ما زالت القواعد الجديدة التي اتفق عليها الائتلاف الحاكم للمّ شمل أسر اللاجئين الذين يتمتّعون بحماية مؤقتة، تلقى انتقادات واسعة في ألمانيا مع شكوك حول إمكانية التنفيذ عند بدء العمل بها اعتباراً من الأول من أغسطس/ آب المقبل.
ويحيط بالاتفاق لغط كبير، لا سيّما بالنسبة إلى المعارضة والمنظمات الحقوقية والاجتماعية المعنية بأموراللاجئين، إذ إنّ المعايير الجديدة للمّ شمل أسر الحاصلين على الإقامة المؤقتة تعرّضت للنقد بسبب تضمّنها ثغرات عدّة، ومنها عدم اعتماد المعايير النهائية، في حين أنّ حالات كثيرة لم تؤخذ في الاعتبارعلى الرغم من إعطاء الأولوية لذوي الحالات الإنسانية لا سيّما المرضية الخطيرة، على أن يكون مقدّم الطلب قد حقق نجاحاً متقدماً في عملية الاندماج.
والتسوية طويلة الأمد أدّت إلى انتقادات من قبل المجلس الوطني للرقابة التنظيمية الذي تأسس قبل 12 عاماً للحدّ من البيروقراطية غير الضرورية، والذي تقتضي مهمته دراسة مشاريع القوانين وتحديد إذا ما كانت تتسبب في أعباء إدارية غير ضرورية ونتائج غير متوقعة.
ويربط المجلس النزاع بعد إقرار القانون من قبل الحكومة بمشاكل أخرى، مشيراً إلى شكوك كبيرة حول إمكانية التنفيذ، لأنّه من غير الواضح كيف سيتمّ التطبيق عملياً، بالإضافة إلى كيفية تحديد حصص آلاف الأشخاص الذين لهم الحقّ بالاستفادة منه شهرياً. ومن شأن ذلك أن يمثّل تعقيدات إضافية في ما يخصّ حقوق الهجرة والإقامة. ويشرح المجلس، وفق ما ذكرت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ"، أنّ مشروع القانون غير عملي ويؤكد المخاوف من أن تواجه الحكومة مسألة معايير اختيار الأشخاص الذين يحق لهم الانضمام، بينما ترى الحكومة أنّ إجراء لمّ الشمل لم يتغير جوهرياً.
وفي ملف الأشخاص الذين يشتبه بميولهم المتطرفة، يشكك عدد من السياسيين في قدرة السلطات على إثبات عدم خطورتهم بما يكفي من اليقين، وهو الأمر الذي قد يهدد وبشكل كبير الأمن الداخلي. وسوف يُعَدّ ذلك علامة خطأ لألمانيا، إذ إنّه ليس من مصلحتها أن تكافئ هؤلاء. ومن يضمن بطريقة موثوق فيها عدم تهديدهم أمن البلاد؟ إلى ذلك، ثمّة ما يسمّى تكاليف الامتثال للجهات التي تتحقق من أنّ الأسباب الإنسانية تبرّر لمّ شمل الأسرة. وعادة، تكون البعثات الدبلوماسية قبل أن يقرر المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين التابع لوزارة الداخلية.
في السياق، تقدّر الحكومة حاجتها إلى نحو 95 وظيفة إضافية، منها 35 في وزارة الخارجية و60 في المكتب الاتحادي في كولن بتكلفة سنوية قدرها عشرة ملايين يورو، ومع الاعتراف بأنّه من غير الممكن تقدير عدد الطلبات بشكل دقيق. ويلفت رجال قانون النظر إلى أنّ ثمّة نفقات إضافية لمكاتب الهجرة والبلديات والمدن، إلى جانب تكاليف الدعاوى القضائية التي سوف يتقدم بها المتضررون نتيجة العمل بالقانون الجديد. ويبدو أنّه مع سريان العمل به، سوف يتبيّن أنّ ثمّة تعقيدات كثيرة، لا سيّما من العيوب والأخطاء. ويشير هؤلاء إلى أنّ الحل الأنجع هو تقديم مشروع قانون هجرة العمالة الماهرة خلال هذه الولاية التشريعية. وهذا الأمر سبق وأثاره وزير داخلية ولاية بافاريا، يواخيم هيرمان، عندما قال أخيراً إنّه ينبغي على طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم أن يتحمّلوا تكاليف الطعون القضائية غير المبررة التي يقدّمونها اعتراضاً على رفض لجوئهم ولوقف ترحيلهم.
وسط هذه المستجدات، صار معروفاً أنّ وزير المالية الاتحادي أولاف شولز يتوقع أن تصل تكلفة سياسة اللجوء الألمانية بحلول عام 2022 إلى نحو 70 مليار يورو، وفق ما ذكرت صحيفة "شبيغل" أخيراً، استناداً إلى وثيقة من وزارة المالية تضمنت تخطيطاً مالياً متوسط الأجل، من دون أن يشمل المبلغ ثمانية مليارات يورو تعهدت الحكومة الاتحادية تقديمها بموجب اتفاق الائتلاف الأخير بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى الولايات والبلديات بحلول عام 2021. يُذكر أنّ توزيعها لم يتحدد بعد.
وكانت تقارير أخيرة بيّنت أنّ قائمة التكاليف السنوية للجوء والاندماج المعدّة من قبل وزارة المالية قد بلغت في العام الماضي نحو 21 مليار يورو لمكافحة أسباب اللجوء ورعاية اللاجئين ودمجهم، وتشمل تقديمات للاجئين وتحويلات المعونة الاجتماعية ودورات اللغة والاندماج واستقبالهم في مراكز الإيواء والتسجيل ومنحهم الإقامة. يُذكر أنّ البلديات لا تحبّذ الاستعاضة عن فكرة المعونة المادية الشهرية للمهاجرين إلى حين البت بطلبات لجوئهم، والسبب أنّ الفكرة البديلة سوف تكلف السلطات مزيداً من الترتيبات والعمل، ومنها على سبيل المثل توزيع الألبسة والتقديمات العينية من ضمن لوائح وقسائم وغير ذلك.
تجدر الإشارة إلى أنّ اتفاق الحل الوسط قضى باعتماد تلك الصيغة في الأشهر الخمسة الأولى من بدء التنفيذ وتحويل الحصة غير المستخدمة إلى ما بعدها، في حين أبقى على عملية استصدار التأشيرات للخارجية الألمانية بعد رفض اقتراح الاشتراكي نقل سلطة اتخاذ القرار إلى المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين. وهو ما يعني استخدام بعض "الحيل الإدارية" مع بعض التنازلات من قبل الأطراف المعنية، بعدما كان الموضوع محل رفض من قبل التحالف المسيحي وأثار جدالاً كبيراً بين وزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر المنتمي إلى الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي وصف التدابير بالصارمة، علماً أنّه يصرّ على الإبقاء على هذا المخطط بعد انقضاء المرحلة الأولية.