بعد إعلانه وجود "جواسيس" بين سكان المدينة يعملون لصالح القوات العراقية والبشمركة الكردية، شدّد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أحكامه على سكان الموصل، شمال العراق. وقد عمد عناصر من التنظيم إلى إعدام خمسة أشخاص في الموصل أخيراً بتهمة التجسّس لصالح الجيش العراقي، بحسب ما جاء في تسجيل الفيديو الذي بثّ الخميس الماضي. وهذه آخر عملية إعدام نفّذها "داعش" حتى اليوم.
ولّدت العقوبات "القاسية" التي ينفّذها تنظيم "داعش" بحقّ أهالي الموصل على خلفيّة التجسس خصوصاً، مخاوف كبيرة لدى السكان الذين امتنع كثيرون منهم عن ذكر أيّ معلومات عن المدينة وأحوال سكانها عند اتصالهم بأقارب وأصدقاء خارج الموصل.
وقد لجأت بعض الأسر إلى منع أبنائها من الاتصال بمن هم خارج المدينة، وهو ما يؤكّده جمال حمة قادر المقاتل في البشمركة الكردية. ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "البعض يقول إنّه منع أولاده من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي حتى، خوفاً عليهم من الإعدام". تجدر الإشارة إلى أنّ "داعش" يفرض سيطرته على الموصل منذ يونيو/ حزيران 2014، وقد اتخذها عاصمة لما يطلق عليها "دولة الخلافة الإسلامية". داخلها، يفرض قوانين صارمة على السكان الذين لم يتمكنوا من مغادرة مدينتهم.
محمد الجبوري صحافيّ من بغداد، يخبر أنّه كان على اتصال دائم مع صديق له داخل الموصل، يزوّده باستمرار بمعلومات عن المدينة، يستفيد منها الجبوري في كتاباته الصحافية، لكن "صار من الصعب الاتصال بصديقي الوحيد الذي ما زال في الموصل". يضيف الجبوري لـ "العربي الجديد" أنّ "في آخر اتصال بيننا قبل نحو أسبوع، أبلغني أنّه يخاف من أن تنزل به عقوبة الإعدام، مؤكداً وجود جواسيس ينقلون إلى داعش معلومات عن المواطنين الذين يتواصلون مع القوات الحكومية أو الصحافة في خارج المدينة".
من جهته، يقول عبد المجيد حمدان، وهو من سكان الموصل الذين تمكنوا من الهرب إلى خارج المدينة، وما زال على تواصل مع أقاربه وأصدقائه في داخلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إنّ "عقوبات الإعدام التي ينفّذها داعش تهدف إلى نهيهم عن التواصل مع المحيط الخارجي وإفشاء أسرار ومعلومات عن التنظيم. صحيح أنّ ذلك حدّ من تسريب المعلومات، لكنّ السكان لن يمتنعوا عن ذلك، لا سيّما للقوات الأمنية سواء مباشرة أو عبر وسطاء". ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "السكان حين تتاح لهم فرصة الاتصال، سوف يقولون ما عندهم. هم يتوقون إلى التحرّر والخلاص من سيطرة داعش"، لافتاً إلى أنّ "تضييق داعش عليهم وقطع شبكات الاتصال ما هو سوى تأكيد على أنّ السكان يرفضون التنظيم ويتعاونون مع القوات العراقية لطرده، عبر إيصال معلومات عن عناصره وقادته". ويتابع: "جميع سكان الموصل وكذلك داعش، يعلمون أنّ الضربات الجوية الناجحة التي أدّت إلى مقتل قادة من التنظيم وإيقاع خسائر مهمة خصوصاً في مخازن الأسلحة التي استُهدفت، بُنيت على معلومات دقيقة تسرّبت من داخل الموصل". يشدّد: "هذا ما تدركه قيادات داعش جيداً".
