تنتشرُ لافتات في شوارع ألمانيا، يحمل بعضها صورة لفتاة شقراء بعينين زرقاوين، ترمز للعرق الألماني الصافي الذي لطالما تغنّى به هتلر واعتبره صفوة الشعوب، تقابلها صورة لفتاة سمراء بعينين بنيتين ونقاب، كتب بجوارها "ماريا بدلاً من الشريعة".. هذه إحدى أدوات حزب "النازيين الجدد" في معركته الحالية في انتخابات مجلس المدينة والفدراليات في ألمانيا.
لم تكن هذه اللافتة الوحيدة، فمعركة "النازيين الجدد" ضد "السامية الجديدة" التي يحاربها الحزب في ألمانيا حالياً حددت وجهته حيال الأجانب "العرب والمسلمين"، الذين يعتبرهم رمز الخطر الذي يهدّد المجتمع الألماني بما يحملونه من قيم وأفكار دينية، وخطورة "الشريعة" على الشعب الألماني وعلمانية الدولة هناك، كما تقول دعايات الحزب ولافتاته.
لافتةٌ أُخرى تُظهر مجموعة من النساء المحجبات وهنّ يحملن أكياس النايلون، في مشهد قد يتكرر في شوارع ألمانيا بصورة عادية. لكن حزب النازيين الجدد وظّفه في حملته الانتخابية بطريقة مختلفة، فقد ذيلت هذه اللافتة بجملة رحلة جيدة إلى الوطن.
مُلصق لـ "النازيين الجدد" كُتب عليه "رحلة موفقة للوطن" |
هذه اللافتات لا تثير رعب الأجانب واللاجئين والمهاجرين العرب فقط، بل أيضاً المواطنين والأحزاب المعارضة في ألمانيا، ومنها حزب "اللينك" وحزب "الخضر" المعروف بسياسته المرحّبة بالتنوّع الثقافي في ألمانيا.
وعبر عدد من الألمانيين عن مخاوفهم من خطورة هذه اللافتات، وتأثيرها على المجتمع الألماني. وتقول ماريا بوف: "لا تعليق على أفعال النازيين الجدد. لا نقاش معهم. هم رفعوا هذه اللافتات ونحن رفعنا شعارنا. لا مكان للنازية في منطقتنا، إنها لافتات خبيثة لكسب الأصوات من خلال التحريض على كراهية الأجانب. كثير من المواطنين يتأثرون بهذه اللافتات. تقول إحداها إن الروضات للأطفال بدلاً من الملاجئ للمهاجرين".
وتتابع "في هذا تضليل إعلامي كبير. فقلّة تعرف أن أموال الروضات تصرف من ميزانية مختلفة تماماً عن ميزانية ملاجئ المهاجرين. هذا خلط أوراق سيئ، كما أن النازيين الجدد يريدون تعليق جميع الأخطاء السياسية التي ترتكب في ألمانيا على سياسة الهجرة. وأنا لا أنكر تأثيرها. ففي سكسونيا خسر النازيون معركتهم الانتخابية، ولكنهم حصلوا على نسبة 4.95% من أصل 5%. هذا يعني أنهم كانوا على حافة الربح. ماذا لو حققوا 0.5% في الدورة الانتخابية المقبلة؟ هذا أمر كارثي يجب عدم السكوت عنه. النازية مرحلة انتهت ولا نريد إحياءها".
الكثير من لافتات الحزب النازي يتم تمزيقها، لذا يصعب أحيانا أن تجد منها ما هو صالح حتى للتصوير، وخصوصاً في المدن التي يكثر فيها أنصار "الخضر" و"اللينك". ولكن هل تمزيق اللافتات يعدّ أمرا قانونيا؟ تقول جيبنا سابينا شولتز من حزب "الخضر": "بالطبع لا، تمزيق اللافتات أمر مخالف للقانون ويتوجب العقوبة، أنا شخصيا لا أفعل هذا ولكني لا أخفي فرحتي عندما أرى لافتتهم ممزقة، نحن نريد مجتمعا منوعاً. نريدهم جميعاً. هكذا تنمو المجتمعات وتنهض".
وزادت "إلغاء الآخر أمرٌ غير مقبول في الأنظمة الديمقراطية وما يفعله النازيون الجدد هو عودة لمفاهيم الدكتاتورية البائدة، وعندما يرى الناس لافتة كتب عليها دارٌ للعجزة خيرٌ من ملجأ للمهاجرين، أو نحن بحاجة إلى روضات لا أبنية لجوء، يصرخ البعض نعم بالفعل هذا ما نحتاجه. لكنها لافتات تلبي رغبات الكثر من قليلي الاطلاع والمعرفة، إنها بروباغاندا رخيصة ولكن للأسف ذكية".
ويستخدم النازيون الجدد معلومات وأرقام في حملتهم الانتخابية، يرى الكثيرون أنها غير دقيقة ولا ترتكز على إحصاءات رسيمة، منها "ندفع كمواطنين سنويا 6.6 مليار يورو، منها 2.8 مليار من أجل ضمانهم الصحي، والخدمات المقدمة للسكان اللاجئين تكلف سنوياً 4.1 مليار يورو، والكلفة غير المباشرة التي تدفع للأضرار الناتجة عن جرائم الأجانب تجري سنوياً 6.1 مليار يورو".
من جهتها، تقول لينا لايزين العاملة في قسم الهجرة واللاجئين لـ"العربي الجديد": "لن نقبل بالأمر. هذه عدوانية علانية حيال الأجانب تحمل عبارات عنصرية بدأت تزداد بقوة في الآونة الأخيرة. وهذه أيديولوجيا لا إنسانية لن نقبل أن تتجذر في منطقتنا، وسوف نحتج على زيادة الحالة النازية. وسنعمل مع المجتمع المدني وجمعياته والكنيسة لوقف هذا التمدد وهذا الخطر، نحن نقول لا لأي شكل من أشكال معاداة السامية والعنصرية في مجتمعنا".
ويستخدم الكثير من المعارضين لسياسة النازيين الجدد عبارة "معاداة السامية" للتعبير عن حالة العدائية والكراهية الجديدة ضد المسلمين الأجانب، بعدما كانت تستخدم منذ وقت طويل للتعبير عن المعادة للعرق اليهودي.
وبين مؤيدين ومعارضين لسياسة النازيين الجدد ضد الأجانب والعرب والمسلمين الذين يتدفقون بقوة إلى ألمانيا، يرى الكثيرون أنه على الساسة الألمان إيجاد وصفة سحرية توقف تطور الأمر نحو الأسوأ، للحؤول دون استخدام اللاجئين شماعة لتبرير الأخطاء أو التقصير.