لا شك أن باريس مدينة جميلة، ولكنها مدينة متسخةٌ، كما حاولت مجلة "ماريان"، الأسبوعية، أن تشرح في عددها الأخير، فقد خصصت المجلة ملفا عن المدينة، بعنوان قاس: "وساخة، جرذان، وبقّ الفراش، وازدحام المواصلات، وجريمة..".
وباريس مدينة تعرف تناقضات، بين أحيائها الراقية والباذخة، التي يسكن فيها النخبة والمحظوظون، وأحياء أخرى تبدو، وكأنها تركت لأهلها، حيث تعشش الجريمة وتجارة المخدرات، وتعرف غيابا كبيرا للنظافة. والحقيقة أن هذا الوضع المتناقض وهذه المفارقة تشهدها غالبية المدن في فرنسا وغيرها من عواصم العالَم.
وإذا كان توصيف المجلة ليس بعيدا عن الحقيقة، إلا أنه، كما يقول جمال الغوراري، وهو مسؤول عن النظافة في بلدية باريس، فـ"البلدية واعيةٌ بهذه الحقائق، وإذا كانت لا تستطيع أن تحل جميع المشاكل والقضايا التي يتحدث عنها ملف المجلة، إذ تتطلب تضافرا في الجهود بين البلدية وبين الحكومة، كقضية المخدرات وأطفال الشوارع والعنف في الشوارع وغيرها، إلا أنه لا يمكن القول بأن البلدية لا تفعل شيئا من أجل المدينة وسكانها وسياحها".
ويذكر جمال الغوراري لـ "العربي الجديد"، أنه "سيتم وضع بضع مئات من صناديق قمامة "ذكية" تَرُصّ النفايات في المناطق التي يرتادها المواطنون بكثرة. وهي نماذج تعمل بالطاقة الشمسية وتتيح تكديس ما بين 4 إلى 6 أضعاف ما تقوم به صناديق القمامة العادية. وسيكون على عاتق هذه الصناديق تجميع 3000 طن من النفايات، يوميا".
كما أن البلدية تقوم بتوسيع تجربة كتائب "النظافة الاستعجالية"، فبعد تجربة ناجحة، منذ سنة، في شمال العاصمة، تقرر تعميم التجربة على مناطق أخرى من العاصمة، ويتعلق الأمر بتقديم جواب عن كل الحالات الطارئة المتعلقة بالنظافة.
وفيما يخص الجرذان، التي لا يوجد اتفاق بين البلدية ومختصين في دراسة ظاهرتها، حول أعدادها، إلا أنّ بيير فالغايراك، وهو مستشار مختص في مكافحة الجرذان، ومؤلف كتابَين حول الموضوع، يتحدث عما يقرب من 3 ملايين جرذ في العاصمة، ستقوم البلدية بوضع 3000 صندوق قمامة في شوارع العاصمة تكون عصيّة على هذه القوارض، وهو ما يمثل 10 في المائة من مجموع صناديق القمامة في العاصمة. إضافة إلى أن هذه الصناديق الجديدة مجهزّة بطفّايات سجائر من أجل تشجيع المدخنين على ترك أعقاب سجائرهم فيها.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالأحلام لا حدود لها. وفي هذا الإطار وافق مجلس باريس، في شهر فبراير/شباط الماضي، بالإجماع، على إنشاء "شوارع خالية من أعقاب السجائر"، وسيكون من صلاحية رؤساء بلديات باريس العشرين اختيار هذه الشوارع، منعا لأي اصصدام سياسي بين العمدة الاشتراكية، آن هيدالغو وكثير من رؤساء بلديات يمينيين.
ويتم جمع نحو 10 ملايين عقب سيجارة، يوميا، في شوارع باريس، وهو ما يكلف البلدية عبئا ماليا مرهقا.
أما فيما يخص الزحام والتلوث الذي تعرفه المدينة، حسب ما ورد في مقال مجلة "ماريان"، فيقول المسؤول في البلدية: "كيف نريد الحدّ من التلوث، إذا لم نوسّع من الشوارع المخصصة للمشاة، فقط؟ إن اقتراح عمدة باريس لوسط مدينة خال من السيارات جدير بالتشجيع، إذا أردنا الحفاظ على صحة سكان باريس..".
ويوضح الباحث جمال الحمري، أنّ باريس مقبلة على انتخابات قريبة، سنة 2020، والكثير من الساسة من كل التوجهات يريدون الفوز بإدارة العاصمة. الاشتراكية آن هيدالغو تريد تجديد ولايتها، وحركة إيمانويل ماكرون، "الجمهورية إلى الأمام" تريد عُمدةً وفيّاً لرئيس الجمهورية ومنفذا لأوامره، واليمين يريد العودة إلى البلدية، ويتذكر، بأسى، كيف أن باريس كانت تصنع رؤساء جمهورية، كما فعلت مع شيراك.
ومع اقتراب موعد الانتخابات البلدية، جاء مقال "ماريان" ليدفع كل المرشَّحين لكرسي عمدة باريس إلى تقديم اقتراحاتهم لإعادة الجمال إلى كل أحياء باريس وشوارعها والبهجة إلى سكانها وسياحها، في حال انتخابهم.