تتراجع تدريجياً الكثير من العادات والتقاليد التي تميز بها المجتمع العراقي عن غيره في العقود الماضية، خاصة مع اقتراب شهر رمضان.
"مسواك رمضان" أو "زهاب رمضان"، هو طقس اعتاد العراقيون القيام به قبل حلول الشهر الفضيل، إذ تبدأ الأسرة بالتسوق للشهر قبل أيام عديدة بشراء كل شيء، من اللحم إلى البقوليات مرورا بالعصائر والمقبلات والحلويات انتهاء بالملابس التي يرتدونها في هذا الشهر، فالرجل له الدشداشة والطاقية وكذلك الصبيان الذكور، والنساء لهن "النفنوف"، وهو الثوب الفضفاض وللصبايا مثله، ويطلق عليه في بعض المناطق العراقية أيضا الهاشمي ويكون خاصا بشهر رمضان دون غيره.
غير أن الحال تغيّر كثيرا، ويعزو العراقيون السبب لارتفاع الأسعار وزيادة معدلات الفقر وقلة فرص العمل، وكذلك تراجع "مظاهر الفرح وفقدان الرغبة في الاحتفال بسبب المآسي التي مرت على البلاد وعدم وجود أمل بالتغيير وفقدان أحبة لهم كانوا بينهم ويزيدون الحياة راحة".
وفي السياق، يقول حسن الشيخ لـ"العربي الجديد": "لم أتبضع لرمضان ولا أنوي القيام بذلك، نظرا لارتفاع الأسعار وكذلك لتأخير استلام راتبي الشهري، وهو حال أتقاسمه مع الكثير من العراقيين، بالإضافة إلى كون الراتب لا يكفي حتى لدفع إيجار البيت الذي يأويني وعائلتي".
ويضيف الشيخ: "الحصة التموينية لم تصلنا إلى اليوم ولم تزودنا وزارة التجارة بما يتناسب وحجم العائدات النفطية لسد رمق المواطن، فارتفاع الأسعار وتجاهل وزارة التجارة لتزويدنا بما يكفي لمتطلبات هذا الشهر الفضيل يجعلني أتساءل من خلالكم أين سيذهب الفقير وما هو الحل؟".
ويناشد المتحدث الحكومة العراقية بشأن تقف وقفة جادة وعاجلة للنظر في الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن العراقي، "حتى لا نبيع انتماءنا بسبب العوز، ونضطر للجوء إلى بلدان أخرى تحترم الإنسان".
أما هند العبيدي (32 عاما)، فتقول إنّ سفرة الإفطار تذكرها بأشخاص "كانوا معنا وفقدناهم"، وتضيف "مات أبي وابن أخي في انفجار قبل أشهر، ولا رغبة لنا بأي زهاب أو استعداد للشهر الكريم. يكفي الدعاء لهم بالرحمة وإقامة فريضة الصيام"، مؤكدة أن من لم يفجع بفقدان حبيب بهذه الحرب فإن العوز والفقر أخذ منه مأخذه".
من جهته، يقول خالد قاسم علي، وهو تاجر في سوق الشورجة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "عدم وجود سيولة نقدية في السوق لهذا العام أضعف من القدرة الشرائية للمواطن، وغابت عن شوارع بغداد زينة رمضان بعد أن كانت العوائل البغدادية تتسابق في تزيين الشوارع العامة والأزقة، لكنها إلى يومنا هذا هي بلا زينة رمضان وكأني لست في بغداد".
بدوره، يوضح طارق ياور، وهو تاجر في سوق الشورجة، أن "الإقبال على التبضع ضعيف جداً، ويمكننا ملاحظة أنه بدأ بالانخفاض منذ 15 عاما، ولأسباب كثيرة، فالمواطن معرض لضغوط نفسية كثيرة: الإرهاب والرعب ونقص في الخدمات ومشاكل جمة، حتى صار من الصعب عليه أن يحافظ على عاداته وتقاليده التي تربى عليها".
ويشير ياور إلى أن "للعراقي مزاجاً خاصاً بالطعام، وتكثر الولائم على الفطور في شهر رمضان الكريم من خلال تزاور الأقارب والأصدقاء، وحتى موائدنا اشتهرت في العالم العربي مثل أكلات (الدولمة والدليمية والسمك المسكوف والشيخ محشي والقوزي والبرياني)، لكن اليوم للأسف صارت من الذكريات".
أما سلام إبراهيم، الذي يعمل قصّابا في سوق الصدرية، فيتمنى أن "يمن الله بالخير والبركة على المواطنين خلال شهر رمضان المبارك"، ويبيّن لـ"العربي الجديد"، أن "البطالة تفاقمت ورواتب الموظفين قليلة قياساً بارتفاع الأسعار، والأشغال متوقفة عموماً".
ويضيف "قدوم شهر رمضان في فصل الصيف وبارتفاع درجات الحرارة تزداد ساعات إطفاء الكهرباء الوطنية، وهذا سبب مهم يمنع المواطن من تبضع اللحوم والأسماك والدجاج بكميات مناسبة وتخزينها في البرادات بسبب انقطاع التيار الكهربائي".