"القرباجي"، نسبة إلى القربة التي تُنقل المياه فيها، هو ذلك التونسي الذي كان يتنقّل بين الأحياء حاملاً المياه التي عبّأها من الأودية (الأنهر) أو من آبار في الأرياف، فيبيعها إلى السكان في مقابل بعض المليمات.
تلك المهنة، ظننا أنّها اندثرت في سبعينيات القرن الماضي، بعد ظهور صنابير المياه وانتشارها في أغلب المنازل، خصوصاً في المدن. لكنّها عادت لتظهر من جديد، منذ أكثر من سبع سنوات، في معظم المدن والمحافظات التونسية على غرار تونس العاصمة وسوسة، لا سيما مدن الجنوب التونسي. عادت تلك المهنة، وإنّما بطريقة جديدة، إذ أصبح بائعو المياه ينقلونها في خزانات بلاستيكية كبيرة، سعة الواحد منها نحو ألف لتر، بدلاً من القرب والجرار. ويعيد مستهلكو تلك المياه إقبالهم عليها، إلى رداءة مياه الصنابير، خصوصاً بعد تدهور حالة شبكات توزيع المياه، وتفاجئهم في كلّ مرة بتغيّر لون تلك المياه، إلى جانب غلاء أسعار المياه المعبأة.
حمدي الحافظي شاب في السابعة والعشرين من عمره، ينتقل يومياً عشرات الكيلومترات ليبيع المياه في أحياء العاصمة الشعبية، ويجني يومياً ما بين 100 و300 دولار أميركي. يقول إنّ "بيع المياه مهنة مربحة توفّر لي مدخولاً كبيراً منذ نحو خمس سنوات، خصوصاً بعد تهافت عائلات كثيرة على الشراء". ويجلب الحافظي مياهه من قرية الجديدة في محافظة منوبة القريبة من العاصمة، وهي منطقة تُعرف بوفرة المياه والأودية (الأنهر) فيها. فيبيع يومياً نحو ألفَي لتر، بنصف دولار لكل خمسة لترات.
من جهته، يجلب عربي سيف الله المياه من بعض العيون الطبيعية في زغوان، ليبيعها في أحياء شعبية في العاصمة. يومياً، ينقل ألفَي لتر ليبيعها في ساعات معدودة. وأحياناً، يجلب حمولتَين يومياً، خصوصاً في فصل الصيف. يقول سيف الله إنّ "سكان زغوان بمعظمهم، يشربون من الأودية والعيون الطبيعية والآبار، ولا ضرر في ذلك. مياهها تبقى أعذب من مياه الصنبور". يضيف أنّ "العائلات التي أزوّدها بالمياه لم تشتكِ بغالبيتها من مياهي. وأنا أحرص على تنظيف البراميل البلاستيكية باستمرار، ولا أمانع مراقبتي من قبل أجهزة الرقابة الصحية وتحليل المياه التي أجلبها".
اقــرأ أيضاً
أشخاص كثيرون اتخذوا هذه المهنة مورد رزق لهم، لا سيّما أنّ عدد العائلات التي تشتري المياه ارتفع في كثير من الأحياء الشعبية، خصوصاً تلك التي لا يقدر سكانها على شراء المياه المعدنية. يُذكر أنّ الطلب على تلك المياه يزداد في فصل الصيف وكذلك في شهر رمضان.
عربية المولهي من هؤلاء المعتمدين على تلك المياه. تشتري يومياً 10 لترات منها، وتخزّنها في براميل بلاستيكية صغيرة. بالنسبة إليها، تلك المياه حلوة المذاق وأقلّ ملوحة من مياه الصنبور ولا تؤثر سلباً على كليتَيها. وتشير إلى أنّ "مياه الصنبور غالباً ما تكون ذات لون أصفر ينقلب أحياناً إلى بنيّ. لم نعد نستخدمها حتى للغسيل". تضيف: "وعلى الرغم من شكاوى أهالي الحيّ التي وجّهوها إلى الشركة، إلا أنّ الأمور ما زالت على حالها".
