في مكان معتم وضيّق وقريب من ميدان بهارستان في العاصمة الإيرانيّة طهران، يجلس محمد حسن طوسي قرب نافذته المطلّة على تمثال كمال الملك، الأب الروحي للرسم الإيراني المعاصر. يمسك بأدواته القديمة التي تعود لوالده، ويضع لمساته الأخيرة على سماور يصنعه، وهو ما أتقنه منذ نعومة أظافره.
هذا الرجل السبعيني بات أقدم صانع لأباريق الشاي التقليدية في إيران، والمعروفة بـ "السماور". ما زال يصرّ على متابعة عمله، على الرغم من أن هذه الصناعة على وشك الاندثار في زمن كثرت فيه الآلات والمصانع.
السماور وعاء معدني كبير يشبه إبريق الشاي، لكنه أكبر حجماً، ويستخدم في بلدان أوروبا الشرقية وبعض دول الشرق الأوسط. كانت روسيا قد صنعت السماور في عام 1717، واقتصر استخدامه على عائلات النبلاء. في وقت لاحق، تعلّم الإيرانيّون صناعته. وحالياً، لا يخلو بيت إيراني منه، حتى ولو اختلفت أساليب استخدامه.
السماور التقليدي يُصنع من النحاس، وللسماور الإيراني نقشاته الخاصة، يقول طوسي وهو يتذكر قصة كل إبريق صنعه بيديه. لكنّ السماور اليوم يوضع على الغاز، ولم يعد أحد يستخدم ذلك النوع الذي يعمل بالفحم، إلّا للزينة.
صنع محمد حسن طوسي أفضل أنواع السماور التقليدية، والتي تحتوي في داخلها على أنبوب معدني يوضع فيه فحم مشتعل، فيجعل الماء يغلي، ويتصاعد بخاره ليسخّن إبريقاً أصغر وضع فوقه، والذي يوضع فيه الشاي. ولطالما أحب الإيرانيون الشاي الفاتح اللون، لذلك اعتادوا استخدام السماور منذ القدم، لصبّ نصف كأس أو أقل من الشاي، وإضافة الماء المغلي فوقه.
ويقول طوسي إنّه صنع أباريق من الذهب والفضة أيضاً بأحجام مختلفة. يلفت إلى أنّ بعض أنواع السماور تتّسع لثلاثمائة ليتر من المياه، وعادة ما تُستخدم في الحمامات الشعبية، والمقاهي والمطاعم، وما زال بعض الفنادق يستخدمها حتى اليوم. ويوضح أنّ هذه الصناعة دخلت إلى إيران للمرة الأولى في القرن التاسع عشر، وتعلّمها حتى بات رمزاً لها.
ولد في مشهد، وانتقل وعائلته إلى طهران التي ما زال يقطنها حتى اليوم. كان ذلك منذ خمسين عاماً، وقد تزوج وأنجب أربعة أبناء. كان والده يعمل في تجميع المعادن، وقد علّمه كيفيّة صناعة السماور منذ كان صغيراً. يبدو شغوفاً بكلّ ما يتعلّق بهذه المهنة. لذلك، يحرص على الاستمرار في العمل على الرغم من الصعوبات والتحديات الكبيرة.
طوّر هذا الرجل عمله حتى أصبح يملك مصنعاً معروفاً لصنع مختلف أنواع السماور، وقد اعتاد تصديرها إلى الخارج وبيعها في الداخل، إلى أن شب حريق في مصنعه في عام 2004، ما أدى إلى خسارته كل ما كان يملكه. يوضح طوسي أنّه على الرغم من كلّ شيء، بقي اسمه محفوراً كعلامة مسجلة على تلك الأباريق التقليدية في ذاكرة الإيرانيين. لذلك، رفض التخلّي عن عمله، واشترى محلاً صغيراً، وتابع عمله بشكل متواضع. "لن أتخلّى عمّا أحبّ"، يقول.
