يأتي "اختفاء" طالبي اللجوء كمشكلة إضافية إلى مجموعة المشاكل التي ترافق أزمة اللجوء العالمية، ما يثير تساؤلات وشكوكا كثيرة. في ألمانيا مثلاً، قارب عدد القاصرين المختفين الذين تسجّلوا وهم دون الثامنة عشرة من عمرهم 8006 لاجئين قاصرين، قبل أن يعود 2171 منهم ويظهروا، بحسب إحصاءات تعود إلى عام 2015. معظم هؤلاء من أفغانستان وسورية وإريتريا والمغرب والجزائر. وتذكر التقارير أنّ من بين المفقودين 555 طفلاً.
هذا الأمر يبعث على مخاوف جديدة، خصوصاً أن السلطات الألمانية تخشى أن يتحوّل هؤلاء القاصرين إلى قنابل موقوتة، في حال سعت الجماعات الإسلامية إلى "غسل أدمغتهم". وربما يتحوّلون إلى صيد سهل لشبكات الاتجار بالبشر، التي تنشط في كل مكان، أو يُستغلون جنسياً ويشغّلون في الدعارة. إلا أن هذه الفرضيّات لم تدفع الجهات الرسمية إلى التحرّك حتى الآن، لتبقى قضيّة القاصرين المختفين إحدى المشاكل الأساسية ضمن ملف القاصرين في ألمانيا.
عجز
ليس مبالغاً القول إن القاصرين في ألمانيا، وتحديداً أولئك الذين يحملون الجنسية السورية، يعانون من مشاكل عدة، خصوصاً نفسية. وتكمن المشكلة الأبرز في عيشهم بعيداً عن عائلاتهم، واضطرار بعضهم إلى العناية بأشقائهم الأصغر سناً، بالإضافة إلى مشقة اجتياز البحر والغابات. ولا يكون الواقع أسهل في ألمانيا، حين يجدون أنفسهم مضطرين إلى مواجهة الحياة وحدهم، بكل ما تحمله من صعوبات. ربما يشعرون بالعجز وقد يصابون بالاكتئاب. من جهة أخرى، يقول آخرون من الذين قابلتهم "العربي الجديد" إنهم شعروا بالخذلان من أهلهم بعدما رموهم في البحر (على حد تعبير البعض)، والخذلان من ألمانيا التي تعاملت معهم كغيرهم من المهاجرين، من دون أي مراعاة لأوضاعهم.
ويوضح هؤلاء أن تأخير حصولهم على إقامات يعني تأخير لمّ الشمل ولقاء الأهل، وقد باتوا غير متأكدين من أن هذا اللقاء سيحصل فعلاً. في هذا السياق، يقول فراس الذي قدم من دمشق مع شقيقيه الصغيرين: "في عرض البحر، أحسست بأنني في ورطة. لم يكن هناك مجال للعودة وقد خفت من الاستمرار. كنت أنظر إلى شقيقي وأفكر إذا كنا سننجو. من منا سيصل إلى ألمانيا؟ أحياناً، كنت أغضب من أهلي الذين جعلونا نخوض مغامرة كهذه لتأمين مستقبل العائلة.
في هذا الإطار، تقول المعالجة النفسية الألمانية كريت غولد مان إن "المراهقين في هذا السن يبدؤون بتشكيل هوياتهم وبناء أحلامهم الخاصة، وعادة ما يحتاجون إلى رعاية من الأهل لاجتياز فترة تعدّ الأهم والأخطر في حياتهم. لذلك، فإن غياب الموجه والداعم والمربّي في هذه السن يعد بمثابة كارثة ويؤثر عليهم، علماً أن آثار هذا الأمر لن تظهر إلا في سن متقدمة". تضيف أن "هناك أعباء لا يمكن أن يتحملها مراهقون أو أطفال". وتسأل: "كيف لأطفال صغار أن يناموا في منزل وحدهم بعيداً عن آبائهم وأمهاتهم؟ هؤلاء تركوا بلدهم وفقدوا أهلهم ومنازلهم وأصدقاءهم دفعة واحدة". تضيف: "عندما أسأل الأطفال الذين أعالجهم عن أحلامهم، يقول معظمهم إنهم يحلمون بمنزل. وهذا الحلم يرتبط بوجود أم وأب. أحياناً، يقول بعض الصبية إننا لم نعد نحلم. المهم أننا نجونا".
