأمر إلى التلوث أولاً والتدخين ثانياً. وقد نقلت وكالة "إيسنا" عن الباحثين في "مركز الدراسات البيئية" قولهم إنّ التلوث هو العامل السابع الذي يشكل الخطر على صحة وسلامة الإيرانيين في كل أرجاء البلاد.
وذكر هؤلاء أنّ 35 مليون شخص في إيران معرضون للإصابة بأنواع مختلفة من السرطان بسبب نسب التلوث العالية في بعض المدن، وأبرزها العاصمة طهران وأصفهان والأهواز.
وعند الحديث عن المسببات، يدرك الكلّ في إيران ماهيتها، فكما للعوامل الطبيعية والجغرافية دورها الرئيس، تساهم العوامل البشرية بزيادة الوضع سوءاً. ففي شوارع العاصمة نحو ثلاثة ملايين سيارة، وثلاثة ملايين ونصف مليون دراجة نارية، 80 في المائة من هذه المركبات لم تخضع للفحص الفني، وعدد كبير منها لا يطابق معايير السلامة، وهي مسؤولة عن انبعاثات الغازات الملوثة للهواء من العوادم. كذلك، يقع 30 في المائة من مصانع البلاد في مناطق محيطة بالعاصمة، وهي تنفث دخانها ليخنق المدينة وسكانها أيضاً.
من جهته، يقول مسؤول إدارة الرقابة في "مؤسسة البيئة" محمد رستغاري إنّ مؤسسته كانت معنية بإقرار خطط آنية، وخطط طويلة الأمد، وجرى العمل عليها بشكل مكثف منذ العام 2000.
يتابع رستغاري لـ"العربي الجديد" أنّ أهم الخطط كانت تلك المرتبطة بالتحكم بنوع البنزين المنتج محلياً وذاك المستورد من الخارج، للتخفيف من الانبعاثات التي تولدها محركات السيارات. كما أصدرت المؤسسة قانوناً صادقت عليه الحكومة يمنع حركة السيارات التالفة، وتلك التي لم تخضع لفحص فني.
كما يعتبر أنّ المصانع المحيطة بالعاصمة مسؤولة عن جزء كبير من هذه المشكلة. يقول إنّ "مؤسسة البيئة" حاولت فرض استخدام الغاز الطبيعي كوقود في المصانع، لكنّ معظمها ما زال يستخدم المازوت. يؤكد أنّ العمل جار لتحسين جودة السيارات المصنعة محلياً ومنع استيراد الدراجات النارية ذات المحركات القديمة.
لكنّ رئيسة "مؤسسة البيئة" نفسها، ومستشارة الرئيس الإيراني معصومة ابتكار، انتقدت الأسبوع الماضي بعض الجهات المعنية من دون أن تسميها، قائلة إنّ خططاّ كثيرة جرت المصادقة عليها إلا أنها لم تطبق بحذافيرها خلال السنوات الثماني الماضية. وأشارت إلى أنّ البلدية التي وسعت شبكات النقل العام لم تحقق هدفها بسبب عدم تطبيق الحلول المقترحة بشكلها الصريح.
من جهته، يعتبر خبير البيئة والأرصاد الجوية أمير حسين نقشينه أنّ طهران تعاني في الأساس من عدم هبوب الرياح. وهو ما يجعل الذرّات الملوّثة عالقة في أجوائها غالباً، لا سيما خلال فصل الشتاء. ويدعو المعنيين إلى تطبيق خطط مجدية وتكثيف العمل أكثر لإيجاد حلول جذرية.
يؤكد نقشينه لـ"العربي الجديد" على ضرورة التحكم بالمسببات البشرية، من خلال تزويد وسائل النقل العامة بمحركات كهربائية، وهو ما سيجعلها أقل ضرراً بالبيئة وتسبباً بالتلوث، وتحسين البنزين المستخدم في المركبات. ويشير إلى ضرورة مشاركة المواطنين في تطبيق الحلول، من خلال الاستغناء عن سياراتهم خصوصاً في الأيام الأكثر تلوثاً.
اقرأ أيضاً: جدال حول نقل العاصمة الإيرانيّة