كان لتصريحات الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، منذ إطلاق حملته الانتخابية، وقعٌ مسيءٌ في نفوس العراقيين. تصريحاته بدت مسيئة بحقّ المسلمين والمهاجرين، فعبّر كثيرون عن مخاوفهم من أن ينال من مواطنيهم المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأميركية.
ظهر الأمر جلياً من خلال ما قاله البعض لـ "العربي الجديد" وما نُشِر على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يترجم قلقاً على حال المهاجرين واللاجئين والأقليات، وهم كثر. نزار عبد الرزاق مثلاً، من هؤلاء القلقين. ما زال وضع ابنه الرسمي في الولايات المتحدة غير سويّ، إذ لم يُمنح بعد صفة لاجئ مذ وصل إلى البلاد قبل أكثر من ستة أشهر. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه "في مأزق، وربما يُطرد. في حال حصل ذلك، هذا يعني أنّه فقد فرصة الحصول على مكان آمن". يضيف عبد الرزاق: "دفعت مبلغاً كبيراً من المال حتى وصل ولدي إلى هناك. لم يكن ذلك قانونياً، لكنّه كان من المفترض أن ينال صفة لاجئ. هو كان مهدداً في العراق، لا سيما بعد مقتل شقيقه الأكبر على يد المليشيات. وهو ما اضطرني إلى القيام بالمستحيل للمحافظة على حياته". يتابع: "ترامب يخيفني كثيراً. يخيفني بتصريحاته المعادية للمهاجرين. لو يعلم أنّ من بينهم مظلومين ومضطهدين كثراً في أوطانهم، لما قال ما قال".
وكان عدد المهاجرين العراقيين قد ارتفع كثيراً خلال السنوات الأخيرة في مختلف بلدان العالم، على خلفية أعمال العنف التي تنتشر في بلادهم، لا سيّما مع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مناطق عدّة، بالإضافة إلى المليشيات. تجدر الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية استقطبت منذ تسعينيات القرن الماضي وما زالت، لاجئين عراقيين بأعداد أكبر من بلدان أخرى. وقد جرى تأهيل هؤلاء ودمجهم في المجتمع، وكذلك مُنح كثيرون الجنسية الأميركية ليصبحوا مواطنين أميركيين.
إلى ذلك، يخبر إسماعيل الجبوري الذي هاجر أبناؤه الثلاثة إلى الولايات المتحدة، أنّهم قلقون بعد فوز ترامب، "فهم مسلمون وعرب كذلك". يُذكر أنّ أحمد ومحمد وعلي حصلوا قبل خمس سنوات على اللجوء الإنساني، بعدما أثبتوا أنّهم معرّضون للقتل في العراق. وإذ يوضح الجبوري أنّهم يحملون اليوم الجنسية الأميركية، يشير إلى "خوفهم من ردود فعل المتطرّفين بعد الانتخابات الأخيرة". يضيف لـ "العربي الجديد": "أكّدوا لي أنّ الكثير من الأميركيين متأثرون بتصريحات ترامب التي تقول بأنّ المهاجرين والعرب والمسلمين هم سبب الإرهاب". ويتابع مستهجناً أنّ "الذين يتّهمهم بالإرهاب هم ضحيّة الإرهاب. لقد هرب أولادي خوفاً من أن يقتلوا على أيدي الإرهابيين أو المليشيات، ظناً منهم أنّهم سوف يجدون الأمان هناك".
من جهة أخرى، تصريح واحد لترامب عقب فوزه بالانتخابات، جعل العراقيين يعيدون النظر في رأيهم حول الرئيس الأميركي الجديد. حصل ذلك عندما أعلن تنازله عن راتب رئيس البلاد البالغ نحو 400 ألف دولار أميركي سنوياً. وقد صرّح ترامب، الذي قدّرت مجلة "فوربز" ثروته بنحو 3.7 مليارات دولار مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بأنّه لن يتقاضى سوى المبلغ الذي يلزمه به القانون، أي دولاراً واحداً فقط سنوياً. وقال: "أظنّ أنّه عليّ تقاضي دولار واحد بحسب القانون، لذا سوف آخذ دولاراً واحداً في السنة".
تعليقاً على ذلك، يقول جميل العيسى وهو ناشط مدني ضدّ الفساد في العراق، إنّ "تنازل ترامب عن راتبه يدعونا إلى التريّث قليلاً في الحكم على هذا الرجل الذي سوف يحكم أعظم دولة في العالم". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "الأمر يدفعنا إلى المقارنة بينه وبين المسؤولين في الحكومة العراقية الذين يصرّون على أن تكون رواتبهم أعلى سقفاً من رواتب الشعب، بالإضافة إلى مخصصات مالية تحت مسميات مختلفة". ويوضح أنّ "المسؤولين في بلادنا لا يكتفون بالرواتب والمخصصات، على الرغم من أنّه لا إنجازات لهم على أرض الواقع. فيستحوذون كذلك مشاريع واستثمارات بملايين الدولارات، وهم بلا خبرات في هذا المجال. وتغرق البلاد في الفساد المالي".
والعيسى الذي يشارك في احتجاجات تدين "الفساد الحكومي"، يشدّد على أنّ "الحكومة لا تسمع صوتنا. الدليل على فساد الحكومة والمسؤولين نشهده في حياتنا اليومية". ويتمنّى العيسى لو أنّ "مسؤولاً عراقياً أتى بخطوة مماثلة، لا سيّما أنّ شريحة كبيرة من المواطنين تعيش تحت خط الفقر واقتصاد البلاد إلى تردّ". يضيف: "في خطوته تلك، تمنيت لو كان ترامب عراقياً".