لا تتسع الغوطة لأهلها ليحيوا فيها، ولا تتّسع قبورها المحفورة مسبقاً لهم أيضاً. لا هم مرتاحون في حياتهم ولا في موتهم. المجزرة المستمرة بحقهم تُسقطهم الواحد تلو الآخر، ما دفع الناس إلى خيار المقابر الجماعية
ضاقت الحياة على المدنيين في الغوطة الشرقية، في ظلّ الحملة الهمجيّة التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه. حتّى المقابر لم تعد متوفرة، ولا يمكن دفن الضحية في قبر لوحده، فلجأ الناس في كل حي أو بلدة إلى دفن مجموعة من الضحايا من الأقارب في قبر واحد.
المدنيون يدفنون بشكل جماعي في القبور، كما قتلهم النظام بشكل جماعي، بحسب الناشط حازم الشامي لـ "العربي الجديد".
هكذا تعرّضت بلدة بيت سوى الصغيرة في الغوطة لإحدى أكبر المجازر، والتي راح ضحيتها دفعة واحدة نحو خمسين مدنياً بينهم عائلات بأكملها الثلاثاء الماضي، وما زال بعضهم تحت الأنقاض.
يشرح أبو سامر لـ "العربي الجديد" أن الأهالي لجأوا، نتيجة القصف المكثف والمستمر، إلى جمع الضحايا الذين سقطوا منذ الثلاثاء الماضي، ثم عمدوا إلى دفن معظمهم في مقابر جماعية. يضيف: "في البداية، كان يتولى أربعة أشخاص نقل الضحية من المستشفى أو مكان القصف إلى القبر. وحين لم نعد قادرين على التحرّك بسبب القصف المستمر، لجأنا إلى الدفن الجماعي".
ويستفيد المتطوّعون من خبرة أبو سامر في الدفن وفقاً للشريعة الإسلامية، إذ يسعى قدر الإمكان إلى فصل أجساد الضحايا عن بعضهم بعضاً داخل القبر الجماعي، علماً أنّ الفاصل بين الموتى هو لوح من الخشب أو الخرسانة. ويؤكّد أنهم يحاولون قدر الإمكان الدفن بأكثر الوسائل احتراماً لـ "الشهيد". ويتولّى أبو سامر، بالتعاون مع العاملين في المقبرة والدفاع المدني، لفّ جثامين الضحايا بالأكفان البيضاء، علماً أن جثامين الضحايا تختلط داخل الأكفان أحياناً، أو يستخدم أغطية عادية، كما فعل مع عدد كبير من مجهولي الهوية بعد تصويرهم. كما جُمّعت أجزاء بعض الضحايا في الكفن بعدما قطّعتها قذائف النظام السوري.
وشهد الطبيب والمسعف أحمد بقاعي على مقتل كثيرين في الغوطة، التي تفتقد لبرادات حفظ الموتى، فضلاً عن عدم وجود كهرباء لتشغيلها. منذ سنوات، توقفت البرادات عن الخدمة بسبب الحصار، ما يدفع المدنيين إلى دفن الضحايا بسرعة، وبشكل جماعي أحياناً. وفي قسم الإسعاف في مستشفى كفربطنا، كتب الطبيب 22 شهادة وفاة، تضمنت نوع الإصابة وسبب الموت واسم الأب والأم وتاريخ الميلاد وتاريخ الوفاة ومكان السكن الحالي والسابق. 99 في المائة من الشهداء يُحضرون إلى المستشفى قبل الدفن للتوثيق، بمرافقة اثنين من ذويهم. بعدها، يتكفل الأقرباء بنقل الضحية من أجل الدفن.
اقــرأ أيضاً
يصعب على الطبيب وصف المشاهد في ردهة الإسعاف. أطفال ونساء فارقوا الحياة قبل وصولهم وعلى وجوههم دماء وغبار، وذووهم ممن نجوا من القصف، وعلى أجسامهم جروح.
