لدى الأهالي الفلسطينيين، الذين استشهد أبناؤهم في هبّة أكتوبر/تشرين الأول، التي انطلقت بداية الشهر الجاري وما زالت مستمرة، وجعٌ آخر، قد يكون أكبر من الرحيل. يعذّبهم احتجاز جثامين أبنائهم إلى أجل غير معلوم. كثيراً ما يسألون أنفسهم عن الفائدة التي يجنيها الاحتلال من اعتقال جثمان شهيد، من دون أن يعرفوا الجواب. إلا أن الاحتلال يتلذّذ بتعذيب الفلسطينيين بهذه الطريقة.
وتحتجز سلطات الاحتلال الاسرائيلي منذ بدء هبّة نصرة القدس المحتلة ومقدساتها، والتي يرى فيها البعض بوادر انتفاضة ثالثة، أكثر من 12 جثماناً. ويحتمل أن يرتفع الرقم، في ظل استمرار الفلسطينيين في انتفاضتهم، والرد القاسي لجيش الاحتلال والمستوطنين.
في السياق، يقول أيمن العسيلي، والد الشهيدة بيان (16 عاماً)، التي سقطت برصاص جنود الاحتلال في وادي الفردوس في مدينة الخليل (جنوب الضفة الغربية المحتلة)، يوم السبت الماضي: "احتجزوا جثمان بيان. وعلى الرغم من لجوئنا إلى الصليب الأحمر والارتباط الفلسطيني ومؤسسات حقوقية عدة، إلا أنها أكدت أن الأمر متوقف على قرار الاحتلال فقط في الإفراج عن جثامين الشهداء".
وتعيشُ عائلة بيان أياماً صعبة وهي تنتظر جثمانها. كان خبر موتها صعباً عليهم. ولن يصدّق العسيلي أن ابنته رحلت قبل أن يدفنها. مع ذلك، لا أحد يعلم متى سيدفنها. أما الوالدة، فلم تُصدّق أن بيان رحلت. يبكي العسيلي بمرارة. أحياناً يصرخ: "أنا متعب. بدي بنتي. بدي ألمسها وأشوفها وأودّعها. بدي أقلها الله يسهل عليكي. بدي أعرف إذا ماتت بطلقة ولا بعشر طلقات".
تمرّ الأيام ثقيلة على عائلات الشهداء، الذين لم يدفنوا شهداءهم. لن يهدأ بالهم قبل أن يرتاح أمواتهم. فراحةُ الشهيد بالنسبة للفلسطينيين هي دفنه. ويبدو أن الاحتلال يعرف ذلك جيداً.
من جهته، يقول أحمد الفقيه وهو شقيق الشهيد عمر (من قرية قطنة شمال غرب القدس)، الذي احتجز الاحتلال جثمانه بعدما سقط برصاص جيشه عند حاجز قلنديا بين رام الله والقدس، قبل أيام: "عندما طلب الاحتلال من والدي الذهاب إلى مستشفى أبو كبير في الداخل المحتل للتعرف على جثمانه، أخبروه بأنه لن يراه بعد اليوم".
ومثل كل عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم، حفرت عائلة الفقيه قبراً لابنها الغائب. وما زالت تفتح أبوابها للعزاء كل يوم، ما دام جثمانه لم يدفن بعد.
يضيف أحمد: "لن نرتاح قبل أن ندفن عمر"، وإن كانت العائلة تعلم أن الأمر متوقف على قرار الاحتلال. يضيف: "لا نعرف متى يفرجون عنهم. أخبرتنا مجموعة من المحامين من جمعية استرداد جثامين الشهداء أنهم سيتابعون القضية، لكننا نعرف مسبقاً أن القرار بيد الاحتلال فقط".
وهذه هي المرة الثانية التي تعيش فيها عائلة الفقيه هذه المأساة. يقول أحمد: "زوج عمتي استشهد في الستينيات، وما زال جثمانه لدى الاحتلال، وقد دفن في مقابر الأرقام. حتى اليوم، ما زالت عمتي تعاني".
وتعرف عائلات الشهداء أن الاحتلال يريد تعذيبهم باحتجاز جثامين أولادهم، لكنهم صدموا عندما علموا أن هناك هدفاً آخر للاحتلال من وراء احتجاز الجثامين. يقول محمد الشرباتي، وهو خال الشهيد، طارق النتشة، الذي سقط برصاص الاحتلال قبل أيام في مدينة الخليل: "سمعنا أخباراً تشير إلى أن الاحتلال ينوي ابتزاز عائلات الشهداء، من خلال الطلب منهم دفع مبالغ مالية كبيرة في مقابل الحصول على جثامين أولادهم". مع ذلك، يرى أن "الجرح الأكبر هو رحيل الشهيد. أما احتجاز الجثمان، فهو جرح أصغر، لكنه قد يكبر يوماً بعد يوم. ولا أحد يعرف مدى صعوبة ألا تودع قريبك الذي عرفت أنه رحل".
اقرأ أيضاً: 280 طفلاً فلسطينياً في سجون الاحتلال