اقــرأ أيضاً
ويقول عدد من المتخصصين في علم النفس إن القاعدة تتمثل في أن يؤمن الأهل مستقبل أطفالهم إلى حين بلوغهم السنّ القانونية. لكن حين تنقلب الموازين، ويصبح الشاب مسؤولاً عن خوض مغامرة من أجل تأمين مستقبله، فهذا أمر يصعب تحمله. في بعض الأحيان، يكون مستقبل عائلة كاملة معلّقا بطفل عليه الوصول إلى ألمانيا.
أوصياء
على الصعيد القانوني، يتولّى مكتب الشباب متابعة شؤون القاصرين. في هذا السياق، تقول الوصيّة على نحو 17 قاصرا، سابينا مولر، إن "عدد القاصرين الذين أتابع شؤونهم كبير للغاية". وتلفت إلى أنها مسؤولة عن تأمين مدارس لهم ومتابعة جلسات المحكمة الخاصة بهم وإجراءات لمّ الشمل، عدا عن اللقاءات الشهريّة التي تجريها وتكرر فيها الأسئلة نفسها عن المدرسة، وإذا ما كانوا يعاملون بعنف من أي جهة كانت، خصوصاً أشقاءهم الأكبر سناً".
وعادة ما يعيّن أوصياء على القاصرين المسجّلين من دون أوصياء ألمان، ويتولى هؤلاء متابعة أمورهم. لكن في بعض الأحيان، يصعب إيجاد أوصياء، ما يؤدي إلى التأخير في إتمام الإجراءات الخاصة بالمراهق أو الطفل. في هذا السياق، يقول أحمد إنه انتظر عاماً كاملاً قبل إيجاد وصي. يشرح: "في ذلك الوقت، كنت في الـ17 من عمري. بعد عام، وصلتني رسالة بالبريد تبلغني بالعثور على وصي. لكن كان قد فات الأون، فقد بلغت السن القانونية ولا حاجة لي إليه. الفرق أن علي أن أبدأ كل شيء وحدي".
من جهةٍ أخرى، يؤكّد بعض الناشطين المعنيّين بمتابعة قضايا اللاجئين السوريّين أن الكثير من السوريّين يقبلون أي عمل للحصول على مال إضافي، عدا ذلك الذي يمنح عادة للقاصرين. وكثيرون يستفيدون من هذا المال لتكليف شخص بمتابعة أمورهم القانونية، بدلاً من تولي مراجعة الجهات الحكومية بأنفسهم، أو القيام بإجراءات لمّ الشمل.
وأحياناً، يلجأ عدد من القاصرين إلى تغيير أعمارهم الحقيقية حتى يحصلوا على حق رعاية أشقائهم الأصغر سناً، خشية أن يعمد مكتب الشباب إلى نقلهم للعيش مع أوصياء آخرين أقدر على تربيتهم. في هذا السياق، يقول أحد الشباب، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد": "حين وصلت إلى ألمانيا، نصحني البعض بأن أقول إن عمري 21 عاماً، حتى لا يأخذ مكتب الشباب أخي الصغير مني، وهذا ما فعلته. إلا أن الوصي المعين للاهتمام بشقيقي يزورنا كل أسبوع ويجلس معه على انفراد، ويهددني بأخذه مني في حال بقي حزيناً. في هذه اللحظات، أشعر بالحزن لأنني كذبت". يضيف: "ليتني لم أتحمل هذه المسؤولية الكبيرة. لا يمكنني أن أكون مسؤولاً عن تأخره في المدرسة أو عن حالته النفسية".
