في الأسبوع الأخير من شهر إبريل/ نيسان المنصرم، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 2467 المتعلق بالعنف الجنسي في خلال النزاعات. ويلزم القرار كل حكومات الدول الأعضاء بتفعيل آليات الحماية للنساء والفتيات الناجيات من العنف الجنسي في أوقات النزاع، وذلك عبر إلغاء الحصانة التي يتمتّع بها المعتدون والمجرمون. كذلك يلزم القرار الحكومات بتقديم الخدمات للضحايا والنساء الناجيات، عبر اعتماد نهج الارتكاز على احتياجات الناجيات وتقديم كل الخدمات، سواء القانونية أو النفسية أو خدمات الدمج الاجتماعي، بما يضمن كرامتهنّ وانخراطهنّ في المجتمع. ويلفت القرار كذلك إلى الضحايا الذين يكونون غالباً غير مرئيين أو الذين يتمّ تجاهلهم، من أمثال الأطفال أو الرجال أو المواليد الذين أبصروا النور على خلفية حالات اغتصاب.
لحظ القرار قضيّة الأطفال الذين يولدون نتيجة حالات من العنف الجنسي والاغتصاب، وركّز بالدرجة الأولى على احتياجات الضحايا والناجيات، وسعى إلى فرض العقوبات على المجرمين لرفع الحصانة وتحقيق العدالة والمساءلة، غير أنّه استناداً إلى ضغط من الولايات المتحدة الأميركية بإدارة دونالد ترامب لم يستطع الدفع في تجاه أمرَين أساسيَّين. في سياق المفاوضات التي سبقت تبنّي القرار، حُذفت كلّ إشارة إلى "خدمات الصحة الإنجابية والجنسية" في ظلّ تهديد الولايات المتحدة بنقض القرار، وكذلك أزيل المقطع الخاص بإنشاء آليات رسمية لمراقبة الاعتداءات الجنسية والتبليغ عنها.
في إلغاء المقطع الذي يتناول ضرورة حصول النساء على خدمات الصحة الإنجابية والجنسية تعارضٌ صارخٌ مع صلب القرار وسبب وجوده. ومن شأن إلغائه أن يدحض الهدف المراد منه. إذا كان القرار قد وُجد ليكرّس نهج التركيز على الناجيات واحتياجاتهنّ وليعزّز وصول النساء إلى العدالة عبر محاسبة المعتدين، فإنّ خدمات الصحة الإنجابية والجنسية تُعَدّ أساسية للاستجابة لاحتياجات الناجيات وأساسية كذلك لضمان تحقيق مسار العدالة ومحاسبة المعتدين. وخدمات الصحة الإنجابية والجنسية لا تُختصر - مثلما يخشى ترامب - بالإجهاض فحسب، بل تتضمن الخدمات الصحية التي تُقدَّم للناجيات من الاغتصاب في خلال الساعات الأربع والعشرين التالية، بالإضافة إلى خدمات الطب الشرعي والحقّ في الحصول على وسائل منع الحمل للحؤول دون حصول حمل نتيجة الاغتصاب ووسائل أخرى للحماية من الأمراض المنقولة جنسياً، إلى جانب حقوق أخرى.
على الرغم من أنّ قرار مجلس الأمن جاء بناءً على جملة قرارات سابقة حول ضرورة حماية النساء والفتيات من العنف في أوقات النزاع (من قبيل القرارات 1325 و1888 و2242 وغيرها) ولحظ بصورة مباشرة العنف الجنسي واستخدامه كأداة حرب في حقّ النساء والفتيات، فإنّه أشبه بضمادة جرح أو وثيقة تعطي الاعتبارات السياسية أولوية على تلك الإنسانية. وتجدر الإشارة إلى أنّ في تهديد الولايات المتحدة نقض القرار 2467 وخضوع الدول الأعضاء ومن ضمنها ألمانيا (عرّابة القرار) إلى الضغط الأميركي، إشارة إلى أنّ أجندة حقوق المرأة مهدّدة بالخطر، لا سيّما وقد تمّ التراجع عن مكتسبات سبق وأقرّت سابقاً في مجلس الأمن.
*ناشطة نسوية