وجود "داعش" صار أمراً واقعاً لا بدّ من أن يتعايش معه سكان الموصل، إذ ليس "باليد حيلة" بحسب لسان حالهم. بالنسبة إليهم، هم تحت حكم متشددين وعليهم الالتزام بما يفرضونه من قوانين حفاظاً على حياتهم وحياة أسرهم". وهذا ما بدا واضحاً من خلال اتصالات لـ"العربي الجديد" بعدد من الأشخاص من الأهالي الذين تمكنوا من الهرب في أوقات سابقة، بعضهم لم يمضِ على هروبه أكثر من عام. هؤلاء يؤكّدون أنّ العلاقة بين الطرفين، داعش والسكان، ليست على ما يرام، وأنّ الطرفين يعلمان بذلك، وإن كان الظاهر يوحي بغير ذلك.
حسن العليان صحافي من الموصل، يؤكد أنّ "لا خيار أمام الموصليين سوى إطاعة الأوامر. وخلاف ذلك، يكون العقاب بحسب نوع المخالفة". يشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "الأمر لن يطول كثيراً وللصبر نهاية. وهو ما يعلمه داعش، لذلك يرفع من حدّة تعامله بين الحين والآخر، أملاً بتمرير قوانينه بالقوة". يضيف أنّ "الموصل تشهد حركة احتجاج يقودها بعض الشباب، لكنها ليست علنية. وبحسب ما علمته، فإنّهم يعملون منذ أشهر على رفع حدّة الغليان الشعبي ضد داعش، من خلال الاستمرار بطرح قضايا الظلم والقوانين الصارمة التي يفرضها عليهم، وذلك من خلال لقاءات خاصة بين السكان". ويوضح العليان أنّ بعض "الإعدامات استهدفت شباباً كُشفت تحركاتهم السرية لتحشيد رأي شعبي غاضب ضدّ التنظيم داخل الموصل". من جهة أخرى، يلفت إلى أنّ "داعش بالإضافة إلى استخدامه القوة للسيطرة على السكان، يعمل أيضاً على توفير فرص عمل وتبنّي حملات خيرية لدعم الفقراء والمحتاجين، كذلك تبنّى تقديم معونات لمن قتل أولياء أمورهم، بقصف لطائرات التحالف أو بقصف مدفعي وما شابه ذلك".
أما ثامر صبيح الذي غادر مدينته بعد سيطرة التنظيم عليها، فيقول إنّ "داعش يجتهد في تبنّي برامج مجتمعية، تقدّم النصح للمجتمع وتعمل على إصلاح ذات البين، وغيرها من الفعاليات التي يقودها بعض الأشخاص ليتقرّبوا من الناس محاولين كسبهم". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "داعش يفتح باستمرار المجال أمام الذين يملكون الموهبة للانخراط في دورات مختلفة، منها طبيّة. فيتخرّج بعدها الشخص بصفة معاون طبيب، لا بل يصل أحياناً إلى أن يكون طبيباً بعد نجاحه في التقييمات من قبل المتخصصين، من دون أن يكون متخرجاً من كلية طبية". لكنّ صبيح يشدّد على أنّ "داعش لن ينجح طويلاً في خطته القاضية بالقضاء على غضب سكان الموصل وجذبهم إليه، مهما حاول. هؤلاء يدركون أنّه طارئ وسوف يزول في وقت ما. كذلك يدركون حجم التحشيد العسكري خارج مدينتهم سعياً إلى اقتحامها وإنهاء وجود التنظيم".
يُذكر أنّ قوات مشتركة من الجيش العراقي والبشمركة و"الحشد الوطني" (مقاتلون من عشائر الموصل) تحتشد على أطراف الموصل، خصوصاً في قضاء مخمور التابع لمحافظة إربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، سعياً إلى تحرير مدينة الموصل.
وكانت القوات العراقية قد أطلقت في 23 مارس/ آذار الماضي، معركة تحرير الموصل تحت عنوان "عملية الفتح"، وقد أعقبتها في الخامس من أبريل/نيسان الماضي "عملية الفتح الثانية"، لكنها لم تحقق أي تقدّم بارز بعد، باستثناء تحرير أربع قرى صغيرة تبعد عن مدينة الموصل نحو 55 كيلومتراً. وقد استعاد "داعش" اثنتَين منها.