ويقول مصدر طبي من المستشفى إن كوادر الدفاع المدني تحاول سحب الجثث من تحت الأنقاض بهدف دفنها، مشيراً إلى خطر انتشار الأمراض نتيجة تحلّل الجثث. ويلفت إلى خطر أكبر وهو تغذي الكلاب الشاردة على جثث الضحايا، وقد كثرت حالات تعرض المدنيين للعض من الكلاب نتيجة أكلها لحم البشر.
وفي ظل عدم وجود برادات لحفظ جثامين الضحايا في المستشفى، فإن تحلل الجثث قد يكون سريعاً، ولا يمكن أن تتحمل الجثة أكثر من عشر ساعات، لتبدأ بالانتفاخ والتحلل نتيجة البكتيريا الطبيعية في جسم الإنسان. يضيف أن الجثة في الحالات الطبيعية للوفاة تبدأ بتدمير نفسها بعد مرور نصف ساعة فقط. ومع توقف الدم وارتفاع الكربون في الجسم، تبدأ عملية التحلل بشكل سريع في كافة أنحاء الجسم. وبعد ثلاث ساعات، يبدأ التحلل الأخطر في المنطقة السفلى من البطن ويحدث الانتفاخ وتنبعث الروائح. وبعد عشر ساعات، تتجمد المفاصل وتنعدم إمكانية طي الجثة.
وما زالت العديد من الجثث مدفونة تحت الأنقاض وهناك صعوبة كبيرة في التنقل، علماً أن الدفاع المدني يعمل على انتشالهم. وأمس، انتشل نحو عشرين جثة في حزة وكفربطنا، بحسب الناشط عمر خطيب. ويؤكّد أنّه في ما يتعلق بدفن الضحايا، يلجأ الناس إلى الدفن الجماعي. ومن تتاح له فرصة دفن ذويه بشكل مفرد، يتولى ذلك، علماً أن الأمر بات خطراً اليوم.
وفي بلدة بيت سوى التي شهدت مجزرة لا يمكن وصفها بكلام، أصاب صاروخ ارتجاجي من طيران النظام ملجأ يؤوي 49 مدنياً من خمس عائلات، ما أدى إلى دفن 45 شخصاً في قبر واحد.
في الغوطة، حيث انتشرت رائحة الموت في كل مكان، ودّع كثير من المدنيين أولادهم وآباءهم وذويهم، منهم من شارك في دفن أولاده ومنهم من لم يسعفه الحظ في ذلك، فنقل ولده مع مجموعة من الضحايا إلى مقابر الغوطة بعد الوداع الأخير.
اقــرأ أيضاً
هيفاء محمد ودّعت شقيقها في مستشفى بلدة حزة. تقول لـ "العربي الجديد" إن شقيقها دفن مع أبناء جيرانه في القبر نفسه. لم تتمكن من المشاركة في دفنه، فقد جمع الجيران الشهداء بعد نقلهم إلى المستشفى، وحملوهم دفعة واحدة بسيارة الدفاع المدني إلى المقبرة.
انتظرت هيفاء مع جثمان شقيقها في مستشفى حزة ساعات عدة، وحولها العديد من الأهالي والجيران، إضافة إلى ضحايا آخرين لفوا بأكفان بيضاء. وحين هدأ القصف قليلاً، حملوا الضحايا في السيارة وكان الوداع للمرة الأخيرة.
وبحسب مصدر من المجالس المحلية في الغوطة، فإنّ توثيق الدفن في هذه الظروف صعب جداً. في الأحوال العادية، يلجأ المدنيون إلى المستشفى لتوثيق معلومات الشخص قبل دفنه من قبل الطب الشرعي أو قسم الإسعاف. ويتولى الدفاع المدني التوثيق والدفن بحضور ذوي الضحية. أما بالنسبة للأشخاص المجهولين، فتلتقط الصور لهم للتعرف عليهم لاحقاً.
