يشكو السوريون في مناطق سيطرة النظام من ارتفاع أسعار الدروس الخصوصية، علماً أنّها باتت حاجة أساسية لكلّ تلميذ في ظل تراجع المستوى التعليمي في المدارس، إضافة إلى اكتظاظ الصفوف. تقول أم فادي الشماع من مدينة التل شمال دمشق، وهي أم لطفلين في مرحلة التعليم الأساسي، لـ "العربي الجديد": "غيّروا المناهج خلال السنوات الأخيرة أكثر من مرة، وقد اختلفت تماماً عن تلك التي درسناها. أيضاً، تغيّرت أساليب التعليم ومعالجة المعلومات، ما يضطرني إلى الاستعانة بمدرسين خصوصيين، أطلب منهم المجيء إلى المنزل". وتلفت إلى أن الصف الواحد يضم عدداً كبيراً من التلاميذ، ما يجعل استيعاب الدروس صعباً. وفي بعض المدارس، "يمكن أن تجد نحو 70 تلميذاً في الصف في المرحلة الابتدائية، و50 في المرحلة الثانوية. ولا تتجاوز مدة الحصة 45 دقيقة". تضيف: "المشكلة أن أسعار الدروس الخصوصية تضاعفت مرات عدة خلال السنوات الأخيرة، ويتراوح أجر المدرّس خلال ساعة واحدة ما بين 1500 و2000 ليرة سورية (ما بين نحو ثلاثة دولارات وأربعة دولارات)، وذلك لتلاميذ المرحلة الابتدائية. وتشمل هذه الساعة المواد الأساسية. وعادة ما يحتاج التلميذ إلى ثلاث جلسات في الأسبوع كحد أدنى، ما يرهق الأهالي مادياً".
من جهته، يقول أبو حسام من مدينة جرمانا في ريف دمشق، وهو رب أسرة مكونة من أربعة أبناء، لـ "العربي الجديد": "في الوقت الحالي، العلم للأغنياء فقط. أما بالنسبة لشخص مثلي، تعيش أسرته على راتب بسيط، فيستحيل أن يفكّر في مدرسين خصوصيين لأبنائه الأربعة. إلّا أنّني أتألم كلّما أخبرني أطفالي عن معاناتهم في المدرسة، بسبب نقص الأساتذة أو تبدلهم الدائم، إذ إنه لكل أستاذ أسلوبه وطريقته. والمشكلة الأكبر هي حين يأتي مدرس ضعيف، ولا يكون قادراً على إيصال المعلومة، أو يعطي معلومات خاطئة". يضيف: "خلال الامتحانات الفصلية أو نهاية العام، أحاول توفير بعض المال في حال كانوا في حاجة ماسّة إلى مدرّس، إذا ما استعصى عليهم فهم مادة معيّنة". ويرى أن "المدرّسين استغلّوا تمكّنهم من المادة التي يدرسونها، وأصبحوا يشكلون مافيات تدريس، وقد وصل سعر مادة الرياضيات لتلاميذ الثالث الثانوي العلمي إلى 5 آلاف ليرة سورية (نحو 11 دولاراً)"، لافتاً إلى أن "وزير التربية لا يحلم بالحصول على مثل هذا الرقم".
من جهته، يقول المدرّس جواد ع. لـ "العربي الجديد" إنّ "مشكلة الدروس الخصوصية وارتفاع أسعارها متشعبة لناحية الأسباب. لولا تردّي المدارس والقائمين على إدارتها واختيار المدرسين العاملين فيها والمناهج وطرق تدريسها، لما بحث التلاميذ عمن يعطيهم دروساً خصوصية. ولولا واقع المدرّس الوظيفي والمادي السيئ، لما قبل أن يذهب إلى منازل التلاميذ لإعطائهم الدروس". يضيف أنّ المدرّس لم يعد يفكّر براحته أو قضاء الوقت مع عائلته، بل يُحاول تأمين لقمة عيش عائلته، إذ إن راتبه لا يتجاوز 30 ألف ليرة سورية (نحو 66 دولاراً)، في حين أنه يحتاج بالحد الأدنى إلى 250 ألف ليرة (نحو 555 دولاراً) ليؤمن حاجاته المعيشية، خصوصاً أن الليرة السورية فقدت قيمتها الشرائية".
ويلفت المدرّس إلى أنّ للدروس الخصوصيّة مساوئ عدة، أهمها أنّ التلميذ يتحول إلى شخص اتكالي، ويستسهل عملية التعلم خصوصاً في مراحلها الأولى. يضيف أنه في حال كان المدرّس في الصف هو نفسه الذي يأتي إلى المنزل، قد تهتزّ صورته وتفقد الحصة الصفية أهميتها بالنسبة إلى التلميذ، عدا عن اختلاف المستوى الأكاديمي بين التلاميذ القادرين على الاستعانة بمدرسين خصوصيين وآخرين غير قادرين على تحمل كلفتها.
دخل إضافي
على الرغم من أهمية الدروس الخصوصية لتحسين مستوى التحصيل العلمي للتلاميذ في سورية، إلا أن أولياء الأمور يشكون بسبب عدم قدرتهم على تحمّل كلفتها المرتفعة، سواء في مناطق سيطرة النظام أو المعارضة. وأحياناً، يمدُّ بعض المدرّسين في المدارس التلاميذ بمعلومات إضافية خلال الدروس الخصوصية أو الدورات التعليمية بهدف استقطاب عدد كبير منهم، وتأمين مصادر دخل إضافية.