لن يتراجع متطوعو الدفاع المدني في لبنان عن اعتصامهم المستمر في ساحة الشهداء إلى حين تحقيق مطالبهم. وفي الوقت نفسه، لن يتركوا الناس
لا شيء يشي بوجود اعتصام في ساحة الشهداء في بيروت. كلّ شيء يسير بانتظام مثل أيّ يومٍ آخر. لكن على بعد أمتارٍ قليلة من تمثال الشهداء، تنتصب أربع خيم مختلفة الأحجام، وبالقرب منها يجلس عنصران من قوى الأمن الداخلي في سيارة مسترخيان. تبدو الخيم طارئة على المكان، غريبة عن وسط المدينة الباذخ. على باب إحدى الخيم، علّقت جرّات من الورد البنفسجي. وفي داخلها يجلس خمسة رجال بين الشباب والكهولة، يتحدّثون عن الأخطار والتحديات التي واجهتهم خلال مهمّاتهم، بين إطفاء الحرائق وإنقاذ المدنيين وإجلاء الجرحى عند وقوع انفجارات أو حوادث خطيرة. إنهم المتطوّعون في جهاز الدفاع المدني المستمرّون منذ أعوامٍ بالمطالبة بتوقيع مرسوم تثبيتهم في المديرية العامة للدفاع المدني.
أسّس الدفاع المدني في عام 1945، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1979، ألحق بوزارة الداخلية. تتركّز مهام المديرية بتأمين الحماية المدنية غير المسلحة للأفراد والممتلكات والبيئة، أي تجنّب الأخطار التي تهدد السلامة العامة ومواجهتها والحد من نتائجها في حالات الكوارث والنكبات الطبيعية والأعمال الحربية.
ومنذ عام 2014، يضغط نحو 2500 متطوّع في المديرية للحصول على حقّهم بالتوظيف، وهو المطلب الذي وعدوا مراراً وتكراراً من قبل الجهات السياسية المختلفة بتنفيذه من دون أن يتحقّق. في المرّة الأولى، تظاهر هؤلاء على شاطئ الرملة البيضاء. نزلوا إلى المياه وأعلنوا أنّهم لن يعودوا قبل توقيع المرسوم. تحرّك السياسيون يومها، ووعدوهم بتمرير القرار. لكنّ ما حصل هو أنّهم أقروا المرسوم المتعلّق بالأجراء والمتعاقدين دوناً عن المتطوعين. تحرّك هؤلاء ثانية وثالثة، مرّة مهدّدين باجتياز الحدود السورية. وفي مرّة أخرى اعتصموا أمام الجنود الإسرائيليين على الحدود الفلسطينية. وفي المرتين، تدخّلت قوى السلطة ووعدتهم بتثبيتهم ثم أخلفت بوعدها. لذلك، جاء قرار المتطوعين في منتصف شهر مارس/ آذار الماضي بالاعتصام حتّى توقيع المرسوم الذي ينصّ على دخول المستوفين للشروط منهم إلى مسابقة مجلس الخدمة المدنية.
اقــرأ أيضاً
خلال هذه التحركات، تحوّل مدير عمليات بيروت المتطوّع يوسف الملّاح إلى ما يشبه الناطق الإعلامي باسم المجموعة. في ساحة الاعتصام، يرنّ هاتفه قاطعاً المقابلة أكثر من مرّة. من جهة، يتولّى التواصل مع القوى السياسية، ومن جهة أخرى يستمر بتسيير عمليات الإنقاذ. بالنسبة إليه، لا تضارب بين تحقيق مطلبه ومصالح الناس. لهذا السبب، تتبدّل الوجوه طوال الوقت، ويذهب البعض إلى المراكز لأداء الخدمة، ويأتي آخرون مكانهم لساحة الاعتصام. يقول الملاح: "الإنسانيّة تجمعنا، وليست انتماءاتنا الطائفية والمذهبية. نتعاون جميعاً على الطبخ والاعتناء بالمكان". يضيف: "في الوقت نفسه، نحن مستمرون بأداء واجباتنا الإنقاذية على أكمل وجه". الآن، وعلى الرغم من مرور نحو شهر على الاعتصام، ما زال هناك معتصمون يقضون ليلتهم في خيمة كبيرة وزّع فيها عددٌ من الأسرّة، حتّى الأمطار القاسية لم تمنعهم من القيام بذلك. يبدو الأمر محسوماً بالنسبة إليهم، إذ يكرّرون طوال الوقت أنّهم لن يفكّوا الاعتصام حتى يتم توقيع المرسوم.
