في ساحة التحرير، وسط العاصمة العراقية بغداد، تتحالف شرائح عراقية مختلفة عصر كل يوم منذ نحو أسبوعين، لتنظيم وقفات احتجاج أو مظاهرات لا تتعدى العشرات، وفي أفضل حالاتها بضع مئات. غير أنها تحظى بأهمية واسعة من قبل البغداديين كون المتظاهرين هم نخبة المجتمع العراقي وغير سياسيين أو متحزبين لجهة ما، وهم عادة من المثقفين والفنانين والناشطين المدنيين.
وساحة التحرير إحدى أقدم ساحات العاصة العراقية بغداد، وتقع في منطقة الباب الشرقي، على مقربة من نهر دجلة، ولا يفصل بينها وبين المنطقة الخضراء سوى جسر الجمهورية، وتحتوي على نصب التحرير الذي شيّد في منتصف القرن الماضي، وتعتبر ملتقى للأدباء والمثقفين العراقيين.
ومثّلت الساحة خلال السنوات الماضية قاعدة للتيار المدني والناشطين والأدباء العراقيين في احتجاجاتهم، لقربها من المنطقة الخضراء، وفي مساحتها التي تبلغ 4 كيلومترات تضم الساحة حديقة تعرف باسم حديقة الأمة وكذلك شبكة أنفاق تحتوي على محال تجارية قديمة، كما تعد مركزاً للباعة المتجولين، وتعد في صدارة الساحات الموجودة في بغداد كنقطة انطلاق للاحتجاجات.
وتتنوع مطالب الموجودين في ساحة التحرير، لكن ما يوحدهم هو القضاء على الفساد، وفصل الدين عن إدارة الدولة، وتحقيق الخدمات للمواطنين، وإنهاء المظاهر المسلحة، في إشارة واضحة إلى مليشيات الحشد الشعبي.
تقول الناشطة حذام الأنصاري لـ"العربي الجديد": "حكومتنا جائرة على الشعب، كنا نطالب بحقوقنا في مظاهرات سابقة، وهي حقوق بسيطة وطبيعية، من المعيب المطالبة بها كالكهرباء والخدمات في العراق الغني بثرواته النفطية. لكن اليوم نحن نطالب بتغيير النظام، لأن الحكومة أثبتت فسادها ولم نرَ منها خلال 15 عاماً غير الويلات".
وتضيف الأنصاري: "نتمنى على هذه الحكومة أن تعلن استقالتها وتترك العراق للخيّرين الشرفاء، لأننا نريد حكومة إنقاذ وطني، كما نطالب الأمم المتحدة وكل الشرفاء بأن ينظروا إلى ما حلّ بالعراق من ويلات، قسموه باسم الطائفية وزرعوا الفتنة بين المواطنين، لأن ولاء هذه الحكومة ليس للشعب بل للدول المجاورة، بعض المسؤولين موالون لإيران وبعضهم لأميركا".
وتصرخ "مللنا من وجود هؤلاء الساسة في سدة الحكم". وتسأل محتجة "كيف ينام عراقيون على الأرصفة"، وتقارن "كيف سلبت أبسط الحقوق الإنسانية للمواطن العراقي، التي لا تقارن بمعيشة حيوان في أي بلد آخر".
وتضيف: "نحن مصرون على تغيير هذه الحكومة ورميها في المزبلة، لأنه المكان الحقيقي الذي يليق بها، ويبقى الشعب لأنه مصدر السلطات، ومثلما أتينا بهم نحيلهم".
من جانبه، يقول الدكتور قحطان الخفاجي لـ"العربي الجديد": "نتمنى أن تكون المظاهرات التي خرجت منذ يومها الأول من أجل الإصحاح والتصحيح، ومن أجل الخدمات، ولتعديل العملية السياسية أو تغيرها، ولكن اليوم للأسف سمعنا وشاهدنا أصواتاً تأخذ المظاهرات إلى اتجاه معاكس، على ما يبدو فإن الدس والمدسوسين أخذوا دوراً كبيراً، لذلك تغيرت بعض الهتافات، وأصبحت تظهر خلافات بينية، ولكننا نقول بالتأكيد هذه الخلافات ستزول، لأن من يدس نفسه بين أصوات الشعب، سيداس بالشعب".
بدوره يقول الفنان العراقي البارز عبد الستار البصري لـ"العربي الجديد": "إن وجودي اليوم في ساحة التحرير مع إخواني المتظاهرين، لأنني مواطن عراقي قبل أن أكون فناناً. وأود أن أشير إلى أمرين، الأول أن المواطن العراقي الذي عاش في هذه الحقبة الزمنية، منذ 2003 إلى يومنا هذا، عاش في تقديري فترة مظلمة، والظلمة هذه جاءت مع شديد الأسف من فساد الرئاسات الثلاث".
ويرى البصري "أن الفساد مصدره أولاً الدستور، هذا الدستور "الأعور"، إذا جاز التعبير، هو الذي قاد البلد نحو هذا السوء، ومطلبي كمواطن عراقي أولاً تغيير هذا الدستور، وثانياً تغيير شكل النظام، أي شكل السلطة، فنحن نطالب بالنظام الرئاسي، وثالثاً إلغاء النظام البرلماني الأسود (المصخم) الذي أتى بالسواد لبلدي. وحين يصلح الرأس يصلح الذيل، وإخواني المتظاهرون، مع شديد تعلقي بهم، يطالبون بالكهرباء والماء والتعيينات، ولكن أقولها من وجهة نظري، كفنان ومثقف، عند المجيء بدستور جيد تصلح كل هذه الأمور".
ويختم بالقول: "أطالب وزير الثقافة باللجوء إلى دهاليز الفن، فنحن نطالب بفن راقٍ ومؤدب، ودراما نظيفة تعرض للعوائل العراقية، وليس الدراما الحالية التي لا أدري هل يضحكون بها على المتلقي أم العكس".