في السياق، يحذّر نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك سليم سعد الله من أنّ "بيع المياه بهذه الطريقة تحوّل ظاهرة تهدد صحة المواطن، خصوصاً في فصل الصيف، لا سيّما أنّ نقل تلك المياه لا يخضع إلى أيّ رقابة صحية". ويؤكّد لـ "العربي الجديد" أنّ "المياه مجهولة المصدر، فيما يشتري بائعوها براميلهم البلاستيكية من سوق الخردة. وهو ما يجزم بأنّها غير صحية".
تجدر الإشارة إلى أنّ المدير العام للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه محمد الداهش كان قد صرّح في وقت سابق، بأنّ نسبة السكان الذين يزوّدون بمياه جيّدة، هي نحو 80 في المائة. ويأتي هذا الكلام في حين أنّ مناطق عدّة قدّمت شكاوى كثيرة من جرّاء سوء المياه، بما في ذلك بعض محافظات الشمال المعروفة بعذوبة مخزونها المائي، على غرار جندوبة وباجة ونابل والكاف. بالتالي، تلتحق مناطق فيها بمحافظات الجنوب التي كانت نوعية المياه فيها وما زالت، ذات جودة محدودة مع ملوحة مرتفعة ورواسب. لكنّ الداهش أكّد على أنّ "نسب ملوحة مياه الشبكة تتراوح بين 0.4 و2.5 غراماً في اللتر الواحد بين منظومة مائية وأخرى، وهي نسبة لا تشكّل أيّ خطر على صحة الإنسان".
اليوم، يرى المواطن التونسي نفسه يميل تدريجياً إلى تغيير عاداته الاستهلاكية، وإلى اعتماد المياه المعدنية المعبّأة أو الحصول على مياه العيون التي تباع في أوعية بلاستيكية غير مراقبة. وتُطرح جملة تساؤلات عن دور الرقابة الصحية في التأكد من سلامة تلك المياه ومن مصادرها وطرق نقلها وحفظها، بالإضافة إلى مراقبة البراميل البلاستيكية التي تُنقل فيها.
وقد حمّل الداهش مسؤولية مراقبة المياه التي تُباع في أوعية بلاستيكية أو في صهاريج، لكلّ من وزارة الصحة ووزارة التجارة المكلفتَين رسميا بمهمّة الحفاظ على صحة المواطن.
اقــرأ أيضاً
تلك المهنة، ظننا أنّها اندثرت في سبعينيات القرن الماضي، بعد ظهور صنابير المياه وانتشارها في أغلب المنازل، خصوصاً في المدن. لكنّها عادت لتظهر من جديد، منذ أكثر من سبع سنوات، في معظم المدن والمحافظات التونسية على غرار تونس العاصمة وسوسة، لا سيما مدن الجنوب التونسي. عادت تلك المهنة، وإنّما بطريقة جديدة، إذ أصبح بائعو المياه ينقلونها في خزانات بلاستيكية كبيرة، سعة الواحد منها نحو ألف لتر، بدلاً من القرب والجرار. ويعيد مستهلكو تلك المياه إقبالهم عليها، إلى رداءة مياه الصنابير، خصوصاً بعد تدهور حالة شبكات توزيع المياه، وتفاجئهم في كلّ مرة بتغيّر لون تلك المياه، إلى جانب غلاء أسعار المياه المعبأة.
حمدي الحافظي شاب في السابعة والعشرين من عمره، ينتقل يومياً عشرات الكيلومترات ليبيع المياه في أحياء العاصمة الشعبية، ويجني يومياً ما بين 100 و300 دولار أميركي. يقول إنّ "بيع المياه مهنة مربحة توفّر لي مدخولاً كبيراً منذ نحو خمس سنوات، خصوصاً بعد تهافت عائلات كثيرة على الشراء". ويجلب الحافظي مياهه من قرية الجديدة في محافظة منوبة القريبة من العاصمة، وهي منطقة تُعرف بوفرة المياه والأودية (الأنهر) فيها. فيبيع يومياً نحو ألفَي لتر، بنصف دولار لكل خمسة لترات.