يلفت الملاح إلى أنّ سبب إلحاحهم على مطلبهم، على الرغم من أنّهم تطوعوا بمحض إرادتهم، يعود إلى أنّ الغالبية العظمى منهم تابعت العمل نتيجة الوعود المستمرّة منذ التسعينيات بتثبيتهم، متخلّين بذلك عن فرص عملٍ متنوّعة في انتظار تحقيق ما وعدوا به.
من جهة أخرى، يؤكّد أنّ هناك حاجة ضرورية لتوظيف أناس جدد في المديرية، خصوصاً أنّ عدد الموظفين انخفض من 800 إلى أقل من 400 موظّف، أصغرهم في الخامسة والخمسين من العمر، على حد قوله. يضيف: "نحن نخاطر بأرواحنا لإطفاء الحرائق وإنقاذ الناس، أيّ أنّ وجودنا ضروري ومن غير الممكن الاستغناء عنّا، حتّى بالنسبة لأولئك الذين يعرقلون تحقيق مطلبنا".
وعلى الرغم من أنّ أعداداً كبيرة وظّفت في الدولة أخيراً نتيجة الوعود التي أطلقت خلال الانتخابات النيابية العام الماضي، تجاهل الطاقم السياسي مطالبهم. يرى الملاح أن السبب يعود إلى عدم وجود مرجعيةٍ سياسيةٍ موحّدةٍ. يضيف أنّه لا يريد أن يأخذ وظيفته بالمحسوبية، معتبراً أنّ حدوث ذلك يشكّل وصمة عار على سجله هو ورفاقه ممّن يخدمون الناس والوطن في السلم والحرب.
اقــرأ أيضاً
ويستذكر الجالسون في الخيمة أسماء أصدقاءٍ لهم ماتوا خلال تأديتهم الخدمة، وما مروا به من مواقف عصيبة، لينتقلوا بعدها للحديث عن زملاء ساهموا في إضفاء الألفة على الاعتصام، سواء من خلال نشرهم المرح ورفع المعنويات. ويؤكّد الملاح أنّهم نجحوا في كسب احترام المواطنين والسياسيين على حدٍّ سواء.
وعلى الرغم من كونهم فئة من فئات كثيرة في المجتمع اللبناني تناضل لتحصيل حقوقها، إلّا أنّ ما يميّز متطوعي الدفاع المدني عن غيرهم هو امتلاكهم رؤية وخطّة، على الرغم من مرور سنوات على حراكهم. دفعهم ذلك لابتكار أساليب مختلفةٍ وغريبةٍ في التعبير لفتت الانتباه إليهم، وفي الوقت نفسه لم تعطّل مصالح الناس ولا أعمالهم، كما يجري في الكثير من الأحيان.
لا شيء يشي بوجود اعتصام في ساحة الشهداء في بيروت. كلّ شيء يسير بانتظام مثل أيّ يومٍ آخر. لكن على بعد أمتارٍ قليلة من تمثال الشهداء، تنتصب أربع خيم مختلفة الأحجام، وبالقرب منها يجلس عنصران من قوى الأمن الداخلي في سيارة مسترخيان. تبدو الخيم طارئة على المكان، غريبة عن وسط المدينة الباذخ. على باب إحدى الخيم، علّقت جرّات من الورد البنفسجي. وفي داخلها يجلس خمسة رجال بين الشباب والكهولة، يتحدّثون عن الأخطار والتحديات التي واجهتهم خلال مهمّاتهم، بين إطفاء الحرائق وإنقاذ المدنيين وإجلاء الجرحى عند وقوع انفجارات أو حوادث خطيرة. إنهم المتطوّعون في جهاز الدفاع المدني المستمرّون منذ أعوامٍ بالمطالبة بتوقيع مرسوم تثبيتهم في المديرية العامة للدفاع المدني.
أسّس الدفاع المدني في عام 1945، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1979، ألحق بوزارة الداخلية. تتركّز مهام المديرية بتأمين الحماية المدنية غير المسلحة للأفراد والممتلكات والبيئة، أي تجنّب الأخطار التي تهدد السلامة العامة ومواجهتها والحد من نتائجها في حالات الكوارث والنكبات الطبيعية والأعمال الحربية.
ومنذ عام 2014، يضغط نحو 2500 متطوّع في المديرية للحصول على حقّهم بالتوظيف، وهو المطلب الذي وعدوا مراراً وتكراراً من قبل الجهات السياسية المختلفة بتنفيذه من دون أن يتحقّق. في المرّة الأولى، تظاهر هؤلاء على شاطئ الرملة البيضاء. نزلوا إلى المياه وأعلنوا أنّهم لن يعودوا قبل توقيع المرسوم. تحرّك السياسيون يومها، ووعدوهم بتمرير القرار. لكنّ ما حصل هو أنّهم أقروا المرسوم المتعلّق بالأجراء والمتعاقدين دوناً عن المتطوعين. تحرّك هؤلاء ثانية وثالثة، مرّة مهدّدين باجتياز الحدود السورية. وفي مرّة أخرى اعتصموا أمام الجنود الإسرائيليين على الحدود الفلسطينية. وفي المرتين، تدخّلت قوى السلطة ووعدتهم بتثبيتهم ثم أخلفت بوعدها. لذلك، جاء قرار المتطوعين في منتصف شهر مارس/ آذار الماضي بالاعتصام حتّى توقيع المرسوم الذي ينصّ على دخول المستوفين للشروط منهم إلى مسابقة مجلس الخدمة المدنية.
