الأمطار الغزيرة التي تساقطت في جنوب الجزائر كانت كافية لتشريد عائلات. وإن كان السكان يحمّلون الدولة المسؤولية بسبب هشاشة البنى التحتية، فإن خبراء يحملونها المسؤولية بسبب البناء في الأودية.
خلّفت الفيضانات الأخيرة التي شهدتها مدينة عين قزام في ولاية تمنراست وضعاً إنسانياً مأساوياً، في ظل انهيار أكثر من مائة منزل وتشريد نحو 345 عائلة. وتحاول السلطات احتواء الوضع ومعالجة الأضرار. ووجد العشرات من سكان حي أبالغ في مدينة عين قزام أنفسهم بلا مأوى، من جراء الفيضانات التي اجتاحت المدينة منذ السبت الماضي، وغمرت عشرات البيوت في أحياء''كنتة'' و''600 سكن'' و''الحي الريفي''. وهذه أحياء شعبية فقيرة تقع غالبيتها في ضواحي المدينة. وانتقد السكان الغاضبين تأخّر السلطات في التدخل لإنقاذهم من الوضع الذي آلت اليه الأمور، وقضت عائلات بأكملها ليل الأحد الماضي في العراء قبل أن يتدخل الجيش بعد فشل السلطات المحلية التي لا تملك الآليات اللازمة لمواجهة هذه الأوضاع. واضطرت العائلات إلى وضع خيم عشوائية للإقامة فيها قبل وصول المساعدات الحكومية. وأكثر المتضررين كان البدو الرحل الذين يعيشون في أطراف مدينة عين قزام، حيث جرفت الأمطار خيمهم وبعضاً من مواشيهم.
يقول محمد الباهي من سكان عين قزام لـ "العربي الجديد": "من المؤسف أن يكون هذا حال مدينتنا في بلد نفطي. الأمطار التي تساقطت كانت كافية لكشف الهشاشة، وقد تحولت حياة السكان إلى جحيم. والمشكلة أن السلطات المحلية عاجزة عن فعل أي شيء، ونحن في انتظار المساعدات الحكومية التي تأتي من المركز، أي العاصمة أو عاصمة المنطقة تمنراست". في المقابل، وصل غضب السكان إلى وسائل الإعلام، التي أشارت إلى تجاهل الكارثة التي يعيشها سكان المنطقة، في مقابل مواصلة اهتمامها البالغ بالحفلات الفنية.
ولاحتواء هذا الغضب الذي تزامن مع حراك احتجاجي في مدن عدة في الجنوب ضد تهميش المنطقة وهشاشة البنى التحتية، سارعت السلطات إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة الأوضاع منذ يوم الإثنين الماضي، بعد وصول لجنة وزارية إلى مدينة عين قزام الحدودية أقصى جنوب الجزائر. ويشير محافظ ولاية تمنراست التي تتبعها عين قزام جيلالي دومي، إلى توزيع 100 طرد غذائي كحصة أولى، و400 حصة من الأغطية على السكان المتضررين، إضافة إلى خيم وفرش، وتكليف لجنة بمعاينة البيوت المتضررة أو تلك التي انهارت أجزاء منها، للنظر في إعادة إسكان العائلات المتضررة.
ودعت جمعيات خيرية تنشط في تمنراست وعين قزام إلى إغاثة المنكوبين والمتضررين، خصوصاً أن عدداً من العائلات فقدت كل متاعها بسبب انهيار مساكنها أو أجزاء منها، من جراء تساقط الأمطار بكميات كبيرة في كل من تمنراست وعين قزام منذ مساء السبت الماضي، ما تسبب بفيضانات في عدد من أودية المنطقة غمرت أحياء بأكملها، وأدت إلى مقتل خمسة أشخاص، ما استدعى تدخل الجيش وآلياته لإنقاذ السكان وعشرات العالقين.
وتعهدت السلطات بإطلاق دراسة تتعلّق بوضع خطة لمواجهة الفيضانات وحماية مدينة عين قزام من أخطار فيضانات الأودية مستقبلاً، خصوصاً أن التنظيم العمراني لمدينة عين قزام ومدن الجنوب يشهد فوضى كبيرة بسبب الأحياء السكنية العشوائية. ونتيجة عدم الاهتمام أو اتخاذ السلطات إجراءات صارمة، يقر خبراء تقنيون في مجال الهندسة المعمارية في جنوب الجزائر بأن الفوضى العمرانية تبقى أحد الأسباب الرئيسية التي تقف خلف الخسائر التي تسجل في حال حدوث فيضانات في مناطق الجنوب، كفيضانات مدينة غرداية الجنوبية.
من جهته، يقول المهندس عبد زياد، الذي يعمل في مصلحة العمران في تقرت جنوب الجزائر: "المشكلة في مدن وبلدات الجنوب تكمن في البناء فوق الوديان، وفي أماكن مجرى المياه أي الأودية". يضيف أن "الأودية تحافظ عبر الزمن على مجراها مهما تغيرت التضاريس الطبيعية. وفي تجربتي حين كنت في فريق التدخل من الأخطار في فيضانات غرداية في عام 2008، لاحظنا أن السبب الرئيسي للكوارث الناتجة عن تساقط الأمطار الغزيرة هو بناء مساكن ومنشآت في مجرى وادي غرداية".
ويوضح أن "البناء من دون رخصة وبطريقة فوضوية، وعلى الرغم من التدابير الحكومية الصارمة خصوصاً بعد فيضانات غرداية في عام 2008، يظل أيضاً من الأسباب التي تؤدي إلى الكارثة. وبحسب التعليمات التي تصلنا من الحكومة، خصوصاً وزارة السكن والعمران، فإنها تشدد على أن رخص البناء تسلم بعد موافقة كلّ المصالح التقنية المحلية التي تضمن أن البناء لا يكون في الأودية أو الأماكن المعرضة لحدوث فيضانات".
ويحاول سكان عين قزام وتمنراست تجاوز آثار الكارثة والعودة إلى حياتهم الطبيعية بعد استقرار الطقس منذ يومين. كما تسعى السلطات إلى علاج آثار الكارثة، في ظل الاحتجاجات في الجنوب بسبب ما تشهده مدنهم وهشاشة البنى التحتية.