وتعمد فرق الدفاع المدني في الغوطة إلى حفر القبور مسبقاً في المقابر المخصصة في مختلف مدن وبلدات الغوطة، وتضع قوائم لأسماء المدفونين في القبر الجماعي. كما جهزت قبوراً كبيرة لتضم عدداً كبيراً من الجثث في حالات التصعيد والمجازر.
ضاقت الحياة على المدنيين في الغوطة الشرقية، في ظلّ الحملة الهمجيّة التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه. حتّى المقابر لم تعد متوفرة، ولا يمكن دفن الضحية في قبر لوحده، فلجأ الناس في كل حي أو بلدة إلى دفن مجموعة من الضحايا من الأقارب في قبر واحد.
المدنيون يدفنون بشكل جماعي في القبور، كما قتلهم النظام بشكل جماعي، بحسب الناشط حازم الشامي لـ "العربي الجديد".
هكذا تعرّضت بلدة بيت سوى الصغيرة في الغوطة لإحدى أكبر المجازر، والتي راح ضحيتها دفعة واحدة نحو خمسين مدنياً بينهم عائلات بأكملها الثلاثاء الماضي، وما زال بعضهم تحت الأنقاض.
يشرح أبو سامر لـ "العربي الجديد" أن الأهالي لجأوا، نتيجة القصف المكثف والمستمر، إلى جمع الضحايا الذين سقطوا منذ الثلاثاء الماضي، ثم عمدوا إلى دفن معظمهم في مقابر جماعية. يضيف: "في البداية، كان يتولى أربعة أشخاص نقل الضحية من المستشفى أو مكان القصف إلى القبر. وحين لم نعد قادرين على التحرّك بسبب القصف المستمر، لجأنا إلى الدفن الجماعي".
ويستفيد المتطوّعون من خبرة أبو سامر في الدفن وفقاً للشريعة الإسلامية، إذ يسعى قدر الإمكان إلى فصل أجساد الضحايا عن بعضهم بعضاً داخل القبر الجماعي، علماً أنّ الفاصل بين الموتى هو لوح من الخشب أو الخرسانة. ويؤكّد أنهم يحاولون قدر الإمكان الدفن بأكثر الوسائل احتراماً لـ "الشهيد". ويتولّى أبو سامر، بالتعاون مع العاملين في المقبرة والدفاع المدني، لفّ جثامين الضحايا بالأكفان البيضاء، علماً أن جثامين الضحايا تختلط داخل الأكفان أحياناً، أو يستخدم أغطية عادية، كما فعل مع عدد كبير من مجهولي الهوية بعد تصويرهم. كما جُمّعت أجزاء بعض الضحايا في الكفن بعدما قطّعتها قذائف النظام السوري.
وشهد الطبيب والمسعف أحمد بقاعي على مقتل كثيرين في الغوطة، التي تفتقد لبرادات حفظ الموتى، فضلاً عن عدم وجود كهرباء لتشغيلها. منذ سنوات، توقفت البرادات عن الخدمة بسبب الحصار، ما يدفع المدنيين إلى دفن الضحايا بسرعة، وبشكل جماعي أحياناً. وفي قسم الإسعاف في مستشفى كفربطنا، كتب الطبيب 22 شهادة وفاة، تضمنت نوع الإصابة وسبب الموت واسم الأب والأم وتاريخ الميلاد وتاريخ الوفاة ومكان السكن الحالي والسابق. 99 في المائة من الشهداء يُحضرون إلى المستشفى قبل الدفن للتوثيق، بمرافقة اثنين من ذويهم. بعدها، يتكفل الأقرباء بنقل الضحية من أجل الدفن.
يصعب على الطبيب وصف المشاهد في ردهة الإسعاف. أطفال ونساء فارقوا الحياة قبل وصولهم وعلى وجوههم دماء وغبار، وذووهم ممن نجوا من القصف، وعلى أجسامهم جروح.
ويقول مصدر طبي من المستشفى إن كوادر الدفاع المدني تحاول سحب الجثث من تحت الأنقاض بهدف دفنها، مشيراً إلى خطر انتشار الأمراض نتيجة تحلّل الجثث. ويلفت إلى خطر أكبر وهو تغذي الكلاب الشاردة على جثث الضحايا، وقد كثرت حالات تعرض المدنيين للعض من الكلاب نتيجة أكلها لحم البشر.
