منذ سنوات، يعيش العراقي عمر داود الدليمي في إسطنبول التركية، التي اتخذها ملاذاً آمناً برغبة من والده
بعدما عاش فترة يصفها بالمرعبة في العاصمة العراقية بغداد، أفقدته حتى الرغبة بالحياة، بات الشاب العراقي عمر داود الدليمي، منذ خمسة أعوام، مقيماً في إسطنبول التركية، وطالب لجوء إلى إحدى الدول الغربية، من دون أن يرتكب شيئاً يؤدي به إلى هذا البعد عن الوطن، كما يقول.
بداية مأساته كانت مع اعتقاله عام 2006، وهي الفترة التي شهدت انهياراً أمنياً واسعاً في العراق، وفقدان القوات الأميركية والعراقية السيطرة على الملف الأمني ببغداد ومدن أخرى، ما تسبب بعمليات عنف وقتل على الهوية نفذتها المليشيات الطائفية والمنظمات الإرهابية. وهو ما أدى إلى اعتقاله، فتعرض خلال مدة اعتقاله التي استمرت أكثر من شهر لدى إحدى المليشيات إلى "أبشع صنوف التعذيب"، بحسب قوله.
عمر، المولود عام 1986، أفرج عنه بعد تحركات لعائلته التي تمكنت من مقايضته بمبلغ من المال، لكنّه عانى من صدمة نفسية نتيجة التعذيب والاحتجاز. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه كان على اعتقاد كامل بأنّه سيُقتل، ولم يكن يؤمن أبداً بأنّه سينال حريته.
ترك عمر دراسته بعدها، إذ بات خائفاً من الخروج إلى الشارع، وعمد إلى تزوير بطاقة شخصية، ليحملها معه باسم وكنية مختلفين، تحميه أو تقلل فرص اعتقاله أو حتى قتله. لكنّه رغم ذلك بقي في رعب، فالقتل مستمر والخطف لم يتوقف ولم يعد قادراً على البقاء في مدينته، فدفعه والده إلى السفر باتجاه مدينة كركوك، شمالي البلاد، حيث يقطن أقارب له فيها، فهي مدينة آمنة إلى حد ما، ولا عنف طائفياً فيها، فذهب.
وبعد عام من مغادرتها، رجع عمر إلى بغداد، فقد تجاوز أزمته النفسية، وقرر أن يتحدى الصعوبات ويكمل دراسته في كلية القانون، فكان له ما أراد. يقول: "قررت أن أتجاوز خوفي وأن أكون صوتاً معبراً عن الحق؛ حقي وحق الشعب، فكنت أخرج في الاحتجاجات والتظاهرات الرافضة للفساد الحكومي والطائفية والعنف، فكانت النتيجة اعتقالي". يضيف: "هذه المرة جاء الظلم من الحكومة وأجهزتها الأمنية، وكان هذا في عام 2011 في تظاهرة كبيرة جرت في ساحة التحرير بوسط العاصمة بغداد، إذ اعتقلت مع مجموعة كبيرة من المتظاهرين، واستمر اعتقالي مدة 13 يوماً، وجرى تعذيبنا بعنف، ثم أفرج عنا بعد تعهدنا بعدم الخروج في التظاهرات مرة أخرى".
بعد أقل من عام على ذلك، يقول عمر: "داهمت منزلنا قوة أمنية كبيرة. كانت مخيفة ومرعبة، حطموا فيها باب المنزل ودمروا بعض أثاثه. قالوا إنهم يبحثون عن مشتبه بهم، ثم اعتذروا وغادروا". هذا الحادث، بحسب عمر، "كان رسالة واضحة بأنّني متابع، فقد علمت لاحقاً بأنّ عدداً من الناشطين جرى تخويفهم بمثل هذا الأسلوب. نصحني أهلي وأصدقائي بمغادرة بغداد والرجوع إلى كركوك أو بالذهاب إلى أيّ محافظة من محافظات إقليم كردستان، لكنّ والدي كان مصراً على مغادرتي للبلاد بأكملها... كان يبكي ويتوسل إليّ أن أسافر. وعملاً برغبته غادرت إلى تركيا".
لم يكن عمر غريباً في تركيا، وفق قوله، فله أصدقاء سبقوه إلى إسطنبول، هربوا أيضاً من العنف، وقدموا طلبات لجوء إلى مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقدم مثلهم طلب لجوء إلى بلد غربي، لكنّه منذ ذلك الحين مقيّد ضمن طالبي اللجوء، ولم يقبل طلبه بعد. يعلق عمر: "المهم عندي أنّني أكملت دراستي الجامعية، واستفدت أيضاً في تعلم لغة جديدة هي التركية، أما وقت فراغي فأملأه بالمطالعة، إذ إنّنا - نحن المشمولين بحماية الأمم المتحدة - ممنوعون من العمل، ويرسل إليّ أهلي ما يكفيني من المال".
على الرغم من التحسن الأمني الكبير الذي شهده العراق أخيراً، إلا أنّ عمر لا يستطيع العودة، مبيناً أنّها "رغبة والدي في المقام الأول، فهو لا يريد أن يخسرني، بل سعى لكي أؤسس أسرة وأنا هنا في إسطنبول. وهكذا ارتبطت بفتاة وسأتزوج قريباً، وقد دعمني والدي كثيراً في هذا الخصوص، وقال إنّه سيوفر كلّ ما أحتاجه لبناء أسرة في المهجر".
يختم: "لولا والدي لكنت الآن في بغداد. أمنيتي هي إكمال دراستي العليا ونيل الدكتوراه. أطمح في أن أكون أستاذاً في إحدى الجامعات العراقية. ولولا التطرف والطائفية اللذان جاءا إلينا مع الاحتلال لكنت الآن قد قطعت شوطاً طويلاً في درب أحلامي".