طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" السلطات المصرية ببذل جهود جادة للعثور على عضو البرلمان السابق مصطفى النجار (38 سنة)، والمفقود منذ نحو خمسة أشهر، والكشف عن مكان وجوده.
وقال نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، مايكل بَيْج، في تقرير اليوم الثلاثاء: "يعتبر إنكار السلطات المصرية القبض على مصطفى النجار، والغياب الواضح للاهتمام بشأن تحديد مكانه، مصدر قلق بالغ نظراً إلى ممارسات النظام المصري المنهجية في إخفاء المواطنين، ونشر معلومات مغلوطة للتغطية على مصيرهم".
وأضاف: "على السلطات المصرية أن تبدأ العمل فوراً مع عائلة النجار لحل هذه القضية. يمكن للسلطات المصرية أن تتحرك بسهولة لمحاولة تحديد مكان النجار، ويعتبر عدم عثور السلطات على سياسي معروف مفقود دليلا إضافيا على تجاهلها لسلامة مواطنيها".
واختفى النجار في محافظة أسوان، جنوبي البلاد، في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، ولم تتمكن أسرته ومحاموه من الاتصال به أو اكتشاف مكان وجوده، لكنهم يخشون أنه قد يكون محتجزاً لدى قوات الأمن، رغم أن الحكومة المصرية نفت أي دور لها في اختفائه أو اعتقاله، قائلة إن "أخبار وشائعات إلقاء القبض على النجار أو إخفائه قسرياً غير صحيحة"، لكن أفراد عائلة النجار ومحاموه قالوا لـ"هيومن رايتس ووتش" إن السلطات المصرية لم تحقق بجدية في قضيته.
وطالبت المنظمة الحقوقية الدولية السلطات المصرية بإلغاء الحكم القضائي الصادر ضد النجار، بسبب انتقاده للنظام القضائي المصري وإفلات عناصر الشرطة من العقاب، على خلفية قوله في جلسة برلمانية عام 2012، إن "القضاء فشل في مساءلة قوات الأمن عن قتل المتظاهرين المسالمين إبان ثورة يناير 2011".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، قضت محكمة جنائية بسجن النجار، و20 شخصاً آخرين، أبرزهم الرئيس السابق محمد مرسي، بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وبغرامة مليون جنيه (57300 دولار تقريباً) بتهمة "إهانة القضاء"، في انتهاك واضح لنصوص الدستور والقانون المصري التي تمنح عضو البرلمان حصانة في إبداء رأيه.
وقالت مذكرة كتبها قضاة التحقيق، وراجعتها "هيومن رايتس ووتش"، إن جميع المدعى عليهم حوكموا بسبب تعبيرهم عن آراء انتقدوا فيها النظام القضائي، سواء في مجلس الشعب أو من خلال وسائل الإعلام، في حين شددت المنظمة على ضرورة إسقاط هذه التهم، وإلغاء أحكامها.
وقال أحد أفراد أسرة النجار للمنظمة إن زوجته شيماء عفيفي، تحدثت معه للمرة الأخيرة بعد ظهر يوم 27 سبتمبر/ أيلول 2018، مشيرة إلى تلقيها مكالمة هاتفية على رقم منزلها الخاص من متصل مجهول، في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أخبرها فيها بأن زوجها محتجز لدى الشرطة في معسكر الشلال التابع لقوات الأمن المركزي في أسوان.
وأفاد اثنان من معارف النجار لـ"هيومن رايتس ووتش"، بأنه سعى للاختباء قبل أشهر من صدور الحكم ضده، خوفاً من اعتقاله تعسفياً، لكنه حافظ على زيارات منتظمة لأمه وأطفاله الثلاثة، وفي يوم صدور الحكم في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018، طلب محامي النجار، نجاد البرعي، من المحكمة أن تحقق في قضية اختفائه، واحتمال تعرضه للاعتقال في أسوان.
وقدم مصطفى الحسن، وهو محام يعمل في أسوان، والذي استعان به أحد أفراد أسرة النجار لمعرفة مكانه، نسخاً إلى "هيومن رايتس ووتش" من استفسارين أرسلتهما العائلة في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 إلى النيابة العامة في أسوان، وإلى النيابة العامة في القاهرة، لطلب رد رسمي حول مكان وجود النجار، وما إذا كانت الحكومة تحتجزه، وأسباب الاعتقال.
وطلب الحسن من السلطات تتبع موقع هاتف النجار، لكن "السلطات لم تقم بأي أمر على الإطلاق بخصوص هذه الاستفسارات"، كما قال للمنظمة الحقوقية، مستطرداً إن "قوات الأمن - على ما يبدو - هددت لاحقاً أحد مصادره الذي رغب في الإفصاح عن معلومات تخص مكان النجار. معسكر الشلال بمثابة مركز احتجاز غير قانوني للمعارضين السياسيين، مثل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، والناشطين من سكان النوبة الأصليين منذ عام 2013".
وسبق أن نفت الهيئة العامة للاستعلامات، وهي منظمة إعلامية رسمية تتبع للرئاسة المصرية، احتجاز النجار، أو علم السلطات بمكانه، مدعية أنه "لا يزال هارباً بكامل إرادته من تنفيذ الحكم القضائي الصادر بشأنه، ولا صحة مطلقاً لأي شائعات حول اختفائه قسرياً، على ضوء نفي الجهات المختصة أن يكون قد ألقي القبض عليه من الأجهزة الأمنية، أو أنه قد سلم نفسه إليها".
وقال الحسن إن "كثيرين ممن أُبلِغ عن اختفائهم قسراً في أسوان عُثر عليهم في ما بعد محتجزين في معسكر الشلال"، مشيراً إلى أن النيابة المصرية استجوبت المحتجزين في المعسكر أحياناً.
إلى ذلك، قالت شقيقة النجار الصغرى، إيمان، إن شقيقها يعاني من مرض الربو، ويلزمه علاج ورعاية طبية منتظمة، ما يزيد من قلق أسرته بشأن سلامته. بينما قال أحد أفراد الأسرة، الذي تلقى معلومات من مصادر أخرى، إن النجار ربما نُقل إلى مبنى جهاز الأمن الوطني في العاصمة القاهرة بعد أسابيع قليلة من آخر مرة سمع فيها عنه.
ووثّقت المنظمة حالات عديدة قامت فيها قوات الأمن المصرية، وخاصة جهاز الأمن الوطني بوزارة الداخلية، بإخفاء الأشخاص قسراً، وإنكار احتجازهم.
وحسب الحملة المصرية المستقلة "أوقفوا الاختفاء القسري"، فإن السلطات أخفت ما لا يقل عن 1530 شخصا منذ يوليو/ تموز 2013 إلى أغسطس/ آب 2018، كما تلاحق السلطات محامين ونشطاء يدعمون الأشخاص الذين اختفوا قسراً، وتعمد إلى تخويفهم ومقاضاتهم.
والنجار هو طبيب أسنان، وناشط سياسي، وتعرض للاعتقال أكثر من مرة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك لنشاطه السياسي، حيث ألقي القبض عليه في يناير/كانون الثاني 2010 عقب زيارة وفد من المدونين والنشطاء للعزاء في ضحايا مذبحة نجح حمادي من الأقباط، كما تم اعتقاله مساء يوم 25 يناير 2011 بعد فض الاعتصام بميدان التحرير بوسط القاهرة وإصابته، وقد أعلن اعتزال العمل بالسياسة في أعقاب الانقلاب العسكري في 2013.