بدورها، تؤكد لوزينا كروزا، التي تعمل في منظمة "الأفو" المعنية بشؤون اللاجئين، إنها تلاحظ أن هذا الخوف مبالغ فيه، خصوصاً أنه ليس من مصلحة أي جهة حكومية أخذ الأطفال من أشقائهم، إلا في حال أساؤوا لهم جسدياً أو نفسياً. بالإضافة إلى كروزا، يلفت كثيرون إلى أن مكتب الشباب يبالغ في تقييم أوضاع الأشقاء الصغار.
اقــرأ أيضاً
هذا الأمر يبعث على مخاوف جديدة، خصوصاً أن السلطات الألمانية تخشى أن يتحوّل هؤلاء القاصرين إلى قنابل موقوتة، في حال سعت الجماعات الإسلامية إلى "غسل أدمغتهم". وربما يتحوّلون إلى صيد سهل لشبكات الاتجار بالبشر، التي تنشط في كل مكان، أو يُستغلون جنسياً ويشغّلون في الدعارة. إلا أن هذه الفرضيّات لم تدفع الجهات الرسمية إلى التحرّك حتى الآن، لتبقى قضيّة القاصرين المختفين إحدى المشاكل الأساسية ضمن ملف القاصرين في ألمانيا.
عجز
ليس مبالغاً القول إن القاصرين في ألمانيا، وتحديداً أولئك الذين يحملون الجنسية السورية، يعانون من مشاكل عدة، خصوصاً نفسية. وتكمن المشكلة الأبرز في عيشهم بعيداً عن عائلاتهم، واضطرار بعضهم إلى العناية بأشقائهم الأصغر سناً، بالإضافة إلى مشقة اجتياز البحر والغابات. ولا يكون الواقع أسهل في ألمانيا، حين يجدون أنفسهم مضطرين إلى مواجهة الحياة وحدهم، بكل ما تحمله من صعوبات. ربما يشعرون بالعجز وقد يصابون بالاكتئاب. من جهة أخرى، يقول آخرون من الذين قابلتهم "العربي الجديد" إنهم شعروا بالخذلان من أهلهم بعدما رموهم في البحر (على حد تعبير البعض)، والخذلان من ألمانيا التي تعاملت معهم كغيرهم من المهاجرين، من دون أي مراعاة لأوضاعهم.
ويوضح هؤلاء أن تأخير حصولهم على إقامات يعني تأخير لمّ الشمل ولقاء الأهل، وقد باتوا غير متأكدين من أن هذا اللقاء سيحصل فعلاً. في هذا السياق، يقول فراس الذي قدم من دمشق مع شقيقيه الصغيرين: "في عرض البحر، أحسست بأنني في ورطة. لم يكن هناك مجال للعودة وقد خفت من الاستمرار. كنت أنظر إلى شقيقي وأفكر إذا كنا سننجو. من منا سيصل إلى ألمانيا؟ أحياناً، كنت أغضب من أهلي الذين جعلونا نخوض مغامرة كهذه لتأمين مستقبل العائلة.
في هذا الإطار، تقول المعالجة النفسية الألمانية كريت غولد مان إن "المراهقين في هذا السن يبدؤون بتشكيل هوياتهم وبناء أحلامهم الخاصة، وعادة ما يحتاجون إلى رعاية من الأهل لاجتياز فترة تعدّ الأهم والأخطر في حياتهم. لذلك، فإن غياب الموجه والداعم والمربّي في هذه السن يعد بمثابة كارثة ويؤثر عليهم، علماً أن آثار هذا الأمر لن تظهر إلا في سن متقدمة". تضيف أن "هناك أعباء لا يمكن أن يتحملها مراهقون أو أطفال". وتسأل: "كيف لأطفال صغار أن يناموا في منزل وحدهم بعيداً عن آبائهم وأمهاتهم؟ هؤلاء تركوا بلدهم وفقدوا أهلهم ومنازلهم وأصدقاءهم دفعة واحدة". تضيف: "عندما أسأل الأطفال الذين أعالجهم عن أحلامهم، يقول معظمهم إنهم يحلمون بمنزل. وهذا الحلم يرتبط بوجود أم وأب. أحياناً، يقول بعض الصبية إننا لم نعد نحلم. المهم أننا نجونا".
