بدأت أنظار الأجهزة الأمنية تتجه إلى المدارس الدينية في باكستان بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، بحجة أنّ معظم قيادات حركة طالبان أفغانستان الحليفة لتنظيم القاعدة، تخرّجت من تلك المدارس. وأخيراً، اشتدت الرقابة أكثر عليها، خصوصاً بعد الهجوم الدامي على مدرسة لأبناء العسكريين في مدينة بيشاور، شمال غرب باكستان في ديسمبر/ كانون الأول 2014. الهجوم الذي أودى بحياة 150 شخصاً معظمهم من التلاميذ.
في أعقاب الهجوم، راجعت القيادة السياسية والعسكرية الباكستانية استراتيجية الدولة في التعامل مع الملف الأمني. وتوصلت إلى سنّ قانون جديد باسم "الخطة الوطنية للعمل ضد الإرهاب". من أهم ما تناولته الخطة قضية المدارس الدينية، فأوصت بإجراء تعديلات في نظام المدارس، واتخاذ إجراءات إزاء أنشطتها وتمويلها المالي من داخل البلاد وخارجها.
وبعد مناقشات طويلة، شكلت الحكومة لجنة من رجال الدين ومسؤولين حكوميين بهدف إجراء تعديلات في نظام المدارس والمعاهد الدينية، والتي توفر التعليم والسكن المجانيين لأبناء آلاف المواطنين الفقراء. مع العلم أنها تسيّر أمورها بالصدقات التي يقدمها المواطنون كما يدعي القائمون عليها.
بدورها، دعت أحزاب سياسية إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد المدارس والمعاهد الدينية. وفي طليعة الأحزاب حركة الإنصاف التي يتزعمها أبرز المعارضين عمران خان. فقد أكدت الحركة في موقفها الأخير أنّ جهود الحكومة المبذولة إزاء ما وصفتها بالمدارس الدينية المتطرفة غير كافية.
في المقابل، ثمة أحزاب دينية لها نفوذ كبير في البلاد تقبل إجراء الإصلاحات في المدارس بصورة شفافة ونزيهة كما تدعي. لكنها في الوقت نفسه تبدي استعدادها للوقوف في وجه أي حملة ضد تلك المدارس، وأنشطتها الدينية والتعليمية. وقد طلبت تلك الأحزاب ومنها جمعية علماء باكستان التي يتزعمها المولوي فضل الرحمن، ومجلس الدفاع عن باكستان، من الحكومة وقف الحملة ضد المدارس تحت غطاء الإصلاحات. وهددت مراراً بتنظيم احتجاجات شعبية ومحاصرة المباني الحكومية.
وعلى الرغم من معارضة الأحزاب الدينية إلّا أنّ الحكومة الباكستانية تصرّ على إجراء إصلاحات في نظام المدارس. وكذلك تشديد الحملات على المدارس التي لم تحصل على الترخيص، أو تلك التي لها علاقات بالجماعات المحظورة التي تعبث بأمن باكستان والمنطقة بأسرها، وفق ادعاء الحكومة. كما قررت الحكومة إغلاق المدارس التي تحصل على التمويل والدعم من الخارج.
وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الداخلية عن إغلاق 190 مدرسة ومعهداً دينياً كانت تحصل على الدعم المالي من الخارج أو لم تكن لديها رخصة العمل أو كانت ضالعة في أعمال عنف. وأكد وزير الداخلية شودري نثار أنّ المدارس التي أغلقت من بينها 147 في إقليم البنجاب، و30 في إقليم بلوشستان، وسبع في إقليم خيبر بختونخوا، وست في إقليم السند.
كما أوضح الوزير أنّ الحكومة شكلت لجنة مشتركة تضم اتحاد المدارس الدينية ومسؤولين في وزارة الشؤون الدينية وإدارة وكالة "نكتا" الاستخباراتية التي تعمل ضد الإرهاب.
كما لفت نثار إلى أنّ من ضمن الإصلاحات التأكد من التسجيل ومعرفة مصادر التمويل، والتأكد من عدم تورط المدارس في الأعمال الإرهابية أو الصلة بالجماعات المسلحة المحظورة.
في المقابل، يطالب رجال الدين وزعماء الأحزاب الدينية الحكومة بإعلان أسماء المدارس التي أغلقت بذريعة صلاتها بالجماعات المسلحة. ويعلّق رئيس مؤتمر علماء باكستان العلّامة طاهر أشرفي، وهو عضو تنظيم حماية المدارس الدينية على خطوة الحكومة: "نحن منذ اليوم الأول لم نعارض إجراء الإصلاحات في نظام المدارس وندعو إليه. لكننا نطلب من الحكومة ذكر أسماء المدارس الضالعة في الأعمال الإرهابية، وتلك التي لها صلات بالجماعات المسلحة، كي تكون الأمور واضحة".
وكان الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال المتقاعد برويز مشرف قد أطلق كذلك أيام حكمه للبلاد، حملة ضد تلك المدارس تحت غطاء الإصلاحات، وطلب منها التقدم بطلبات الترخيص، وتقديم بيانات للحكومة بشأن تمويلها المالي ومموليها. إلّا أنّه تراجع، وفشلت حملته بسبب ضغوطات الأحزاب الدينية والسياسية.
تجدر الإشارة إلى أنّ المدارس الدينية تضاعفت أعدادها وانتشرت في أرجاء باكستان خلال العقود الماضية بدعم محلي ودولي، حتى بات عددها يتراوح ما بين 26 ألف مدرسة و30 ألفاً، يتخرج منها سنوياً نحو 200 ألف تلميذ وتلميذة. ومن المعروف أنّ هذه المدارس وفرت العنصر البشري للجهاد الأفغاني ضد الروس في سبعينيات القرن الماضي. كما أنّ معظم قيادات طالبان أفغانستان تخرجوا منها. وتدعي أفغانستان أيضاً أنّ تلك المدارس توفر المقاتلين لحركة طالبان أفغانستان وللجماعات المسلحة التي تعبث بأمنها، ويساهم بعضها في تدريبهم.
اقرأ أيضاً: مدارس طالبان تُرهب التعليم الحكومي