التفكك الأسري في العراق... تركة الاحتلال والإرهاب وضعف الدولة

بغداد

محمد الملحم

avata
محمد الملحم
19 اغسطس 2018
F4D6CD48-C439-40DC-83FF-70C3A67C29A2
+ الخط -


بعد نحو 15 عاماً من الاحتلال الأميركي للعراق وما تخللها من أحداث دامية عصفت بالبلاد، تجد العائلة العراقية نفسها اليوم مهددة في وحدتها، بعد أن ظلت متمسكة بالتقاليد والعادات على مدى عقود طويلة. و"حزمة القصب" وهو المصطلح الذي يطلق على العائلة العراقية سابقاً غلبها التفكك الأسري، مع زيادة مشاكل العقوق والطلاق وتسرب الأبناء من المدارس، والإدمان وضعف التواصل ضرب أفراد الأسرة الواحدة.

ويعزو مراقبون ذلك إلى سنوات الحرب الماضية وعمليات الإرهاب وجرائم المليشيات، وما خلفته من جيوش أرامل ومطلقات وأيتام، وحالة الفقر المدقع التي ضربت أكثر من ثلث العراقيين، والانفتاح السريع على التكنولوجيا كانت جميعها أسبابا رئيسة في اتساع الهوة داخل الأسرة العراقية الواحدة.

وتقول دلال الربيعي، الناشطة في منظمة حرية المرأة في العراق لـ"العربي الجديد"، "إن التفكك الأسري ازداد واتسع بعد عام 2003، لفقدان الأمان والمعيل وحالات الفوضى التي حصلت في المجتمع العراقي ولا يخلو يوم من دون وقوع مشاكل أسرية مؤسفة".

وتوضح الربيعي "إن تردي العامل الاقتصادي هو السبب الأهم للتفكك الأسري، وكذلك فقدان المعيل من جراء الحروب أو الطلاق، حتى بات واضحا ولافتا للنظر انتشار الأطفال في الأسواق والساحات والشوارع لكسب العيش والعمل، وكذلك نجد رجلا لاهِيا يتعمد ترك منزل الزوجية والأطفال هرباً من أي ضغط كان، ما يزيد العبء على الأم والأطفال".

وتضيف الربيعي "إن الطلاق الذي زادت نسبته في الآونة الاخيرة يعد من الأسباب المباشرة في التفكك الأسري، أو زواج الرجل بامرأة ثانية طمعاً بالمال، أو من أجل حياة ثانية يراها أفضل من وجهة نظره. والعامل البارز في مجمل تلك التفاصيل هو غياب الأمن، إذ كان في العراق قبل عام 2003 قانون يمسك بمجتمع قوي، بعكس الضعف القانوني الذي نعيشه اليوم والذي أظهر القانون العشائري الذي ساد على المجتمع العراقي".

وتبين الربيعي أن "قانون حماية الأسرة من العنف لم يظهر في الواقع حتى الآن، علماً أن دوائر موجودة في أقسام الشرطة باسم قانون حماية الأسرة، لكن التجاذبات السياسية تمنع تنفيذ هذا القانون".

وتقول ابتسام مانع، الناشطة المدنية لـ"العربي الجديد"، "إن موضوع التفكك الأسري خطر جداً ويحتاج إلى حلول جذرية، والعامل الاقتصادي أحد أسبابه".

وتضيف "الحروب التي خلفت جيوشاً من الأيتام والأرامل والمعوقين من الأسباب أيضاً، والناظر إلى الشارع العراقي اليوم يرى الأعداد الكبيرة للأطفال المتسولين، والنساء اللواتي أجبرتهن الظروف للنزول إلى الشارع والعمل لسد رمق أطفالهن بعد فقدان الأب إما جراء الحروب أو الطلاق". وتضيف مانع "نرى في منظمة حرية المرأة إن حالات عديدة ترد إلينا لا تقتصر على التسول فقط، بل تتعداه إلى استغلال الفئات الصغيرة والأرامل في مجتمعنا اليوم".

