في الخامس من أبريل/ نيسان الجاري، وفي وضح النهار، اقتحم سبعة مسلحين أحد المصارف المحلية في منطقة كورنغي نمبر دو وسط مدينة كراتشي (جنوب باكستان). هؤلاء الذين كانوا يحملون أسلحة أتوماتيكية، نزعوا كاميرات المراقبة من كل زوايا المصرف وجرّدوا الحراس من أسلحتهم، من ثمّ أرغموا المسؤولين على إرشادهم إلى مكان وضع النقود.
لم تمضِ دقائق حتى تمكّن المسلّحون من أخذ كل شيء، وخرجوا من المصرف من دون أيّ شعور بالخوف، كأنهم في مدينة لا قانون فيها. وبعد مرور يوم على عملية السطو هذه، قال المسؤول الأمني في المنطقة فاروق إعوان إن العملية نفذت بالتعاون مع أحد حراس المصرف، وقد نهب الجناة سبعة ملايين روبية (نحو سبعين ألف دولار أميركي).
هكذا، أصبحت جرائم نهب المصارف جزءاً من الحياة اليومية في باكستان، خصوصاً في كراتشي. وعلى الرغم من إعلان السلطات الأمنية عن وضع خطط تهدف إلى الحد من هذه الجرائم التي يصل عددها إلى المئات يومياً، إلا أنها ما زالت تزداد. في الوقت نفسه، تعترف الأجهزة الأمنية بوجود ثغرات في الخطط الأمنية، متعهدة باتخاذ كل ما من شأنه استئصال الجريمة التي انعكست سلباً على القطاع الاقتصادي، من جذورها. ولا تقتصر هذه الجرائم على نهب الأموال، بل قد تصل إلى قتل الحراس أو إصابتهم بجروح.
عندما تحصل تلك العمليات بالتواطؤ مع حراس المصارف، غالباً ما يلجأ هؤلاء إلى الفرار بعد تنفيذها. لذلك، قررت السلطات الباكستانية نهاية العام الماضي توثيق هوية حراس المصارف لدى توظيفهم من قبل شركات خاصة، والحصول على ضمانات منهم. على الرغم من ذلك، تتواصل عمليات نهب المصارف، وقد زاد عددها خلال الأشهر الأخيرة.
يُذكر من بين الثغرات الأمنية، تعطل الأسلحة الموجودة مع الحراس. ثبت ذلك أكثر من مرة حين حاول الحراس استخدام الأسلحة لرد المجرمين من دون أن تعمل. يُضاف إلى ما سبق ضعف تدريب الحراس. وقد أثارت وسائل إعلام محلية القضية أكثر من مرة، ووعدت الحكومة بتدريب حراس المصارف من دون أن يحصل الأمر.
إلى ذلك، عندما تحصل تلك العمليات بالتواطؤ مع حراس المصارف، غالباً ما تنجح. لكن ثمّة حراساً يعملون على إفشال هذه الجرائم. هؤلاء لا يحصلون على أي دعم أو اهتمام من قبل السلطات، بل يتلقون تهديدات من قبل العصابات. لذلك، يفضل كثيرون الاستسلام. أما عن الجماعات والعصابات التي تقف وراء الجرائم، فقد كشفت تقارير أمنية أنها تتمتع بنفوذ كبير بين رجال الأمن. كذلك، تبدو أجنحة عسكرية تابعة لأحزاب سياسية ودينية متورطة في هذه الجرائم، وهي لا تتردد في فرض إتاوات وخطف الناس للحصول على فدية.
وكانت السلطات قد أشارت أخيراً إلى اكتشاف عصابتين من قبل الشرطة الباكستانية ارتكبتا جرائم نهب في كراتشي، وهما عصابة دلاور تايغر وجماعة بنغلا. وأوضحت السلطات أن العصابتين متورطتان في جرائم مختلفة، من بينها خطف مواطنين وقتلهم ونهب مصارف وغيرها، وقد تمكنت السلطات الأمنية من اعتقال ستة من أعضاء جماعة دلاور تايغر وسبعة من أعضاء جماعة بنغلا، اعترفوا بضلوعهم في جرائم نهب المصارف.
كذلك، نقلت السلطات عن أحد المعتقلين ويدعى آصف، اعترافه بتنفيذ عديد من عمليات النهب في مختلف أرجاء مدينة كراتشي. في العملية الأخيرة، عمد ورفاقه إلى قتل الحارس ونهب المصرف، قبل اعتقاله خلال عملية أمنية نفذت في منطقة كورنكي في ضواحي المدينة. أدت تلك العملية أيضاً إلى مقتل زعيم عصابة دلاور تايغر، ويدعى فاروق تشوهان ورفيقه عمران.
تجدر الإشارة إلى أن أكثر ما يصعّب مهمّة السلطات الأمنية هو ضلوع رجال الأمن فيها أو مساعدة بعضهم للعصابات. وفي الآونة الأخيرة، اعتقلت السلطات الأمنية أحد المتورطين من رجال الأمن، ويدعى فرحان. الأخير اعترف بالمشاركة في عديد من عمليات نهب المصارف مع عصابة دولار تايغر، موضحاً أن عدداً كبيراً من رجال الأمن على صلة بالعصابات.
سبق أن اعتقلت السلطات عدداً من حراس المصارف ورجال أمن كانوا على صلة بالعصابات الضالعة في جرائم مماثلة. من بين هؤلاء الضابط شوكت علي، الذي اعتقل بعدما ذكر أحد المعتقلين تورطه في نهب أحد المصارف. وخلال التحقيقات، كشف الضابط أن 70 في المائة من جرائم نهب المصارف تحصل بمساعدة رجال ومسؤولين أمنيين. وأوضح أن العصابات المتورطة في القضية تضم رجالها إلى صفوف الحراس من خلال شركات خاصة. هؤلاء الحراس ينهبون المصارف أو يساعدون العصابات، لافتاً إلى أن المتورطين في قضايا نهب المصارف يختفون عن الأنظار بعد إتمام العملية، ويظهرون مجدداً بعد دفن القضية. وليس مستبعداً أن يلوذوا بالفرار إلى إحدى الدول المجاورة.