اقــرأ أيضاً
ويذكر طوسي أنّ المعامل والمصانع قد تطوّرت اليوم بشكل كبير، وهذا يعني أن السماور الموجود في بيوت الإيرانيين لم يعد هو ذاته الذي كان يستخدم قديماً، إذ بات يُصنع بشكل آلي، وتغلي المياه بواسطة الكهرباء أو الغاز. لم يعد أحد يشتري السماور التقليدي الذي يعمل بالفحم. ويشير إلى ورقة علّقها على الحائط، وطبع عليها إعلاناً بأنه بات يصنع سماوراً حديثاً يعمل بواسطة الكهرباء.
حاول مجاراة طلبات السوق، لكنه لا يستمتع إلا بصناعة ذلك الأصلي. لذلك، يحرص على تأمين بعض الطلبيات التي يصفها بـ "المتواضعة للغاية". يضيف أن بعض السياح يقصدونه حتى يومنا هذا ليشتروا سماوراً تقليدياً، فضلاً عن إيرانيين إما يقطنون في الخارج، أو يعرفون قيمة العمل اليدوي.
لم يعد الحاج طوسي قادراً على المنافسة في السوق اليوم، لكنّه ما زال الأقدم والأجدر والأكثر شهرة على الرغم من كلّ ما حلّ به. يقول إن صناعة السماور التقليدي لطالما كانت باهظة، بسبب غلاء أوراق النحاس. برأيه، فإنّ صناعة السماور موروث تقليدي، وعلى المعنيين الاهتمام به، ودعم صانعيه وحمايتهم. ويرى أنّ غياب الدعم من شأنه أن يتسبّب في اندثار هذه الصناعة، مؤكداً على ضرورة حفظ كل ما يتعلق بالثقافة والحضارة في بلاده، خصوصاً الفنون والصناعات التقليدية.
ولدى سؤاله عمّا إذا كان قد أورث هذه المهنة لأحد أبنائه، يقول إن ابنيه كانا يعملان معه قبل اندلاع الحريق. بعدها، بدآ مشاريع جديدة. تعلّما مهنة والدهما، لكن لم يمتلكا موهبة حفر النقوش التقليدية على النحاس المستخدم في صنع السماور. تختلف أسعار السماور التقليدي اليوم، وقد يزيد سعر الإبريق الواحد عن الألف دولار. اليوم، لم يعد كثيرون قادرين على امتلاك هذه الأباريق المصنوعة يدوياً، ما ساهم أيضاً في تراجع هذه الصناعة بحسب طوسي الذي يصر على إكمال عمله حتى آخر يوم في حياته في هذه المساحة الصغيرة.
اقــرأ أيضاً
هذا الرجل السبعيني بات أقدم صانع لأباريق الشاي التقليدية في إيران، والمعروفة بـ "السماور". ما زال يصرّ على متابعة عمله، على الرغم من أن هذه الصناعة على وشك الاندثار في زمن كثرت فيه الآلات والمصانع.
السماور وعاء معدني كبير يشبه إبريق الشاي، لكنه أكبر حجماً، ويستخدم في بلدان أوروبا الشرقية وبعض دول الشرق الأوسط. كانت روسيا قد صنعت السماور في عام 1717، واقتصر استخدامه على عائلات النبلاء. في وقت لاحق، تعلّم الإيرانيّون صناعته. وحالياً، لا يخلو بيت إيراني منه، حتى ولو اختلفت أساليب استخدامه.
السماور التقليدي يُصنع من النحاس، وللسماور الإيراني نقشاته الخاصة، يقول طوسي وهو يتذكر قصة كل إبريق صنعه بيديه. لكنّ السماور اليوم يوضع على الغاز، ولم يعد أحد يستخدم ذلك النوع الذي يعمل بالفحم، إلّا للزينة.
صنع محمد حسن طوسي أفضل أنواع السماور التقليدية، والتي تحتوي في داخلها على أنبوب معدني يوضع فيه فحم مشتعل، فيجعل الماء يغلي، ويتصاعد بخاره ليسخّن إبريقاً أصغر وضع فوقه، والذي يوضع فيه الشاي. ولطالما أحب الإيرانيون الشاي الفاتح اللون، لذلك اعتادوا استخدام السماور منذ القدم، لصبّ نصف كأس أو أقل من الشاي، وإضافة الماء المغلي فوقه.
