تقف الأهداف التي يضعها الأهل في قطاع غزة، في مواجهة رغبات الأبناء في اختصاصهم الجامعي. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يواجه الجامعيون الجدد عقبة معدل القبول
تتقلص الفرص الأكاديمية أمام الطلاب الذين أنهوا للتو الثانوية العامة في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر. فاختيار الاختصاص الجامعي المناسب يتبع الفرص المهنية المستقبلية القليلة في غزة، أما رغبة الطالب فليست لها قيمة كبيرة هنا.
طلاب كثيرون رفضت رغباتهم في اختيار اختصاصات يميلون إليها. آباؤهم هم من رفض بذريعة تأمين مستقبلهم باختصاص يضمن لهم راتباً شهرياً. فهؤلاء لا يرغبون في مجازفة أبنائهم باختصاص يجعلهم عاطلين من العمل.
أمام تلك القيود، لم تعد بعض الجامعات الفلسطينية توفر الشروط السلسة أمامهم للتسجيل في بعض التخصصات، فأمام كلّ القيود التي تفرضها الأسرة والمجتمع يعمل عدد من الجامعات داخل قطاع غزة على رفع معدل قبول بعض الكليات أمام الطلاب، وهو ما يزعج هؤلاء، خصوصاً تجاه كليات القانون التي تتطلب معدل 70 في المائة، بينما كان المعدل المطلوب سابقاً هو 65 في المائة.
آية، تحمل معدل 68 في المائة في الثانوية العامة. على مدار عام كامل عانت من مشاكل صحية في جهازها الهضمي بالإضافة إلى ضعف في الكالسيوم، فلم تتمكن من التمتع بجو دراسي ملائم، بالإضافة إلى عدم توفر الكهرباء خلال أشهر الدراسة الأخيرة هذا العام. تقول لـ"العربي الجديد": "أسرتي لا تريدني أن أتخصص في الآداب أو العلوم وهي أنسب الكليات لميولي العلمية، بحجة أنّها لا تناسبني كفتاة شرقية في مجتمع محافظ. ومن جهة أخرى لم تراعِ الجامعة ظروفنا".
اقــرأ أيضاً
تشير آية إلى أنّ إعلان الجامعات لمعدلات القبول في كلياتها كانت صدمة بالنسبة لها ولآلاف من خريجي الثانوية العامة.
لا يختلف وضع أحمد كثيراً، إذ فرضت عليه أسرته دراسة الطب لأنّ معدله 98 في المائة. حجة أسرته تأمين مستقبله وعدم جعله واحداً من المصطفين في طوابير البطالة، لأنّ الكثير من الاختصاصات في قطاع غزة باتت بلا قيمة، خصوصاً الهندسة التي يرغب بشدة في أن ينتسب إلى كليتها. تخصص الهندسة بالنسبة لأحمد متعة شخصية، لأنّه يحب الروبوتات والاختراعات والتصميمات المختلفة، وقد حصل على جائزة العام الماضي في مدرسته ضمن نشاط لاختراعات التلاميذ، قدم خلاله مخطط روبوت مدرسي يساعد المعلمين في شرح بعض النظريات الحسابية والمعلوماتية. لكنّه اليوم خائب الأمل كما لم يتوقع. يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "والدي يخاف عليَّ كثيراً، ويخبرني بأنّ المجتمع في حاجة إلى أطباء، وهذا الاختصاص خدمة للوطن من ناحية ومهنة مضمونة لي من ناحية أخرى. لكنني أرغب في دراسة الهندسة الإلكترونية التي يمكن أن تتيح لي تقديم اختراعات لكلّ المهن، خصوصاً أنّنا لا نتطور في هذا المجال، وأنّ الاختراعات في فلسطين محدودة جداً".
