أصبح مجلس الدولة المصري أول جهة قضائية تشق عصا طاعة وزير العدل، أحمد الزند، بعدما وجّه الأخير انتقادات لاذعة للمجلس، خلال حوار تليفزيوني مؤخراً، بسبب رفض قسم التشريع بمجلس الدولة مشروع قانون يجيز للمحاكم الجنائية الاستغناء عن سماع الشهود، بحجة إسراع وتيرة التقاضي.
وأصدر مجلس الدولة بياناً حاداً في لغته، حاسماً في عباراته، يتهم فيه الزند بـ"التدخل الصارخ في شؤون إحدى الجهات القضائية"، وذكر فيه أن "هذه التدخلات جاءت ممن يفترض فيه أن يكون أحرص الناس على استقلال الجهات والهيئات القضائية"، قاصداً بذلك الزند.
وجاء في البيان الممهور بشعار المجلس الخاص الذي يتولى إدارة مجلس الدولة والمكون من أقدم 7 قضاة فيه، أن "المجلس يرفض بوجه قاطع مخالفة أحكام الدستور، بعدم تمكين المتهم من الاستماع للشهود الذين يرى في شهادتهم منجاة له من الإدانة"، مؤكداً أنه "لا يجوز للمشرّع أن يتجاهل المبادئ المستقرة في شأن مبادئ العدالة والمحاكمة المنصفة".
وأشار المجلس إلى أن تصريحات الزند "تعبر عن عدم إحاطته بصلاحيات واختصاصات وسلطات مجلس الدولة الدستورية، التي نصت عليها المادة 190 من الدستور، ومن بينها اختصاصه بمراجعة مشروعات القوانين".
يذكر أن مجلس الدولة رفض مشروع قانون الاستغناء عن الشهود مرتين، الأولى في مارس/آذار الماضي، والثانية في يناير/كانون الثاني المنصرم، ما يدل على إصرار الحكومة على تمريره بالمخالفة للدستور، وهو ما وصفه المجلس في بيانه بأنه "لا يبقى أمام الرأي العام سوى استدعاء المسؤولية السياسية لتبرير هذا التجاوز".
وقال نص البيان، الذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه: "اطلع المجلس الخاص بمجلس الدولة على تصريحات المستشار أحمد الزند، وزير العدل، في حواره الخاص مع الإعلامي أحمد موسى، فى برنامج "على مسؤوليتي"، على قناة صدى البلد، مساء الأربعاء 27 يناير/كانون الثاني، وذلك في معرض التعليق على ما أبداه قسم التشريع بمجلس الدولة من ملاحظات بشأن التعديلات الواردة على قانون الإجراءات الجنائية لجعل أمر الاستماع للشهود جوازيا لمحكمة الموضوع".
"وإذ صادفت تلك التصريحات انزعاجًا شديدًا لدى أعضاء مجلس الدولة بحسبانها تمثل تدخلاً صارخاً فى أعمال إحدى الجهات القضائية وتُنبئ بذاتها عن عدم الإحاطة بما وُسّد له من استقلال وتعيين دقيق لاختصاصاته طبقاً لما نصت عليه المادة (190) من الدستور؛ لذا ارتأى المجلس ضرورة التدخل باستعمال حق الرد، وذلك بإيضاح الحقائق القانونية الآتية:
أولاً: أن المادة (190) من الدستور تنص على أن (مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية، ......، ومراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية،....). ومؤدى ذلك أن قسم التشريع لا يُجري "مراجعة الصياغة" وحدها، وإنما يمتد اختصاصه لإجراء مراجعة مشروعات القوانين على ضوء أحكام الدستور والقوانين ذات الصلة، كمرحلة أولى تسبق المرحلة المتممة لعملية المراجعة، وهي ضبط الصياغة التشريعية"، بحسب البيان.
وتابع: "ثانياً: أنه إذا كان من المُسلَّم به أن الغاية من التشريع أو الباعث عليه مما يستقل به المشرّع، إلا أن سلطة المشرع التقديرية في هذا الشأن تحددها المقتضيات الدستورية، فلا يسارع في إعداد مشروع قانون لم يقم بشأنه موازنة دقيقة بين أحكامه والمبادئ المستقَر عليها دستورياً، خاصة إذا اتصل الأمر بمجال متطلبات المحاكمة العادلة والمنصفة".
"كما لا يسوغ التعجيل باستصدار نص قانوني تحيط به شبهات جدية بعدم الدستورية، إذا كان بالإمكان تجنب تلك الشبهات برد النصوص محل المراجعة إلى دائرة الشرعية الدستورية، وهي ضمانة مستحدثة اختص الدستور مجلسَ الدولة بتحقيقها، فيمد يد العون للسلطة القائمة على إعداد مشروعات القوانين وإقرارها، فإن أخذت بما خلصت إليه مراجعته اعتصمت بأحكام الدستور، وإن هى أغفلت ملاحظاته غدا التشريع مزعزعاً فى استقراره ومنبئاً عن رغبة من أعده فى تجاوز أحكام الدستور وإهدار ضماناته، ومن ثم فلا يبقى أمام الرأي العام سوى استدعاء المسؤولية السياسية لتبرير هذا التجاوز"، على حد وصف البيان.
وأضاف: "ثالثاً: وبشأن ما تضمنته تصريحات السيد المستشار وزير العدل، من تعليق على ملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة على مشروع قانون بتعديل قانون الإجراءات الجنائية بشأن سماع الشهود، فإنه فضلاً عن أن تلك التصريحات تنطوي على تدخل غير مبرر في أعمال إحدى الجهات القضائية بما ينال من استقلالها المصون دستورياً- على الرغم من أنها صدرت ممن يفترض أنه الأحرص على صيانة استقلال الجهات والهيئات القضائية- فإنه مما لا شك فيه أن هذه التصريحات أغفلت الواقع الثابت بمكاتبات قسم التشريع الذي رفض بوجه قاطع مخالفة أحكام الدستور، بعدم تمكين المتهم من الاستماع للشهود الذين يرى في شهادتهم منجاة له من الإدانة، ولا يغير من هذا المبدأ القول بأن هذا الأمر يخضع لتقدير محكمة الموضوع، ذلك أن التعديلات المشار إليها جعلت التقدير في هذا الشأن بلا معقب عليه من محكمة الطعن، فيتحصن تقدير محكمة الموضوع في هذا الشأن من أي نقض، وهو ما يتنافى مع كافة المبادئ المستقرة قضائيا ودستوريا فى شأن المحاكمة الجنائية المنصفة".
"وأخيراً ينوه مجلس الدولة إلى أن استدعاء حقه في الرد ما كان إلا وضعا للأمور في نصابها، وحتى لا يتخذ من جهود قسم التشريع وقراراته المستمدة من صحيح تفسير أحكام الدستور والقوانين والاتفاقيات الدولية تكئة لدفع المسؤولية السياسية، أو إيهام الرأي العام بآراء تتجاهل المبادئ المستقرة في شأن مبادئ العدالة والمحاكمة المنصفة".