ويقول طوسي إنّه صنع أباريق من الذهب والفضة أيضاً بأحجام مختلفة. يلفت إلى أنّ بعض أنواع السماور تتّسع لثلاثمائة ليتر من المياه، وعادة ما تُستخدم في الحمامات الشعبية، والمقاهي والمطاعم، وما زال بعض الفنادق يستخدمها حتى اليوم. ويوضح أنّ هذه الصناعة دخلت إلى إيران للمرة الأولى في القرن التاسع عشر، وتعلّمها حتى بات رمزاً لها.
ولد في مشهد، وانتقل وعائلته إلى طهران التي ما زال يقطنها حتى اليوم. كان ذلك منذ خمسين عاماً، وقد تزوج وأنجب أربعة أبناء. كان والده يعمل في تجميع المعادن، وقد علّمه كيفيّة صناعة السماور منذ كان صغيراً. يبدو شغوفاً بكلّ ما يتعلّق بهذه المهنة. لذلك، يحرص على الاستمرار في العمل على الرغم من الصعوبات والتحديات الكبيرة.
طوّر هذا الرجل عمله حتى أصبح يملك مصنعاً معروفاً لصنع مختلف أنواع السماور، وقد اعتاد تصديرها إلى الخارج وبيعها في الداخل، إلى أن شب حريق في مصنعه في عام 2004، ما أدى إلى خسارته كل ما كان يملكه. يوضح طوسي أنّه على الرغم من كلّ شيء، بقي اسمه محفوراً كعلامة مسجلة على تلك الأباريق التقليدية في ذاكرة الإيرانيين. لذلك، رفض التخلّي عن عمله، واشترى محلاً صغيراً، وتابع عمله بشكل متواضع. "لن أتخلّى عمّا أحبّ"، يقول.
ويذكر طوسي أنّ المعامل والمصانع قد تطوّرت اليوم بشكل كبير، وهذا يعني أن السماور الموجود في بيوت الإيرانيين لم يعد هو ذاته الذي كان يستخدم قديماً، إذ بات يُصنع بشكل آلي، وتغلي المياه بواسطة الكهرباء أو الغاز. لم يعد أحد يشتري السماور التقليدي الذي يعمل بالفحم. ويشير إلى ورقة علّقها على الحائط، وطبع عليها إعلاناً بأنه بات يصنع سماوراً حديثاً يعمل بواسطة الكهرباء.
حاول مجاراة طلبات السوق، لكنه لا يستمتع إلا بصناعة ذلك الأصلي. لذلك، يحرص على تأمين بعض الطلبيات التي يصفها بـ "المتواضعة للغاية". يضيف أن بعض السياح يقصدونه حتى يومنا هذا ليشتروا سماوراً تقليدياً، فضلاً عن إيرانيين إما يقطنون في الخارج، أو يعرفون قيمة العمل اليدوي.
لم يعد الحاج طوسي قادراً على المنافسة في السوق اليوم، لكنّه ما زال الأقدم والأجدر والأكثر شهرة على الرغم من كلّ ما حلّ به. يقول إن صناعة السماور التقليدي لطالما كانت باهظة، بسبب غلاء أوراق النحاس. برأيه، فإنّ صناعة السماور موروث تقليدي، وعلى المعنيين الاهتمام به، ودعم صانعيه وحمايتهم. ويرى أنّ غياب الدعم من شأنه أن يتسبّب في اندثار هذه الصناعة، مؤكداً على ضرورة حفظ كل ما يتعلق بالثقافة والحضارة في بلاده، خصوصاً الفنون والصناعات التقليدية.
ولدى سؤاله عمّا إذا كان قد أورث هذه المهنة لأحد أبنائه، يقول إن ابنيه كانا يعملان معه قبل اندلاع الحريق. بعدها، بدآ مشاريع جديدة. تعلّما مهنة والدهما، لكن لم يمتلكا موهبة حفر النقوش التقليدية على النحاس المستخدم في صنع السماور. تختلف أسعار السماور التقليدي اليوم، وقد يزيد سعر الإبريق الواحد عن الألف دولار. اليوم، لم يعد كثيرون قادرين على امتلاك هذه الأباريق المصنوعة يدوياً، ما ساهم أيضاً في تراجع هذه الصناعة بحسب طوسي الذي يصر على إكمال عمله حتى آخر يوم في حياته في هذه المساحة الصغيرة.