من جهته، يجلب عربي سيف الله المياه من بعض العيون الطبيعية في زغوان، ليبيعها في أحياء شعبية في العاصمة. يومياً، ينقل ألفَي لتر ليبيعها في ساعات معدودة. وأحياناً، يجلب حمولتَين يومياً، خصوصاً في فصل الصيف. يقول سيف الله إنّ "سكان زغوان بمعظمهم، يشربون من الأودية والعيون الطبيعية والآبار، ولا ضرر في ذلك. مياهها تبقى أعذب من مياه الصنبور". يضيف أنّ "العائلات التي أزوّدها بالمياه لم تشتكِ بغالبيتها من مياهي. وأنا أحرص على تنظيف البراميل البلاستيكية باستمرار، ولا أمانع مراقبتي من قبل أجهزة الرقابة الصحية وتحليل المياه التي أجلبها".
أشخاص كثيرون اتخذوا هذه المهنة مورد رزق لهم، لا سيّما أنّ عدد العائلات التي تشتري المياه ارتفع في كثير من الأحياء الشعبية، خصوصاً تلك التي لا يقدر سكانها على شراء المياه المعدنية. يُذكر أنّ الطلب على تلك المياه يزداد في فصل الصيف وكذلك في شهر رمضان.
عربية المولهي من هؤلاء المعتمدين على تلك المياه. تشتري يومياً 10 لترات منها، وتخزّنها في براميل بلاستيكية صغيرة. بالنسبة إليها، تلك المياه حلوة المذاق وأقلّ ملوحة من مياه الصنبور ولا تؤثر سلباً على كليتَيها. وتشير إلى أنّ "مياه الصنبور غالباً ما تكون ذات لون أصفر ينقلب أحياناً إلى بنيّ. لم نعد نستخدمها حتى للغسيل". تضيف: "وعلى الرغم من شكاوى أهالي الحيّ التي وجّهوها إلى الشركة، إلا أنّ الأمور ما زالت على حالها".
في السياق، يحذّر نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك سليم سعد الله من أنّ "بيع المياه بهذه الطريقة تحوّل ظاهرة تهدد صحة المواطن، خصوصاً في فصل الصيف، لا سيّما أنّ نقل تلك المياه لا يخضع إلى أيّ رقابة صحية". ويؤكّد لـ "العربي الجديد" أنّ "المياه مجهولة المصدر، فيما يشتري بائعوها براميلهم البلاستيكية من سوق الخردة. وهو ما يجزم بأنّها غير صحية".
تجدر الإشارة إلى أنّ المدير العام للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه محمد الداهش كان قد صرّح في وقت سابق، بأنّ نسبة السكان الذين يزوّدون بمياه جيّدة، هي نحو 80 في المائة. ويأتي هذا الكلام في حين أنّ مناطق عدّة قدّمت شكاوى كثيرة من جرّاء سوء المياه، بما في ذلك بعض محافظات الشمال المعروفة بعذوبة مخزونها المائي، على غرار جندوبة وباجة ونابل والكاف. بالتالي، تلتحق مناطق فيها بمحافظات الجنوب التي كانت نوعية المياه فيها وما زالت، ذات جودة محدودة مع ملوحة مرتفعة ورواسب. لكنّ الداهش أكّد على أنّ "نسب ملوحة مياه الشبكة تتراوح بين 0.4 و2.5 غراماً في اللتر الواحد بين منظومة مائية وأخرى، وهي نسبة لا تشكّل أيّ خطر على صحة الإنسان".
اليوم، يرى المواطن التونسي نفسه يميل تدريجياً إلى تغيير عاداته الاستهلاكية، وإلى اعتماد المياه المعدنية المعبّأة أو الحصول على مياه العيون التي تباع في أوعية بلاستيكية غير مراقبة. وتُطرح جملة تساؤلات عن دور الرقابة الصحية في التأكد من سلامة تلك المياه ومن مصادرها وطرق نقلها وحفظها، بالإضافة إلى مراقبة البراميل البلاستيكية التي تُنقل فيها.
وقد حمّل الداهش مسؤولية مراقبة المياه التي تُباع في أوعية بلاستيكية أو في صهاريج، لكلّ من وزارة الصحة ووزارة التجارة المكلفتَين رسميا بمهمّة الحفاظ على صحة المواطن.