وفي ظل عدم وجود برادات لحفظ جثامين الضحايا في المستشفى، فإن تحلل الجثث قد يكون سريعاً، ولا يمكن أن تتحمل الجثة أكثر من عشر ساعات، لتبدأ بالانتفاخ والتحلل نتيجة البكتيريا الطبيعية في جسم الإنسان. يضيف أن الجثة في الحالات الطبيعية للوفاة تبدأ بتدمير نفسها بعد مرور نصف ساعة فقط. ومع توقف الدم وارتفاع الكربون في الجسم، تبدأ عملية التحلل بشكل سريع في كافة أنحاء الجسم. وبعد ثلاث ساعات، يبدأ التحلل الأخطر في المنطقة السفلى من البطن ويحدث الانتفاخ وتنبعث الروائح. وبعد عشر ساعات، تتجمد المفاصل وتنعدم إمكانية طي الجثة.
وما زالت العديد من الجثث مدفونة تحت الأنقاض وهناك صعوبة كبيرة في التنقل، علماً أن الدفاع المدني يعمل على انتشالهم. وأمس، انتشل نحو عشرين جثة في حزة وكفربطنا، بحسب الناشط عمر خطيب. ويؤكّد أنّه في ما يتعلق بدفن الضحايا، يلجأ الناس إلى الدفن الجماعي. ومن تتاح له فرصة دفن ذويه بشكل مفرد، يتولى ذلك، علماً أن الأمر بات خطراً اليوم.
وفي بلدة بيت سوى التي شهدت مجزرة لا يمكن وصفها بكلام، أصاب صاروخ ارتجاجي من طيران النظام ملجأ يؤوي 49 مدنياً من خمس عائلات، ما أدى إلى دفن 45 شخصاً في قبر واحد.
في الغوطة، حيث انتشرت رائحة الموت في كل مكان، ودّع كثير من المدنيين أولادهم وآباءهم وذويهم، منهم من شارك في دفن أولاده ومنهم من لم يسعفه الحظ في ذلك، فنقل ولده مع مجموعة من الضحايا إلى مقابر الغوطة بعد الوداع الأخير.
هيفاء محمد ودّعت شقيقها في مستشفى بلدة حزة. تقول لـ "العربي الجديد" إن شقيقها دفن مع أبناء جيرانه في القبر نفسه. لم تتمكن من المشاركة في دفنه، فقد جمع الجيران الشهداء بعد نقلهم إلى المستشفى، وحملوهم دفعة واحدة بسيارة الدفاع المدني إلى المقبرة.
انتظرت هيفاء مع جثمان شقيقها في مستشفى حزة ساعات عدة، وحولها العديد من الأهالي والجيران، إضافة إلى ضحايا آخرين لفوا بأكفان بيضاء. وحين هدأ القصف قليلاً، حملوا الضحايا في السيارة وكان الوداع للمرة الأخيرة.
وبحسب مصدر من المجالس المحلية في الغوطة، فإنّ توثيق الدفن في هذه الظروف صعب جداً. في الأحوال العادية، يلجأ المدنيون إلى المستشفى لتوثيق معلومات الشخص قبل دفنه من قبل الطب الشرعي أو قسم الإسعاف. ويتولى الدفاع المدني التوثيق والدفن بحضور ذوي الضحية. أما بالنسبة للأشخاص المجهولين، فتلتقط الصور لهم للتعرف عليهم لاحقاً.
وتعمد فرق الدفاع المدني في الغوطة إلى حفر القبور مسبقاً في المقابر المخصصة في مختلف مدن وبلدات الغوطة، وتضع قوائم لأسماء المدفونين في القبر الجماعي. كما جهزت قبوراً كبيرة لتضم عدداً كبيراً من الجثث في حالات التصعيد والمجازر.