ويقول عدد من المتخصصين في علم النفس إن القاعدة تتمثل في أن يؤمن الأهل مستقبل أطفالهم إلى حين بلوغهم السنّ القانونية. لكن حين تنقلب الموازين، ويصبح الشاب مسؤولاً عن خوض مغامرة من أجل تأمين مستقبله، فهذا أمر يصعب تحمله. في بعض الأحيان، يكون مستقبل عائلة كاملة معلّقا بطفل عليه الوصول إلى ألمانيا.
أوصياء
على الصعيد القانوني، يتولّى مكتب الشباب متابعة شؤون القاصرين. في هذا السياق، تقول الوصيّة على نحو 17 قاصرا، سابينا مولر، إن "عدد القاصرين الذين أتابع شؤونهم كبير للغاية". وتلفت إلى أنها مسؤولة عن تأمين مدارس لهم ومتابعة جلسات المحكمة الخاصة بهم وإجراءات لمّ الشمل، عدا عن اللقاءات الشهريّة التي تجريها وتكرر فيها الأسئلة نفسها عن المدرسة، وإذا ما كانوا يعاملون بعنف من أي جهة كانت، خصوصاً أشقاءهم الأكبر سناً".
وعادة ما يعيّن أوصياء على القاصرين المسجّلين من دون أوصياء ألمان، ويتولى هؤلاء متابعة أمورهم. لكن في بعض الأحيان، يصعب إيجاد أوصياء، ما يؤدي إلى التأخير في إتمام الإجراءات الخاصة بالمراهق أو الطفل. في هذا السياق، يقول أحمد إنه انتظر عاماً كاملاً قبل إيجاد وصي. يشرح: "في ذلك الوقت، كنت في الـ17 من عمري. بعد عام، وصلتني رسالة بالبريد تبلغني بالعثور على وصي. لكن كان قد فات الأون، فقد بلغت السن القانونية ولا حاجة لي إليه. الفرق أن علي أن أبدأ كل شيء وحدي".
من جهةٍ أخرى، يؤكّد بعض الناشطين المعنيّين بمتابعة قضايا اللاجئين السوريّين أن الكثير من السوريّين يقبلون أي عمل للحصول على مال إضافي، عدا ذلك الذي يمنح عادة للقاصرين. وكثيرون يستفيدون من هذا المال لتكليف شخص بمتابعة أمورهم القانونية، بدلاً من تولي مراجعة الجهات الحكومية بأنفسهم، أو القيام بإجراءات لمّ الشمل.
وأحياناً، يلجأ عدد من القاصرين إلى تغيير أعمارهم الحقيقية حتى يحصلوا على حق رعاية أشقائهم الأصغر سناً، خشية أن يعمد مكتب الشباب إلى نقلهم للعيش مع أوصياء آخرين أقدر على تربيتهم. في هذا السياق، يقول أحد الشباب، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد": "حين وصلت إلى ألمانيا، نصحني البعض بأن أقول إن عمري 21 عاماً، حتى لا يأخذ مكتب الشباب أخي الصغير مني، وهذا ما فعلته. إلا أن الوصي المعين للاهتمام بشقيقي يزورنا كل أسبوع ويجلس معه على انفراد، ويهددني بأخذه مني في حال بقي حزيناً. في هذه اللحظات، أشعر بالحزن لأنني كذبت". يضيف: "ليتني لم أتحمل هذه المسؤولية الكبيرة. لا يمكنني أن أكون مسؤولاً عن تأخره في المدرسة أو عن حالته النفسية".
بدورها، تؤكد لوزينا كروزا، التي تعمل في منظمة "الأفو" المعنية بشؤون اللاجئين، إنها تلاحظ أن هذا الخوف مبالغ فيه، خصوصاً أنه ليس من مصلحة أي جهة حكومية أخذ الأطفال من أشقائهم، إلا في حال أساؤوا لهم جسدياً أو نفسياً. بالإضافة إلى كروزا، يلفت كثيرون إلى أن مكتب الشباب يبالغ في تقييم أوضاع الأشقاء الصغار.