خلال هذه التحركات، تحوّل مدير عمليات بيروت المتطوّع يوسف الملّاح إلى ما يشبه الناطق الإعلامي باسم المجموعة. في ساحة الاعتصام، يرنّ هاتفه قاطعاً المقابلة أكثر من مرّة. من جهة، يتولّى التواصل مع القوى السياسية، ومن جهة أخرى يستمر بتسيير عمليات الإنقاذ. بالنسبة إليه، لا تضارب بين تحقيق مطلبه ومصالح الناس. لهذا السبب، تتبدّل الوجوه طوال الوقت، ويذهب البعض إلى المراكز لأداء الخدمة، ويأتي آخرون مكانهم لساحة الاعتصام. يقول الملاح: "الإنسانيّة تجمعنا، وليست انتماءاتنا الطائفية والمذهبية. نتعاون جميعاً على الطبخ والاعتناء بالمكان". يضيف: "في الوقت نفسه، نحن مستمرون بأداء واجباتنا الإنقاذية على أكمل وجه". الآن، وعلى الرغم من مرور نحو شهر على الاعتصام، ما زال هناك معتصمون يقضون ليلتهم في خيمة كبيرة وزّع فيها عددٌ من الأسرّة، حتّى الأمطار القاسية لم تمنعهم من القيام بذلك. يبدو الأمر محسوماً بالنسبة إليهم، إذ يكرّرون طوال الوقت أنّهم لن يفكّوا الاعتصام حتى يتم توقيع المرسوم.
يلفت الملاح إلى أنّ سبب إلحاحهم على مطلبهم، على الرغم من أنّهم تطوعوا بمحض إرادتهم، يعود إلى أنّ الغالبية العظمى منهم تابعت العمل نتيجة الوعود المستمرّة منذ التسعينيات بتثبيتهم، متخلّين بذلك عن فرص عملٍ متنوّعة في انتظار تحقيق ما وعدوا به.
من جهة أخرى، يؤكّد أنّ هناك حاجة ضرورية لتوظيف أناس جدد في المديرية، خصوصاً أنّ عدد الموظفين انخفض من 800 إلى أقل من 400 موظّف، أصغرهم في الخامسة والخمسين من العمر، على حد قوله. يضيف: "نحن نخاطر بأرواحنا لإطفاء الحرائق وإنقاذ الناس، أيّ أنّ وجودنا ضروري ومن غير الممكن الاستغناء عنّا، حتّى بالنسبة لأولئك الذين يعرقلون تحقيق مطلبنا".
وعلى الرغم من أنّ أعداداً كبيرة وظّفت في الدولة أخيراً نتيجة الوعود التي أطلقت خلال الانتخابات النيابية العام الماضي، تجاهل الطاقم السياسي مطالبهم. يرى الملاح أن السبب يعود إلى عدم وجود مرجعيةٍ سياسيةٍ موحّدةٍ. يضيف أنّه لا يريد أن يأخذ وظيفته بالمحسوبية، معتبراً أنّ حدوث ذلك يشكّل وصمة عار على سجله هو ورفاقه ممّن يخدمون الناس والوطن في السلم والحرب.
ويستذكر الجالسون في الخيمة أسماء أصدقاءٍ لهم ماتوا خلال تأديتهم الخدمة، وما مروا به من مواقف عصيبة، لينتقلوا بعدها للحديث عن زملاء ساهموا في إضفاء الألفة على الاعتصام، سواء من خلال نشرهم المرح ورفع المعنويات. ويؤكّد الملاح أنّهم نجحوا في كسب احترام المواطنين والسياسيين على حدٍّ سواء.
وعلى الرغم من كونهم فئة من فئات كثيرة في المجتمع اللبناني تناضل لتحصيل حقوقها، إلّا أنّ ما يميّز متطوعي الدفاع المدني عن غيرهم هو امتلاكهم رؤية وخطّة، على الرغم من مرور سنوات على حراكهم. دفعهم ذلك لابتكار أساليب مختلفةٍ وغريبةٍ في التعبير لفتت الانتباه إليهم، وفي الوقت نفسه لم تعطّل مصالح الناس ولا أعمالهم، كما يجري في الكثير من الأحيان.