اجتمع على جبل كنعان في الجليل الأعلى بمدينة صفد حشود من الفلسطينيين القادمين من القدس والجليل والمثلث، فضلاً عن مهجرين من المدينة، للمشاركة في جولة عودة ميدانية من تنظيم جمعية "فلسطينيات" إلى معالم المدينة الفلسطينية الصامدة، والشاهدة على حكايات النكبة والتهجير.
وعلى أنغام أغنية "أنا دمي فلسطيني"، قدمت فرقة "لحن الحرية من القدس" عرض دبكة في حي القلعة، ثم قدموا عرضاً آخر في السرايا، وثالثاً في حي السوق.
تقع مدينة صفد الفلسطينية في الجليل الأعلى، وتبعد عن لبنان 29 كيلومتراً، وبلغ عدد سكانها عام 1947 قرابة 13500 نسمة، منهم 2600 يهودي، وسقطت صفد يوم 10 مايو/أيار 1948، بعد معارك دامية، وتم تهجير غالبية الفلسطينيين منها إلى سورية، وبعضهم إلى حيفا وعكا والناصرة والجليل.
انطلقت الجولة من مدرسة البنات إلى مسجد الشعرة الشريفة، ومقام بنات يعقوب، إلى مدرسة الزاوية، ثم مبنى السرايا وجسر القنطرة الذي يسمى أيضاً "جسر الشعرة الشريفة"، وبعدها بيت المفتي، وكنيسة مريم العذراء، ثم إلى الجامع الأحمر، ومقام بنات حامد، والخان، وحمام الدوكري، والجامع اليونسي، وانتهت الجولة أمام بيت عائلة فؤاد حجازي.
وشهدت الجولة عرض لوحات عدة لابنة صفد، رنا خليفة، والتي تقيم حالياً في قطر.
وقال مدير جمعية فلسطينيات، جهاد أبو ريا: "بعد 71 عاماً من النكبة، نعود إلى صفد، لنؤكد مجددا أنها مدينة فلسطينية، ونشدد على حقنا في العودة. اخترنا صفد نتيجة ما تتعرض له حتى اليوم من جرائم مستمرة، فمساجدها وكنائسها تدنس، والأماكن التاريخية تطمس، والبيوت تهدم. أتينا إلى صفد لنقول إن الجريمة مازالت ترتكب، وأنه لا أحد تنازل عن البلدة، ومستمرون حتى عودة أهلها إليها".
وقال أبو خالد فوراني: "جذوري صفدية، وفيها ولد أبي وأمي، لكني ولدت في حيفا عام 1942. في صغري كنت أذهب مع أبي إلى صفد، وكان يأخذني لمشاهدة بيتنا الذي كان يسكن به يهود. كان والدي يتذكر جميع أصحاب البيوت، وكان بيت جدي في حارة السرايا، وحالياً لا أعرف إن كان بيتنا لا يزال قائماً".
رامز خليفة أبو توفيق، من مواليد مدينة صفد عام 1938، وهجر منها في عام النكبة، وقال: "في يوم سقوط صفد، كنت في المدرسة، وأخرجنا المعلمون من المدرسة، وذهبت إلى بيت جدتي التي كانت تعجن المناقيش والخبز، ومن هناك خرجنا إلى لبنان سيراً على الأقدام، وبقيت في لبنان سنتين، ثم عدت إلى عكا عام 1950. أزور اليوم صفد وقلبي يبكي على ما تراه عيني، فالجوامع باتت ملاهي وأماكن رقص".
صفد بلد القائد الفلسطيني وديع حداد، مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والمناضل فؤاد حجازي الذي كان أول المحكومين الثلاثة الذين أعدمتهم سلطات الانتداب البريطاني في 17 يونيو 1930، بسجن القلعة بمدينة عكا، وهي أيضاً بلد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس.
وما زالت أحياء صفد شاهدة على الحكاية الفلسطينية، من حي القلعة إلى حي الأكراد الذي تم جرفه بالكامل، إلى حي الجورة، فحي السوق، وكثير من البيوت القديمة باقية، ومنها بيت أسعد قدورة، مفتي شمال فلسطين، وبيت ذكي قدورة، آخر رئيس بلدية فلسطيني، ومدرسة البنات التي تحولت إلى كلية "فيستو" لليهود، ومدرسة الزاوية التي تحولت إلى مدرسة دينية لليهود، في حين تحول مبنى السرايا إلى متحف للجالية اليهودية الهنغارية.
كان في المدينة خمسة مساجد، وهي مسجد الصواين الذي تم هدمه وبقيت فقط مأذنته، ومسجد الشعرة الشريفة الذي تحول إلى كنيس يهودي، والزاوية الأسدية التي تحولت إلى كنيس يهودي أيضاً، ومسجد الأحمر الذي تحول إلى قاعة أفراح، في حين تحول المسجد اليونسي إلى متحف لصور البلدية، كما تحولت كنيسة مريم العذراء في حي النصارى إلى مركز للفنون.