تفتقر المدارس إلى مناهج من شأنها تهيئة أولادنا لمواجهة العالم الذي تتخطّى حدوده المؤسسة التعليمية والزملاء والمدرّسين. فهي تكرّس، كما الجامعات، جهودها لتدريس المواد العلمية والأدبية بهدف ضمان تحقيق تلاميذها وطلابها درجات عالية وتسجيل مستويات أكاديمية مهمة، حتى يحظوا بفرص للعثور على الوظيفة المناسبة. من جهة أخرى، ثمّة مهارات قيّمة لا بدّ من أن يمتلكها الأهل، وهي المهارات العاطفية التي تؤثّر على نفسية الأطفال وشخصياتهم، مهما تمتّع هؤلاء بذكاء حاد في مادة الرياضيات على سبيل المثال أو غيرها.
إيمي مورين، هي معالجة نفسية وخبيرة في القوة الذهنية معترف بها دولياً، تشير إلى أنّه في واحدة من الدراسات الاستقصائية التي شملت نحو 1502 من طلاب الجامعات، تبيّن أنّ 60 في المائة منهم يرغبون في الحصول على مزيد من المساعدة في التهيؤ العاطفي. وتوضح أنّ التأهّب العاطفي يشمل القدرة على الاعتناء بالنفس والتكيّف مع البيئات الجديدة والسيطرة على المشاعر السلبية أو السلوك السلبي وبناء علاقات إيجابية. أضافت أنّ الطلاب عبّروا عن شعورهم بالتركيز المكثّف على إعدادهم أكاديمياً، لكنّه على الرغم من كل الجهود التي بُذلت لضمان حصولهم على مواضيع تلفت انتباههم، فإنّ افتقارهم إلى المهارات العاطفية عرقل تحصيلهم الدراسي.
في السياق، يقول كارلوس (21 عاماً) لـ "العربي الجديد" إنّ "الجامعة لم تكن مثلما توقّعت. وقد شعرت بصعوبة في الاندماج مع الطلاب الآخرين". يضيف: "كنت أرغب في إكمال دراستي للحصول على شهادة ماجستير ومن بعدها الدكتوراه، لكنّ تجربتي في الجامعة كانت مخيّبة للآمال ومملّة، لذا قرّرت البدء في العمل فور حصولي على إجازة جامعية". ويتابع أنّ ذلك قد يكون "نتيجة افتقارنا إلى مهارات التواصل الاجتماعي وكيفية التعامل مع أشخاص جدد وبالغين فجأة، وتكوين صداقات معهم. ففي المدرسة تكون الأمور أسهل لأنّنا أصغر سنّاً وأكثر عفوية". ويشير إلى أنّه "حين بدأت العمل، أدركت أنّ المدرسة لم تعلّمنا أيّ شيء عن كيفية السيطرة على عواطفنا وغضبنا والتعامل مع العملاء أو مع أيّ شخص، فجلّ تركيزها كان على تلقيننا المنهج الدراسي المطلوب".
وتلفت الدراسة إلى أنّ ثمّة طلاباً يتوجّهون إلى تعاطي المخدّرات وإدمان الكحول لمساعدتهم على التخلّص من الألم العاطفي أو تخديره، حين يواجهون مشاعر غير مريحة. كذلك، فإنّ ثمّة أشخاصاً كانوا أكثر عرضة للبطالة وطلبوا إجازات مرضية خلال فترة عملهم الأولى.
وتؤكّد مورين أنّ ثمّة آباء يركّزون على منع أطفالهم من ارتكاب الأخطاء أو اختبار تجربة الفشل، ويهرعون إلى إنقاذهم كلّما واجهوا ورطة، ويعملون على حلّ مشاكلهم. ونتيجة ذلك، نحن نخلق جيلاً يعاني عاطفياً، بينما نركّز على درجات الاختبار التي يحظى بها وننسى تعليمه المهارات الأساسية التي يحتاجها من قوّة ذهنية وعقلية حين يصبح بالغاً. تضيف أنّه بغضّ النظر عن مدى تميّز درجات الطفل الأكاديمية، في حال كان شديد القلق أو سريع الغضب، فإنّه سيعاني من صعوبات في حياته.
من جهتها، تقول صبا (38 عاماً) وهي مدرّسة، لـ"العربي الجديد"، إنّها كانت ترى كيف تهرع الأمّهات إليها ليشتكينَ من تصرّفات تلاميذ آخرين ويطلبون منها التدخّل للدفاع عن أبنائهم، مهما كانت الأمور بسيطة. تضيف: "سألتُ إحدى الأمّهات في يوم إذا كانت ستتدخّل للدفاع عن ابنها حين يصبح بالغاً، وطلبت منها أن تتركه يواجه مشاكله في عالمه الصغير كي يتمكّن بعدها من النضال في العالم الأوسع".