يحاول أحمد الاستعانة ببعض المدرسين له في المرحلة الثانوية ليقنعوا والده بالسماح له بدراسة الهندسة، وهي الطريقة نفسها التي يتبعها زميله مؤمن في المدرسة نفسها الذي حصل على معدل 73 في المائة، ويرغب في اختصاص التجارة الإلكترونية في الخارج عبر أيّ منحة دراسية، لكنّ أسرته تريده أن يدرس في كلية الرباط العسكرية التابعة لوزارة الداخلية والأمن الوطني. وقد دارت بعض المشاكل مع أعمامه ووالده، بسبب عدم إطاعته لهم في ذلك.
تقول الاختصاصية الاجتماعية والمرشدة التربوية منى جبر، إنّ الكثير من العائلات ما زالت تفرض على أبنائها القرارات الحياتية المصيرية. تشير إلى أنّها صورة مكررة عن العادات والتقاليد السلبية التي تعيشها المجتمعات العربية بحجة الخوف والحرص على مستقبل الأبناء. لكنّها تتخوف من ظاهرة العدوانية المجتمعية، وهو نوع من العنف يصاحبه سلوك سلبي بنتيجة فرض الشخص الكبير على الصغير أمراً مبنياً على غير قناعة، وأهم أعراضه في المرحلة الأولى الاكتئاب والتوتر والقلق المستمر، وتطور الشعور بالاغتراب، إذ ينعزل الفرد عن المجتمع ويفقد الثقة في من حوله.
تعتبر جبر أنّ العام الجاري كان الأسوأ على مسيرة تلاميذ الثانوية العامة في قطاع غزة في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تتضاعف. كذلك، لا تراعي الأسر ذلك، فلا تخفف عن أبنائها. ويضاف إلى كلّ ذلك أنّ الجامعات تظلم الطلاب المقبلين على الحياة الجامعية في معدلات القبول الكارثية، كما تصفها: "وهو ما يزعزع مستوى الانتماء إلى ميدان العمل لدى الخريجين في المجتمع الفلسطيني".
يذكر أنّ عدد المتقدمين إلى الثانوية العامة في فلسطين ككلّ بلغ هذا العام 72.015 تلميذاً وتلميذة، من بينهم 28.814 في قطاع غزة. وبلغت نسبة النجاح 67.24 في المائة.
اقــرأ أيضاً
تتقلص الفرص الأكاديمية أمام الطلاب الذين أنهوا للتو الثانوية العامة في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر. فاختيار الاختصاص الجامعي المناسب يتبع الفرص المهنية المستقبلية القليلة في غزة، أما رغبة الطالب فليست لها قيمة كبيرة هنا.
طلاب كثيرون رفضت رغباتهم في اختيار اختصاصات يميلون إليها. آباؤهم هم من رفض بذريعة تأمين مستقبلهم باختصاص يضمن لهم راتباً شهرياً. فهؤلاء لا يرغبون في مجازفة أبنائهم باختصاص يجعلهم عاطلين من العمل.
أمام تلك القيود، لم تعد بعض الجامعات الفلسطينية توفر الشروط السلسة أمامهم للتسجيل في بعض التخصصات، فأمام كلّ القيود التي تفرضها الأسرة والمجتمع يعمل عدد من الجامعات داخل قطاع غزة على رفع معدل قبول بعض الكليات أمام الطلاب، وهو ما يزعج هؤلاء، خصوصاً تجاه كليات القانون التي تتطلب معدل 70 في المائة، بينما كان المعدل المطلوب سابقاً هو 65 في المائة.
آية، تحمل معدل 68 في المائة في الثانوية العامة. على مدار عام كامل عانت من مشاكل صحية في جهازها الهضمي بالإضافة إلى ضعف في الكالسيوم، فلم تتمكن من التمتع بجو دراسي ملائم، بالإضافة إلى عدم توفر الكهرباء خلال أشهر الدراسة الأخيرة هذا العام. تقول لـ"العربي الجديد": "أسرتي لا تريدني أن أتخصص في الآداب أو العلوم وهي أنسب الكليات لميولي العلمية، بحجة أنّها لا تناسبني كفتاة شرقية في مجتمع محافظ. ومن جهة أخرى لم تراعِ الجامعة ظروفنا".
