صفحات كثيرة على منصات التواصل الاجتماعي تفسح مجالاً للتعارف بين الليبيين بغرض الزواج، لكنّ أغلب تلك المنصات يستخدم فيها المتعارفون ألقاباً وأسماء مستعارة، ويطلب أغلبها الحديث عبر الدردشات الخاصة لتعميق التعارف، لكنّ ذلك في المقابل يواجه رفضاً اجتماعياً.
نجاحات عدة حققتها تلك الوسائل يمكن أن تشير في جانب منها إلى أنّ "التضييق الاجتماعي والقيود لن تصمد أمام الفضاء الإلكتروني الذي انكشف أمام الفتيات خصوصاً" تقول منية (23 عاماً) الطالبة في كلية الهندسة بجامعة المرقب.
وتفسر لـ"العربي الجديد": "لن أنتظر طارقاً يطرق باب بيت أهلي ليخطبني. أعرف ظروف الشباب اليوم، وعليّ أن أجد من أتفق معه لأدفع به وأشجعه". تضيف: "اليوم، تفكر الفتاة بطريقة أخرى، فهي تعرف أنّ عليها أن تشارك منذ الأساس في تأسيس الأسرة". وعن لجوئها إلى الإنترنت، تقول: "المجتمع بقيوده لم يترك لي مجالاً أكثر أماناً من الإنترنت، وعليّ البحث عن شريك حياتي بمعزل عن ملاحقة العار الاجتماعي"، مشيرة إلى أنّ الإنترنت يوفر لها الأمان أيضاً من "شراك المتسلين واللاعبين بالعواطف".
لم تنجح منية حتى الآن في العثور على شريك حياتها من خلال العالم الافتراضي، لكنّ نجاة البرغثي التي وافق زوجها على التحدث إلى "العربي الجديد" باسمها الصريح حول زواجهما بعد تعارف دام سنتين عامي 2005 و2006، عبر دردشة "ياهو" تؤكد أنّ أسرتها المكونة من ولدين وبنت دليل على نجاح التجربة.
تتابع: "كتمنا حقيقة أنّنا نعرف بعضنا مسبقاً أمام الأسرتين عندما حان وقت الخطبة، لكنّنا حققنا غايتنا، وأثبت ماهر زوجي، صدق حبه، إذ خطبني رسمياً وتزوجنا". تضيف: "كلّ ما اتفقنا حوله ما زال قائماً، فقد تشاركنا مادياً في شراء شقة وتأثيثها، واليوم ننعم بالسعادة". لكنّها بالرغم من ذلك تحذر الفتيات من مغبة العلاقات المتسرعة عبر العالم الافتراضي واحتمال تواجد من يستغل ظروف الفتاة ومخاوفها من العنوسة.
على العكس منها، يصف حسن ص الذي يملك استديو للتصوير في طرابلس، تجربة التعارف عبر الإنترنت بـ"الفاشلة". يقول لـ"العربي الجديد": "كنت مندفعاً بشدة للتعرّف بفتيات، بهدف الزواج، لكنّني في كلّ مرة كنت أكتشف أنّه عالم افتراضي بالفعل".
ويشير إلى أنّ أغلب من تعرّف بهن، يخفين طبيعتهن الحقيقية ليظهرن في صورة مغايرة عبر الإنترنت. وعن دوافعه للجوء إلى الإنترنت، يقول: "كنت مغترباً في أوروبا وأرغب في التعرف بليبية للزواج بها، فكان الإنترنت السبيل المتاح". يؤكد أنّه لاحقاً طلب من أسرته اختيار زوجة له، وهو ما تمّ فعلاً.
على عكس الرائج في أنّ تلك العلاقات قد تنشأ في مجتمعات المدن، تعتبر الاختصاصية الاجتماعية، نادية عبد الهادي، من مركز المعلومات والتوثيق القطاعي بوزارة الشؤون الاجتماعية، في طرابلس، أنّ هذه الحالات "منتشرة بشكل أكبر في الأرياف والمناطق المحافظة". تفسر لـ"العربي الجديد" أنّ "المدن توفر قدراً من الحرية للتعارف عبر الجامعات أو غيرها، لكنّ الخيار غير متاح للفتاة في الأرياف، فأدى الإنترنت إلى انفتاحها على ثقافات لا تعرفها"، مشيرة إلى أنّ التواصل بين الشاب والفتاة أمر صعب في الأرياف، في الظروف التقليدية، بسبب المحاذير الاجتماعية.
تعترف أنّ هذه الحالات ليست محل اهتمام حكومي، وتشير في الوقت عينه، إلى أنّ الزواج عبر الإنترنت يثير مخاوف كبيرة من فشله. وهكذا تعيد عبد الهادي زيادة حالات الطلاق بشكل لافت في السنوات الأخيرة، في جزء منها، إلى الزواج عبر الإنترنت: "سريعاً ما يكتشف الشاب أنّ تلك الفتاة على غير ما كان يتخيلها أو يعرفها عبر الفضاء الإلكتروني، فيتراجع قبل الزواج، لكنّ الكارثة أن يحدث الطلاق سريعاً بعد الزواج، وهو ما تشهد عليه عدة حالات".
ومع إطلاع "العربي الجديد" عبد الهادي على حديث نجاة البرغثي، فهي لا تعتبر نجاحها معياراً يقاس عليه: "غالباً ما يجري التعارف بين الاثنين حول مسائل هامشية لا تتعلق بأسس الأسرة فتغيب الجوانب المادية الأساسية، وتوفير المسكن، والدخل المناسب لاستمرار الأسرة لاحقاً، وعند مواجهتها تتبخر تلك الأحلام ويفشل الزواج حتماً". لكنّها تطالب بإخضاع هذه الحالات إلى مزيد من المتابعة والدراسة.
وتضيف: "ربما يجري تشجيع بعض الحالات التي تستمر، والدفع بها إلى أرض الواقع، لكنّ بقاء تلك الحالات بعيدة عن متابعة الأسرة يمكن أن يوقع الفتاة في المحظور، وينتهي الأمر بإلحاقها العار بأسرتها لتنبذ اجتماعياً".
وتؤكد أنّ الظروف الراهنة التي قد تدفع بالفتاة إلى الإنترنت للبحث عن شريك حياتها قد تزيد عدد الحالات من هذا النوع، ما يستوجب دراستها بهدف الحدّ من آثارها السلبية المحتملة، ومن بينها الزواج العرفي إذا ما رفضت الأسرتان القران.