عند تقاطع طرق مزدحم بالسيارات وتحت أشعة الشمس الحارقة، يقضي الطفل محمد البالغ من العمر عشر سنوات يومه متنقلا بين السيارات المتوقفة عند الإشارة الضوئية، ويبيع لركابها علب المناديل الورقية لكسب بعض المال لعائلته الفقيرة، التي تسكن أحد أحياء مدينة الفلوجة الجنوبية.
محمد هو الابن البكر لعائلة فقيرة الحال، فقد والده خلال الحرب الأخيرة التي شهدتها مدينة الفلوجة، بعدما خطفته مليشيات "الحشد" مع مئات آخرين من الرجال عند نقطة تفتيش في منطقة الرزازة جنوب المدينة، أثناء محاولته الفرار مع عائلته من جحيم الحرب والقصف والجوع وسيطرة تنظيم "داعش" على المدينة.
ويجد الطفل محمد نفسه المعيل الوحيد لعائلته بعد خطف والده الذي لم يعرف مصيره حتى الآن. ومحمد هو واحد من آلاف الأيتام الذين تركوا مقاعد الدراسة في مدينة الفلوجة بعدما قُتل أو فُقد أو اعتُقل ذووهم في الحرب الأخيرة التي شهدتها مدينة الفلوجة، ودفعهم الفقر وسوء الأوضاع الاقتصادية وتخلي المؤسسات الحكومية العراقية، إلى العمل في الطرقات وفي البناء وورش تصليح المركبات والمعامل الصغيرة.
وأعربت منظمات إنسانية محلية عن قلقها البالغ حيال اتساع ظاهرة عمالة الأطفال في الفلوجة، بسبب الإهمال الحكومي لهم وانعدام المساعدات وجهود الإغاثة المقدمة من المنظمات الدولية والمحلية.
وقال اسماعيل المحمدي الموظف في إحدى المنظمات الإغاثية المحلية لـ"العربي الجديد" إن "أعداد الأيتام في الفلوجة تضاعفت، ولدينا في قوائمنا أكثر من 7000 يتيم وأرملة حتى الآن، وأغلبهم من عوائل فقيرة اضطروا إلى إرسال أطفالهم للعمل بسبب فقر حالهم وفقدهم للمعيل الوحيد لأسرهم".
وأضاف المحمدي أن "أعداد الأيتام الذين تركوا مقاعد الدراسة وانخرطوا في سوق العمل كبيرة جدا، والمؤسسات الحكومية عاجزة عن معالجة هذه المشكلة، لذلك نحن نعمل بجهود ذاتية ومحدودة للغاية لكفالة هؤلاء الأيتام، وتقديم مساعدات غذائية ومالية لهم لتخفيف القليل من معاناتهم اعتمادا على المساعدات الشحيحة المقدمة من المنظمات الخيرية والمحسنين".
وبينما يعمل أغلب الأطفال الأيتام في الطرقات لبيع الحاجيات الرخيصة والماء والشاي، وجد أطفال آخرون أنفسهم يمارسون أعمالا خطيرة ومرهقة بالنسبة لأعمارهم من أجل توفير لقمة العيش في مدينة مدمرة.
ويقدر عدد من اختطفتهم مليشيات "الحشد الشعبي" من مدن ومحافظات الأنبار وصلاح الدين وبغداد ونينوى وكركوك وديالى بأكثر من ستة آلاف رجل ترفض المليشيات الإفصاح عن مصيرهم، وسط معلومات متضاربة عن تواجدهم في سجون خاصة جنوب العراق، أو تصفيتهم من قبل تلك المليشيات بدوافع طائفية.
وشهدت مدينة الفلوجة وقفات احتجاج عدة لذوي المختطفين، طالبوا خلالها الحكومة العراقية بالتدخل للكشف عن مصير أبنائهم، وداعين الأمم المتحدة للتدخل.
كما طالب تحالف القوى العراقية في البرلمان العراقي الحكومة بإنهاء المعضلة الإنسانية التي يعاني منها المختطفون وذووهم، مهددا في الوقت ذاته بتدويل قضية المختطفين من أبناء المناطق السنية والذين لم يُعرف مصيرهم حتى الآن.
ودعا التحالف في بيان صحافي رئيس الوزراء حيدر العبادي للكشف عن مصير المختطفين من نقطة تفتيش الرزازة، ومن منطقة الصقلاوية شمال الفلوجة، والمختطفين من المدن الأخرى، وإعادتهم إلى ذويهم والكشف عن المتورطين بالاختطاف وتسليمهم إلى القضاء".
وتابع البيان "إننا إزاء تقاعس الحكومة عن تحمل مسؤوليتها القانونية والدستورية في حفظ أرواح ودماء مواطنيها دون تمييز، لا نجد أنفسنا إلا أمام مطالبة المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان الأممي والأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان الدولية بتحمل مسؤوليتها، والضغط على الحكومة العراقية وتشكيلاتها العسكرية للكشف عن مصير المفقودين والمختطفين من مناطق التحرير".
وردت قيادات في مليشيات "الحشد الشعبي" على مطالبات الكشف عن مصير المختطفين، إذ ذكر القيادي في الحشد الشعبي كريم النوري في تصريح صحافي أن "التحقيقات أثبتت أن من يسمون بالمختطفين خلال معارك استعادة مدنهم قتلوا خلال مشاركتهم في المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ضد القوات الأمنية العراقية والحشد الشعبي".
ورأى تحالف القوى تصريحات النوري بأنها "اتهامات باطلة ومحاولة لخلط الأوراق وتضليل الرأي العام"، مجددا دعوته لقيادات مليشيات "الحشد" بالتحلي بالمسؤولية والكشف عن مصير آلاف المختطفين السنة من أبناء الفلوجة والصقلاوية وجرف الصخر وسامراء وتكريت.