تشير آية إلى أنّ إعلان الجامعات لمعدلات القبول في كلياتها كانت صدمة بالنسبة لها ولآلاف من خريجي الثانوية العامة.
لا يختلف وضع أحمد كثيراً، إذ فرضت عليه أسرته دراسة الطب لأنّ معدله 98 في المائة. حجة أسرته تأمين مستقبله وعدم جعله واحداً من المصطفين في طوابير البطالة، لأنّ الكثير من الاختصاصات في قطاع غزة باتت بلا قيمة، خصوصاً الهندسة التي يرغب بشدة في أن ينتسب إلى كليتها. تخصص الهندسة بالنسبة لأحمد متعة شخصية، لأنّه يحب الروبوتات والاختراعات والتصميمات المختلفة، وقد حصل على جائزة العام الماضي في مدرسته ضمن نشاط لاختراعات التلاميذ، قدم خلاله مخطط روبوت مدرسي يساعد المعلمين في شرح بعض النظريات الحسابية والمعلوماتية. لكنّه اليوم خائب الأمل كما لم يتوقع. يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "والدي يخاف عليَّ كثيراً، ويخبرني بأنّ المجتمع في حاجة إلى أطباء، وهذا الاختصاص خدمة للوطن من ناحية ومهنة مضمونة لي من ناحية أخرى. لكنني أرغب في دراسة الهندسة الإلكترونية التي يمكن أن تتيح لي تقديم اختراعات لكلّ المهن، خصوصاً أنّنا لا نتطور في هذا المجال، وأنّ الاختراعات في فلسطين محدودة جداً".
يحاول أحمد الاستعانة ببعض المدرسين له في المرحلة الثانوية ليقنعوا والده بالسماح له بدراسة الهندسة، وهي الطريقة نفسها التي يتبعها زميله مؤمن في المدرسة نفسها الذي حصل على معدل 73 في المائة، ويرغب في اختصاص التجارة الإلكترونية في الخارج عبر أيّ منحة دراسية، لكنّ أسرته تريده أن يدرس في كلية الرباط العسكرية التابعة لوزارة الداخلية والأمن الوطني. وقد دارت بعض المشاكل مع أعمامه ووالده، بسبب عدم إطاعته لهم في ذلك.
تقول الاختصاصية الاجتماعية والمرشدة التربوية منى جبر، إنّ الكثير من العائلات ما زالت تفرض على أبنائها القرارات الحياتية المصيرية. تشير إلى أنّها صورة مكررة عن العادات والتقاليد السلبية التي تعيشها المجتمعات العربية بحجة الخوف والحرص على مستقبل الأبناء. لكنّها تتخوف من ظاهرة العدوانية المجتمعية، وهو نوع من العنف يصاحبه سلوك سلبي بنتيجة فرض الشخص الكبير على الصغير أمراً مبنياً على غير قناعة، وأهم أعراضه في المرحلة الأولى الاكتئاب والتوتر والقلق المستمر، وتطور الشعور بالاغتراب، إذ ينعزل الفرد عن المجتمع ويفقد الثقة في من حوله.
تعتبر جبر أنّ العام الجاري كان الأسوأ على مسيرة تلاميذ الثانوية العامة في قطاع غزة في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تتضاعف. كذلك، لا تراعي الأسر ذلك، فلا تخفف عن أبنائها. ويضاف إلى كلّ ذلك أنّ الجامعات تظلم الطلاب المقبلين على الحياة الجامعية في معدلات القبول الكارثية، كما تصفها: "وهو ما يزعزع مستوى الانتماء إلى ميدان العمل لدى الخريجين في المجتمع الفلسطيني".
يذكر أنّ عدد المتقدمين إلى الثانوية العامة في فلسطين ككلّ بلغ هذا العام 72.015 تلميذاً وتلميذة، من بينهم 28.814 في قطاع غزة. وبلغت نسبة النجاح 67.24 في المائة.