يبدو أنّ لأزمة كورونا حسناتها كذلك، ففي العراق يُسجَّل اليوم تراجع كبير في النزاعات العشائرية والقبلية بمحافظات مختلفة، ويعود ذلك إلى الانتشار الأمني والعسكري الكثيف في شوارع المدن والقرى في عموم البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فقد دفع حظر التجوّل الذي تفرضه السلطات العراقية منذ نحو شهر، إلى مراجعة أزمات كثيرة قائمة على أسس ثأرٍ قديم أو مشكلة بشأن مياه مخصصة للري في أراضٍ زراعية وغيرهما، وهو ما منح بالتالي فرصاً كثيرة للصلح بين المتخاصمين في الوقت الحالي، بحسب ما تفيد به مصادر في مدن جنوب العراق.
وتبدو الأوضاع الأمنية هادئة، لا سيّما في محافظات الجنوب، فمدنها لم تشهد أيّ نزاعٍ عشائري منذ بدء انتشار فيروس كورونا الجديد في البلاد. والأمر يُسجّل خصوصاً في محافظة البصرة التي تكثر فيها الأسلحة الخارجة عن سلطة الدولة، وهي بمعظمها في أيدي العشائر العربية والفصائل المسلّحة، وهو ما يصفه مراقبون بالخطر الأوّل المحدق بالمحافظة. في السياق، يقول المسؤول المحلي في البصرة عامر الوائلي لـ"العربي الجديد" إنّ "الخلافات والنزاعات تراجعت في محافظات الجنوب كثيراً، لكنّ التراجع ليس بسبب كورونا إنّما على خلفيّة تظاهرات تشرين التي وحّدت قبائل كثيرة في مقابل هدف واحد وهو دعم المحتجين وحمايتهم". يضيف أنّ "ثمّة شيوخ عشائر خضعوا لقرارات الدولة، لا سيّما بعد تجريم بعض العادات القبلية في البلاد، منها الدكّة العشائرية، ناهيك بأنّ نزاعات عشائرية كثيرة هي حماقات من قبل بعض الأشخاص القبليّين؛ ففي البصرة مثلاً وقعت مجازر كبيرة راح ضحيّتها عشرات المواطنين بسبب خلافات تتعلق بالماشية والدجاج وأخرى أسرية وسوء تفاهم بين الجيران وما إلى ذلك".
وكان العراق في وقتٍ سابق قد عدّ "الدكّات العشائرية من الجرائم الإرهابية"، مشدداً على "ضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم"، بحسب ما جاء في بيان لمجلس القضاء الأعلى في البلاد. وأوضح أنّ "المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب الذي أُقرّ في عام 2005 تنصّ على أنّ التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أياً كانت بواعثه، يُعَدّ من الأفعال الإرهابية".
والدكّة العشائرية تعني إقدام مسلّحين ينتمون إلى قبيلة معيّنة على تهديد أسرة تنتمي إلى قبيلة ثانية في بيتها، فتقع الدكّة من خلال عملية إطلاق نار بمختلف الأسلحة بما فيها الثقيلة أو إلقاء قنابل يدوية أحياناً على منزل الجهة المستهدَفة، كتحذير شديد اللهجة بهدف دفعها إلى التفاوض لتسوية الخلاف. وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدَف، فإنّ الأمور قد تتفاقم لتؤدّي إلى وقوع ضحايا من الطرفَين.
من جهته، يقرّ علي البدري وهو من وجهاء مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار لـ"العربي الجديد، بأنّ "الخلافات والنزاعات العشائرية تقع بمعظمها في أجواء مشحونة بالغضب والعواطف من دون احتكام إلى العقل والنصوص الدينية والقانونية، ويتسبّب فيها بعض الجهلة الذين يحسبون على العشائر العربية الأصيلة. ومنذ فترة تعمل العشائر في الجنوب على تنظيف صفوفها من الخارجين عن القانون"، موضحاً أنّ "ثمّة مشاكل كثيرة عالقة بين العشائر وأبناء العمومة في الناصرية ومدن أخرى تمّ حلّها خلال الأسابيع الماضية، لا سيّما بعد الهدوء الإجباري الذي فرضته الحكومة وقرار حظر التجوّل الذي ساعد على التفكير في أهميّة الصلح. وقد تمّ ذلك بالفعل". ويؤكد البدري أنّ "شيوخ عشائر في محافظات الناصرية والبصرة وميسان والمثنى وكربلاء والنجف وبابل وواسط، جنوبي البلاد، اتفقوا في ما بينهم على دعم القوات الأمنية والعوائل الفقيرة. وتبدو هذه الجهود كأنّها استكمال للمبادرات التي قامت بها العشائر لدعم المتظاهرين".
ومن محافظة ديالى، يقول عبد الله الفهد وهو مدير "تنسيقية عشائر ديالى" لـ"العربي الجديد"، إنّ "العشائر العربية وشيوخها أعلنوا في أوقات متفرّقة أنّهم براء من الهجمات المسلحة التي تشنّها عناصر تدّعي أنّها تابعة لعشائر عربية أصيلة وتهدّد أمن المواطنين وأرواحهم، وهذه الأفعال لا تمثّل الأعراف التي تتبناها العشائر العراقية في التعامل مع المسيء والمخطئ، وبالتالي لا يمكن تصنيف النزاعات بأنها عشائرية بل هي لعصابات لا علاقة لها بالعشائر". يضيف الفهد أنّ "كورونا وغيرها من الأزمات التي يشهدها العراق تساهم في بروز الدور المهمّ للعشائر العراقية، من خلال جمع التبرّعات والمساهمة في توفير احتياجات ضرورية للمعوزين". ويشير إلى أنّه "في الأسابيع الأخيرة تكفّلت عشائر عراقية كثيرة بمساعدة السلطات على تطبيق قرار حظر التجوّل، ولم نسمع قطّ أنّ عشيرة ما تحدّت الدولة. وهذا يعني أنّ شيوخ القبائل على قدر عالٍ من الوعي ويخضعون للقانون الذي يخضع له الجميع".