انتشرت مراكز محو الأمية في مختلف المحافظات العراقية بشكل لافت للنظر، في الآونة الأخيرة، ما يؤشر إلى ارتفاع نسبة غير المتعلمين في البلاد، وهو ما تؤكده الجهات الرسمية المختصة ومنظمة اليونسكو.
وتقدّر منظمات محلية عراقية، عدد الأميين ممن لا يجيدون القراءة والكتابة بأكثر من 6 ملايين شخص، بواقع ربع الشعب العراقي، بينما يذهب مراقبون إلى أن العدد أكبر من هذا بكثير، خاصة في مناطق الجنوب.
وتشير أبحاث وتقارير إلى أن مخلفات الحروب تسببت في رفع نسبة الأمية في البلاد. ويوضح الباحث في الشأن التربوي، عماد الزيرجاوي، أن العراق بعد خمسة أعوام من انطلاق الحرب مع إيران (1980-1988)، بدأ يشهد تراجعاً في نسبة المتعلمين.
ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "الحاجة إلى جنود في المعارك دفعت الحكومة إلى فرض تجنيد مدنيين في صفوف الجيش، وبالتالي بقاء عائلات من دون معيل بعد مقتل أو أسر أو فقدان معيلها، ما حتم على الكثير من الأسر زج أبنائهم الصغار في سوق العمل وعدم الاهتمام بالدراسة".
ويوضح المتحدث أثر حرب الخليج التي نتجت عن غزو العراق للكويت عام 1990، وما نتج عنها من حصار اقتصادي دمّر العراق، وتسبب في زيادة نسبة الأميين، إذ مرّ العراقيون بمرحلة صعبة اتسمت بانتشار الفقر والبطالة، ما اضطر العراقيين إلى البحث عن فرص عمل للعيش، كان من بينها الاعتماد على الأبناء.
وبحسب الزيرجاوي، فإن غزو البلاد عام 2003 من قبل قوات التحالف الدولي، وإسقاط نظام الحكم السابق الذي كان يقوده الرئيس الراحل صدام حسين، كان له الأثر الأكبر في رفع نسبة الأمية، وانتشار المجموعات المسلحة، وسيطرة التنظيمات الإرهابية، كالقاعدة وداعش، ما نجم عنه من مقتل وتشريد وهجرة الملايين، وعدم التحاق عدد كبير من الأطفال بمقاعد الدراسة.
وكان وزير التربية، محمد إقبال الصيدلي، أعلن، في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، افتتاح أكثر من 5 آلاف مركز لمحو الأمية في جميع المحافظات العراقية، وتخريج أكثر من مليون دارس.
وبيّن أن "الوزارة بدأت في تنفيذ الحملة الوطنية الكبرى للقضاء على الأمية، وقطعت فيها أشواطا مهمة ومتميزة"، موضحاً أنه "تم افتتاح أكثر من 5 آلاف مركز لمحو الأمية في جميع المحافظات العراقية، وتم تخريج أكثر من مليون دارس من مرحلة الأساس".
كما أشار إلى أن الوزارة أطلقت ضمن الحملة مشروع القضاء على الأمية في المؤسسات الحكومية المختلفة، إذ تم فتح أكثر من 180 مركزا، وتخريج أكثر من 69 ألف موظف لجميع الدوائر.
ويحاول الكثيرون اللحاق بركب التعليم، واستكمال دراستهم وصولاً إلى الجامعة، أملاً في أن يعادلوا أقرانهم الذين استمروا في الدراسة.
وفي السياق، يقول شهاب صبار (22 عاماً)، لـ"العربي الجديد" إنه نجح بتفوق في دراسته بأحد مراكز محو الأمية قبل عامين، وينوي استكمال تعليمه الثانوي عبر الامتحانات الخارجية، ويتابع "أدرس بجد لكي أنجح، لقد خسرت سنوات من عمري في العمل رغماً عني، والآن أنا أعمل وأدرس. حلمي أن أنال شهادة جامعية".
كثيرون مثل شهاب يحدوهم طموح كبير في التخرج من مراكز مكافحة الأمية ومواصلة تعليمهم، من بينهم مها ضياء (18 عاماً)، التي تقول إنها فقدت والدها الذي قتل على يد القوات الأميركية عام 2014، واضطرت عائلتها إلى الانتقال إلى قرية بعيدة في الأطراف الحدودية لمدينة الأنبار، غربي البلاد، ولم تلتحق بالمدرسة وبقيت تعمل في رعي الأغنام. وبعد سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على نحو ثلث مساحة البلاد في 2014، هربت عائلتها إلى بغداد.
وتشير مها، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أنها التحقت، العام الماضي، بمركز لمحو الأمية، ونجحت بتفوق، وستكمل دراستها، "قررت أن أتحدى نفسي وأواصل دراستي. رسمت هدفاً وسأحققه. ربما أصبح يوماً سياسية معروفة".
من جهتها، كشفت الهيئة العليا للجهاز التنفيذي لمحو الأمية، عن تخريج نحو 1.5 مليون دارس منذ بدء حملتها عام 2012 وحتى الآن، داعية إلى استثمار مواهب الدارسات الأميات في المراكز المجتمعية، وتوفير فرص عمل لهن في المعامل الحكومية والأهلية.
وقال المتحدث الرسمي للهيئة، مؤيد العبيدي، في تصريح صحافي، إن الهيئة قدمت دعما للدارسين الأميين من خلال افتتاح مراكز مجتمعية، تهدف إلى تعليمهم المهن والحرف لتنمية مهاراتهم بعد محو أميتهم في مراكز محو الأمية المختلفة.
نهى شاكر (27 عاماً)، قالت لـ"العربي الجديد" إنه "على الرغم من عدم توفير الإمكانيات الكافية لتعليم المتدرب على المهن، بعد إنهائه فترة تعلم القراءة والكتابة، لكن الدورات تفتح المجال لتعلم أساسيات العديد من المهن، التي تتيح لنا فرصة عمل. بالنسبة لي، تدربت على الحلاقة، ومنذ عام أعمل في هذه المهنة".
وكانت وزارة التربية قد أطلقت في عام 2012، الحملة الوطنية لمحو الأمية، ودعت المواطنين إلى التسجيل في مراكزها المختلفة في محافظات البلاد، للقضاء على الأمية.