وتفرض تلك المليشيات في كل موقع تابع لها سلسلة إجراءات مشددة مثل إخلاء الشوارع ومنع المرور به، عدا عن جرد أمني للسكان الآخرين المحيطين مع تفتيش مستمر، ما يجعل السكان يفضلون هجر منازلهم على البقاء بحالة عدم الاستقرار المستمرة.
إصرار فصائل مسلحة على استغلال منازل مواطنين، أو الاستيلاء على شارع ما بشكل كلي، يعود لمواقعها الجغرافية، بحسب ما يوضح أحد المسؤولين في مدينة القائم، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إنّ الفصائل المسلحة توزع انتشارها على ضوء اتفاقات بينها لتقاسم المسؤولية الأمنية، مضيفاً أنّ "بعض المناطق لوقوعها على الحدود مع سورية تعتبرها عدة جماعات مسلحة حيوية أو استراتيجية وترفض التخلي عنها لعودة السكان إليها".
ويروي محمد العاني، وهو أحد النازحين من مجمع دور السكك في مدينة القائم معاناته لـ"العربي الجديد" قائلاً إنّه "منذ أن تحررت القائم، لم نتمكن من الوصول إلى منازلنا بسبب سيطرة عناصر يتبعون مليشيات عدة منها كتائب حزب الله، والنجباء، والعصائب، ونحن اليوم ندفع بدلات إيجار في مناطقنا ومنازلنا تم الاستيلاء عليها"، مشيراً إلى اضطراره مع نازحين آخرين إلى لقاء أحد السماسرة (الوسطاء) مع مليشيات "الحشد الشعبي" ويدعى الشيخ سعد علوش، وتسليمه طلباً بالعودة، "إلا أنّ المشكلة لم تحل حتى عند استعانتنا بالجهات الحكومية التي لم تستجب لنا".
وحذر من أنّ "الوضع الاقتصادي في المدينة مؤذٍ جداً للناس بسبب تقييد الحركة وسيطرة المليشيات على أغلب مفاصل القائم، الأمر الذي دفع الكثير من السكان المحليين إلى الإقامة في مناطق أخرى بمحافظة الأنبار".
وطالب العاني قائم مقام المدينة أحمد الدليمي بـ"التدخل الفوري والتنسيق مع فصائل الحشد المتواجدة في المنطقة، ومطالبتها بإخلاء الدور وتسليمها لأصحابها الذين يسكنون الآن بالإيجار في القائم ومناطق أخرى".
بدوره، انتقد محمد علوان وهو نازح أيضاً من منطقة دور السكك بالقائم صمت السلطات المحلية في محافظة الأنبار عن سيطرة المليشيات على منازل المواطنين ومنعهم من العودة إليها، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنه اضطر لتأجير منزل في مدينة الرمادي (مركز محافظة الأنبار) بمبلغ 500 ألف دينار (400 دولار) بسبب حرمانه من الوصول إلى منزله.
واتهم مسؤولي المحافظة وممثلي الأنبار في البرلمان بأنهم "لم يمنحوا النازحين سوى الوعود التي لم يتحقق منها شيء"، موضحاً أنّ "النزوح أثقل كواهل كثير من سكان القائم الممنوعين من العودة إلى مناطقهم دون وجود أسباب مقنعة لذلك سوى استقواء المليشيات".
عضو البرلمان العراقي عادل المحلاوي المتحدر من مدينة القائم، قال، لـ"العربي الجديد"، "لدينا آلاف النازحين ما يزالون خارج مدنهم بسبب البطاقة الأمنية، وكذلك بسبب عدم صرف الأموال التي خصصتها الحكومة المركزية للنازحين، وللأسف الشديد أكثر النازحين منازلهم مهدمة وهم يقطنون الآن في خيم"، مؤكداً أنّ بعض منازل النازحين هدمت من قبل تنظيم "داعش"، كما يسيطر "الحشد الشعبي" الآن على مناطق سكنية وأراض زراعية.
ولفت إلى وجود بعض المناطق وتحديداً في منطقة عكاشات، مطوّقة من قبل "الحشد الشعبي" الذي لا يسمح لسكانها بالدخول إليها، مشيراً إلى تدخلات أخرى من قبل فصائل "الحشد" تتمثل بعدم السماح بدخول النازحين إلى منطقة السكك. وطالب المحلاوي الحكومة بتسهيل عملية دخول الأهالي إلى مناطقهم المنكوبة.
أما نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان السابق حامد المطلك، فقد أكد في حديث لـ"العربي الجديد"، وجود كثير من النازحين الذين لا يستطيعون العودة لمناطقهم ومنازلهم وقراهم ومزارعهم ومصادر أرزاقهم بسبب سيطرة بعض المليشيات على هذه المناطق.
وتابع "من وجهة نظري ستبقى هذه المنازل في القائم والمناطق المحاذية للحدود السورية تحت سيطرة المليشيات مادامت الحكومة العراقية غير قادرة على اتخاذ القرار المسؤول، ومادامت بعض القوى السياسية والمليشيات المسلحة هي التي تتحكم بالقرار العراقي وليس الحكومة العراقية ذات السيادة"، مؤكدا أن حفظ الأمن في المناطق الحدودية هو من مهام الجيش والشرطة وقوات حرس الحدود.
وأوضح أنّ "وضع المليشيات على الشريط الحدودي هو خطر على العراقيين، وعلى سيادة العراق في ظل هذا الخصام والاحتدام بين الجانب الأميركي والإيراني، وفي كثير من المرات تتعرض هذه المناطق لضربات جوية"، مبيناً أنّ "التوتر في المناطق الحدودية تسبب بالضرر لسكانها الذين لا يستطيع عدد كبير منهم العودة إلى منازلهم".