عادة ما يفرح الفلّاحون في الجزائر بقدوم فصل الشتاء وتساقط الأمطار، لكن تتجدد هواجس الكثير من العائلات التي تقيم في المناطق الريفية والجبلية بسبب أزمة قوارير الغاز، وخصوصاً مع قطع الطرقات بفعل الثلوج والعزلة التي تدفع العائلات في الريف للعودة مجدداً إلى استعمال الحطب للوقاية من البرد.
ولم تتحقق تعهدات الشركة الوطنية لتسويق وتوزيع المنتجات البترولية، ومفادها أن الجزائريّين لن يعرفوا ندرة في قوارير الغاز هذا الشتاء. وبعد أسابيع على بدء فصل الشتاء وتساقط الثلوج، تجدّدت معاناة الجزائريين في القرى والأرياف والمناطق الداخلية بسبب ندرة الغاز، وبدأت رحلة البحث عن قوارير لاستعمالها للتدفئة والطبخ. وقبل أيام، وجّه سكان قرى وبلدات جبلية في منطقة سكيكدة شرق الجزائر نداءات إلى الحكومة والمسؤولين، بهدف وضع حدّ لمعاناتهم المتفاقمة بسبب ندرة التموّن بقوارير الغاز، على الرغم من موجة البرد والعاصفة الثلجية.
وفي بلدة أقمون في ولاية بجاية شرق الجزائر، يتجمع المواطنون في طوابير منذ الصباح الباكر في الساحة المركزية، في انتظار وصول الشاحنة المحملة بقوارير غاز البوتان. ولا يعرف أحد موعد وصولها إلى القرية الصغيرة، وخصوصاً مع إغلاق الطرقات بفعل تساقط الأمطار والثلوج، ما يعوق حركة سير المركبات الثقيلة. وعلى الرغم من الوعود التي حصل عليها سكان هذه القرية من السلطات، وهي إيصال الغاز الطبيعي إلى البيوت، لم يتحقق لهم ذلك حتى الآن.
"دفعتنا هذه الأزمة للعودة إلى الحطب. نحتطب من الغابة القريبة بهدف التدفئة في البيت والطهو أحياناً، ما من حلول أخرى". هذا ما يقوله حمزة حمية الذي يقيم في قرية تتبع بلدة وادي جر غرب الجزائر، مضيفاً لـ "العربي الجديد" أن "جمع الحطب ليس سهلاً بسبب الثلوج والأمطار التي تعوق الاحتطاب من جهة، والحاجة إلى تجفيف هذا الحطب قبل استعماله مجدداً". يضيف: "بعض العائلات تلجأ منذ سنوات إلى تخزين الفحم في الصيف لاستخدامه في ظروف مناخية قاسية تمنع السكان من الخروج من البيت".
ولا تقتصر الأزمة على مناطق الشمال، إذ يؤدي تساقط الثلوج إلى إغلاق الطرقات، بل تمتد إلى مناطق الجنوب التي تعدّ المصدر الرئيسي للغاز في الجزائر. في منطقة تيمياوين في ولاية تمنراست، يعاني السكان منذ أسابيع من مشكلة التمون بقوارير الغاز، ويضطرون إلى البقاء ساعات في طوابير طويلة، من أجل الحصول على قارورة واحدة للطهو. ويقول مختار مهنا أحد سكان تيمياوين، لـ "العربي الجديد"، إن السكان يعانون من هذه المشكلة كل فترة، وخصوصاً في فصل الشتاء. "نضطر إلى انتظار وصول شاحنة الغاز إلى المدينة، ما يؤدي إلى حصول تدافع بين الناس للحصول على الغاز، مع أن مناطق الجنوب قريبة جداً لمصدر الغاز، ويمكن للسكان الاستفادة من ذلك في بيوتهم بدلاً من العيش في هذا الهاجس الذي يتكرر بين الفترة والأخرى". ويشير إلى أن "الغاز يصبح مشكلة في فصل الشتاء، والكهرباء في فصل الصيف". معاناة سكان تيمياوين هي نفسها في منطقة كنتة في ولاية أدرار. هذه المنطقة المعروفة بزوايا التصوف التي تضم نقطتي بيع للغاز، يعاني سكانها منذ شهر يناير/ كانون الثاني الماضي ندرة حادّة في قوارير الغاز، علماً أن غالبية أحياء المدينة لم يتم ربطها بالغاز الطبيعي.
تحدث هذه المعاناة، على الرغم من أن الحكومة أعلنت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أنها اتخذت التدابير اللازمة لتخزين وضمان تموين المواطنين، وخصوصاً في المناطق الريفية، بقوارير الغاز. وقال وزير الطاقة مصطفى قيطوني إنه وجّه تعليمات لحسين ريزو، الرئيس المدير العام للشركة الوطنية لتسويق وتوزيع المنتجات البترولية (نفطال)، لتوفير مخزون كاف من قوارير غاز البوتان والاستعداد بشكل جيد بدءاً من شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني، واتخاذ إجراءات لتخزين هذه المادّة في البلدات النائية، ولا سيما تلك الموجودة في ولايات الهضاب العليا المعروفة بتساقط الثلوج سنوياً، وتلبية كافة الحاجات الممكنة للمواطنين خلال فترة البرد.
وتُنتج الجزائر 500 ألف قارورة غاز في اليوم. وقد يرتفع الإنتاج إلى أكثر من ذلك بثلاثة أضعاف، إلا أن ذلك لا يكفي لتأمين حاجات السكان في المدن والقرى، بسبب الاستخدامات المتعددة للغاز في الشتاء للتدفئة والطهو. زيادة الطلب على الغاز تؤدي إلى ارتفاع سعر القارورة من 1.4 دولار إلى دولارين، من دون أن تتمكن السلطات من كبح جماح المضاربين الذين يستغلّون حاجة السكان والمزارعين. والمفارقة لدى الخبراء والمتابعين، تكمن في أنّ الجزائر تعدّ من بين الدول المنتجة والمصدّرة للغاز، وتموّن من خلال أنبوبين يمرّان عبر إسبانيا وإيطاليا جزءاً هامّاً من حاجات أوروبا. فيما تعاني قرى وبلدات وحتى أحياء داخل المدن الجزائرية بسبب عدم توصيلها بشبكة الغاز الطبيعي، إضافة إلى مشكلة ندرة قوارير الغاز.