توضعُ أكوام الثياب بعشوائية على ألواح خشبية في سوق "ابن خلدون"، أحد أشهر أسواق الملابس المستعملة في تونس، والتي تُعرف بـ "الفريب". يتوافد إليه يومياً الكثير من المواطنين من مختلف الطبقات الاجتماعية. في هذا المكان، يلتقي الأغنياء والفقراء حول هدف واحد: اقتناء أجود الملابس بأسعار زهيدة.
تقول فاطمة التي لا تقصد غير هذا السوق إنها: "تجد كل ما تحتاجه هنا، وخصوصاً السلع الأجنبية والماركات العالمية بأسعارٍ مقبولة تصل إلى ربع ثمنها الأصلي". من جهته، يشير منير زمالي، وهو أب لثلاثة أطفال، أن "غلاء المعيشة يدفعه إلى شراء تلك المستعملة لأنها تُباع بأسعار مناسبة"، مشيراً إلى أنه "لا يبحث عن الموضة أو الماركات العالمية. يهمه فقط تأمين احتياجات أولاده ضمن راتبه الذي لا يتجاوز 400 دينار".
الشباب أيضاً يقصدون السوق. يبحث كل منهم عن "الماركة" التي تعجبه. يسبّب شراء ثياب مستعملة إحراجاً للبعض، حتى أنهم لا يخبرون أصدقاءهم بذلك. وفي السياق، توضح فتاة رفضت الكشف عن اسمها أن "الثياب المحلية لا تواكب الموضة دائماً. في المقابل، أعجز عن شراء تلك المستوردة لأن أسعارها مرتفعة جداً. لذلك، ألجأ إلى هذه الأسواق".
لكن الإحراج لم يحد من إقبال الناس الكثيف على هذه الأسواق، وخصوصاً أنها تحتوي على جميع احتياجات الناس من ملابس وأحذية لمختلف الأعمار. ويُعدّ سوق "الحفصية" أحد أكبر الأسواق في العاصمة أيضاً.
كان أكرم(25 عاماً)، وهو طالب في كلية الحقوق، يبحث بين السراويل المعروضة عن ماركته المفضلة. يقول إن "الفريب هو ملاذه لمواكبة الموضة وخصوصاً أن ميزانيته محدودة". ويضيف أنه "مضطر إلى مجاراة زملائه في الجامعة، لكن ضمن إمكاناته"، لافتاً إلى أنه "يشتري معظم ملابسه من سوق الحفصية وابن خلدون". ويعلق: "نحن الشباب نعشق المظاهر".
في المقابل، يقول صاحب أحد المحال عبد الرزاق الحمروني إن "معظم زبائنه من ميسوري الحال". ويضيف: "تجذبهم جودة الملابس التي لا يجدونها في أفخر المحال التجارية. حتى إن بعضهم يطلبون مني حجز بعض الماركات وعدم عرضها في المحل ليفوزوا بها قبل غيرهم".
يمثّل قطاع بيع الملابس المستعملة مورد رزق لحوالى مئة ألف عائلة. ويقول أحد أصحاب هذه المحال شكري طاهر إن "غالبية تجار السوق الحرّة في العاصمة يقتنون بضائعهم من هذه المحال التي تبيع السلع بالجملة". من جهته، يبيّن زميله كريم ساسي إنه "لا يلجأ إلى الفريب محدودو الدخل فقط. فالكثير من الناس يُقبلون على هذه الأسواق لشراء الملابس المستوردة بأسعار معقولة، وإن كانت مستعملة".
وتجدر الإشارة إلى أن "أكثر من 80 في المائة من التونسيين يقصدون الأسواق المخصصة لبيع الملابس المستعملة".
شركات التوريد
في السياق، يقول رئيس الغرفة الوطنية لتوريد وتصدير الملابس المستعملة فتحي البزراطي إن "هناك حوالى 47 شركة تنشط في مجال توريد وتصنيع الملابس المستعملة، إضافة إلى ثلاث شركات تصدّر كل منتجاتها إلى الخارج". ويضيف أن "هذه المستودعات توزع بضاعتها على 500 بائع جملة".
ويسمح قانون عام 1992 المنظم للمهنة لأصحاب المستودعات باستيراد عشرة آلاف و500 طن من الملابس المستعملة فقط، في حين تقدر الحاجة بـ 27 ألف طن سنوياً. ويشرح البزراطي أن "الشركات تستورد الكيلوغرام الواحد من الملابس بحوالى 140 مليون دينار سنوياً من الولايات المتحدة وأوروبا".