يعيش مئات آلاف المدنيين في إدلب، شمالي سورية، ومحيطها صدمة القصف الذي تعرضت له مناطقهم مساء الخميس، والذي سقط من جرائه عشرات القتلى والجرحى، بعد أشهر من الاستقرار النسبي، والشعور بأنهم سيتابعون حياتهم بعيداً عن الصراعات العسكرية التي عاشوا في ظلها لسنوات، إذ أعاد لهم القصف مشاعر الخوف والقلق مما قد تحمله لهم الأيام المقبلة.
يبدو القلق واضحاً على أم عبد الله خبازة، المهجّرة من ريف دمشق إلى إدلب، بالرغم من أنّ القصف كان بعيداً عن مكان سكنها. تتخوف من إمكانية تجدد القصف، معتبرة أنّ "المنطقة على كفّ عفريت" كناية عن مستقبلها المجهول. تضيف لـ"العربي الجديد": "لم نكن نتوقع أن نتعرض لهذا القصف الروسي، في ظل هدنة تخفيض التصعيد. والآن نخشى من هروب عناصر تنظيم داعش من السجن بسبب القصف الذي تعرض له". تتساءل عن نتائج اجتماع وزيري خارجية روسيا وتركيا، فهي تعتقد أنّ مصير ادلب في يد الدولتين.
وتتابع: "ليس لدينا مكان جديد ننزح إليه، فإن كانت المناطق الحدودية مع تركيا أكثر أماناً، فالإيجارات فيها مرتفعة، الأمر الذي يجعل الغالبية لا تفكر في الخروج من إدلب بسبب سوء وضعها المادي. لذلك، حتى اليوم ما زال الناس في مساكنهم، بالرغم من أنّ هناك عائلات تشعر بالخوف الشديد".
أعاد قصف إدلب إلى أم عبد الله ذكرياتها في ريف دمشق: "في أيام الهدنة كنا نشعر بالاستقرار، لكن مع عودة القصف كنا نشعر بالخوف مجدداً، لكن بعد عدة أيام يصبح الأمر طبيعياً". تضيف: "هنا لم نشعر أبداً بالأمان، إذ يستحيل أن نمشي في الطرقات ولا نتوقع أن يحدث أمر ما مثل تفجير أو إطلاق نار، بسبب انتشار المسلحين في الطرقات، حتى أنّ هناك كثيراً من الناس يلغون كثيراً من تنقلاتهم أو الخروج من منطقة سكنهم بسبب مخاوفهم".
من جانبه، يقول المصور الصحافي، عامر علي، المقيم في إدلب، لـ"العربي الجديد": "الوضع مستقر نوعاً ما، لكن الجمعة، في ذكرى الثورة، وكان من المقرر خروج تظاهرات في جميع المناطق، ألغى كثير من المناطق التظاهرات بسبب الوضع الأمني". يذكر أنّ "الناس لا تعلم أين تذهب، فمن غير المعروف المناطق التي سيستهدفها الطيران الروسي، حتى أنّ الناس لم تعد تجد فائدة في النزول إلى الأقبية، فالقصف الروسي يدمر البناء من أساساته، فأنا مثلاً أسكن في الطابق الرابع ولم أفكر أن أحتمي في طابق أرضي أو قبو". يلفت إلى أنّ "هناك تخوفات من المرحلة المقبلة، وجموداً نوعاً ما في الأسواق، لكن، في النهاية هناك حياة ستستمر".
من جهته، يقول مصطفى رجب، المقيم في بنش بالقرب من إدلب، لـ"العربي الجديد" إنّ "الناس متخوفون ولا يدرون ما سيكون عليه الوضع، خصوصاً بعدما بدأوا يستأنفون حياتهم". يضيف: "المناطق اليوم تغص بالناس وعلى الأغلب سيبقى هؤلاء فيها ويسلّمون أمرهم إلى الله".
بدوره، يقول عضو منظمة "منسقو الاستجابة" طارق الإدلبي، لـ"العربي الجديد": "تشهد إدلب بعد الضربة الأخيرة نوعاً من الخمول، خصوصاً أنّها عاشت فترة من الاستقرار، ولم تكن تتوقع مثل هذه الضربات، فعندما كان الناس يسمعون أنّ هناك طيران استطلاع، كان الأمر طبيعياً، أما اليوم فإذا سمعوا صوت مكابح دراجة نارية يشعرون بالخوف". يبين أنّ "هناك نوعين من النزوح حدثا عقب الضربة الأخيرة، الأول تمثله العائلات التي توجهت من المناطق التي تعرضت للقصف إلى أقاربها في المدينة، والثاني يمثله من نزحوا إلى المزارع المحيطة بالمدينة، وهم أعداد غير كبيرة". يضيف: "لا يمكن أن نحدد عدد من نزح من المدينة ليلة الخميس، خصوصاً من أبناء المدينة، إذ عاد جزء منهم، وقد يعود الجزء الآخر، لكنّ النازحين من مركزي الإيواء اللذين كان يقيم فيهما 500 شخص، يعادل الثلثين، وإذا تواصل القصف يمكن أن ينزح نصف عدد سكان المدينة، المقدر بـ367 ألف نسمة".