وتسأل مانع: أين دور الدولة في حماية العوائل العراقية وحماية الأطفال من التشرد والاغتصاب؟ أين دورها من المتاجرة بالأطفال والنساء، وحماية المواطن العراقي؟ وتقول: "نحتاج إلى حل جذري للنهوض الحقيقي بواقعنا والخلاص من هذه المشاكل الكبيرة التي تولد جيلاً لديه إعاقة فكرية ومفككاً وقابلاً للوقوع في الفتن وانتشار الفساد، ونحن بلد غني وقادرون على الوقوف في وجه المشاكل إن وجدت إدارة حقيقية".

كذلك ترى أحلام العبيدي، الناشطة المدنية في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "من الظواهر السلبية التي ظهرت في مجتمعنا في الآونة الاخيرة هي التفكك الأسري، ويعود ذلك لأسباب عدة منها الوضع الأمني الذي يمر به البلد والعامل الاقتصادي وتعدد الزوجات وزواج القاصرات، وهذا التفكك ينعكس على مجتمع بأكمله ويكون الأطفال أبرز ضحاياه، فنراهم يتسولون في الشوارع، تاركين مقاعد الدراسة، ما يزيد العبء على المرأة في هكذا ظروف متعبة وقسرية".

وتعتبر العبيدي إن "العلاج ليس بالأمر السهل ويبدأ بتثقيف المجتمع، لتوضيح نتائج تعدد الزوجات على سبيل المثال ومنها تسيب الأطفال وهروب الفتيات لعدم وجود الأب وانشغاله بزواجه الثاني، والتثقيف يطاول عوامل أخرى أيضاً". وتبين العبيدي، أن التفكك الأسري تزيد منه حالات الطلاق في المجتمع العراقي، موضحة أن نسبة الطلاق وصلت إلى 80 في المائة".



وتقول العراقية ميراج الوندي لـ"العربي الجديد": "إن التفكك الأسري هو عدم الترابط بين الأبناء والآباء، ويؤدي إلى تدني المستوى الثقافي والعلمي، فالأطفال المشردون سيكونون ضحايا ويلجؤون للشارع الذي سيصنع منهم أداة بيد عصابات تجار المخدرات وتجار الأعضاء البشرية كذلك".

وتعتبر الوندي أن على الحكومة العراقية توفير الملاجئ الآمنة لهم مع مراعاة كل احتياجاتهم، لأن غياب هذا الدور أوصل نسب المشردين والنساء المعنفات والفتيات الهاربات إلى مستويات كبيرة ومخيفة في المجتمع العراقي، الذي كان خارج خارطة هذا التفكك الذي بان جلياً بعد عام 2003".

ذات صلة

الصورة
نشاط بدني للأطفال في صيدا (العربي الجديد)

مجتمع

تساعد أنشطة التفريغ النفسي للأطفال النازحين إلى مدارس في مدينة صيدا، جنوب لبنان، على التعبير عن أنفسهم ومخاوفهم، هم الذين اختبروا القصف والخوف والهرب.
الصورة
يشاركون في أحد النشاطات (حسين بيضون)

مجتمع

يساهم الدعم النفسي والأنشطة الترفيهية التي تقيمها جمعيات للأطفال النازحين في جنوب لبنان في تخفيف الضغوط، رغم اشتياقهم إلى بيوتهم وقراهم.
الصورة

مجتمع

تعصف باليمن عدة أزمات منها النزوح المتكرر من المناطق التي شهدت صراعاً دموياً للعام الثامن، والتي أدت إلى نزوح نحو 4 ملايين ونصف مليون، أغلبهم من الأطفال والنساء بمعدل 80%، وفقًا لتقرير أممي سابق.
الصورة

مجتمع

كشفت دراسة جديدة أن تشغيل الموسيقى وتحديداً "الاستماع إلى موسيقى موزارت" قد يقلل من مستويات الألم لدى الأطفال حديثي الولادة الذين يخضعون لاختبارات الدم والوخز في الكعب.
المساهمون