تهريب الأدوية نحو ليبيا يهدّد المخزون التونسي

03 مارس 2016
يتفاقم تسرّب الأدوية من قبل ليبيين (فرانس برس)
+ الخط -
منذ أربع سنوات، يقصد المواطن الليبي محمد علي الطهروني تونس مرّة كل ستة أو ثمانية أشهر تقريباً، لتلقي العلاج في أحد مستشفيات العاصمة التونسية. ويخبر الطهروني الذي يعاني من داء السكري بالإضافة إلى إصابته بمرض عصبي، أنّه يتكبّد في كلّ مرة مصاريف السفر حتى يتمكن من متابعة حالته الصحية وشراء الأدوية من تونس بأسعار مناسبة. كذلك، يحمل معه كميات كافية لأشهر، إذ إنّ الأوضاع في ليبيا لا تسمح له بالسفر والتنقل الدائم. يضيف أنه يضطر إلى حمل بعض الأدوية الأخرى والمسكنات التي قد يحتاجها وأفراد عائلته.

وكانت الوحدات الأمنية على الحدود التونسية الليبية قد تمكّنت في السنوات الأخيرة من إحباط عمليات تهريب عديدة للبضائع والسلع نحو ليبيا، خصوصاً الأدوية التي أصبحت من أبرز المواد المهرّبة، نظراً لما تمرّ به البلاد من اضطرابات أمنية في مناطق ومدن ليبية بين الجماعات المسلّحة.

ولعلّ أبرز عملية أمنية نفّذت في الفترة الأخيرة، هي تلك التي كشف خلالها تورّط صاحب صيدليتين في منطقة بن قردان في عمليات تهريب لكميات كبيرة من الأدوية إلى ليبيا، لتُغلَق الصيدليتان ويُسجَن صاحبهما. كذلك، تمكنت الوحدات الأمنية أخيراً من إحباط عملية تهريب لأطنان من الأدوية نحو ليبيا، خصوصاً الأدوية المدعومة كالمسكنات وحبوب منع الحمل والإنسولين وأدوية الأعصاب. وهو الأمر الذي أثار مخاوف كبيرة من استنزاف المخزون التونسي وفقدان بعضها من أسواق تونس، لا سيما أدوية الأمراض المزمنة.

يوضح رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة عبد الله جلال أنّ "عمليات تهريب الأدوية، لا سيّما المدعومة منها، كلّفت الدولة التونسية مبالغ مالية كبيرة قدّرت قيمتها بـ 400 ألف دينار تونسي (195 ألف دولار أميركي) في عام 2015". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "تطور نسق تهريب الأدوية ارتبط بشكل كبير بتوافد أعداد كبيرة من الليبيين لتلقي العلاج في تونس، ويبلغ عددهم 600 ألف ليبي يستهلكون أكثر من 20 ألف علبة دواء في السنة الواحدة. وهو الأمر الذي أدّى إلى اختلال في معدّل الاستهلاك من شهر إلى آخر، وتسبب في اضطراب العرض في أنواع عدّة من الأدوية".

لكن إحباط عمليات التهريب بحسب ما يشير جلال "كشف تورط أهل الاختصاص. أبناء المهنة هم الذين يشاركون في تفاقم الظاهرة". ويقول إن "من بين نحو ألفَي صيدلي، ثبت تورّط عشرة في عمليات تهريب"، في حين لا ينفي "وجود مهربين كبار لا تربطهم صلة بالمهنة وأهلها أو بمجال الأدوية، إلا أنّهم وجدوا فيها سوقاً مربحاً مع تواصل الأزمة في ليبيا وارتفاع عدد المرضى والمصابين من شهر إلى آخر".

من جهته، يؤكد الكاتب العام لنقابة أعوان الصيدليات في تونس هشام بوغانمي أنّ "دخول عدد كبير من الليبيين للعلاج بعد الحرب في ليبيا، فاقم تسريب الأدوية بما يحمله الليبيون معهم من كميات كبيرة من الأدوية عند مغادرتهم". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "على الرغم من حمل الليبيين الأدوية يتم بطريقة قانونية إذ يحملون وصفات طبية، إلا أن تلك العمليات ساهمت بشكل كبير في نقص المخزون الوطني للأدوية".

ويشير بوغانمي إلى أنّ "أطباء عديدين في تونس يعمدون إلى تحرير وصفات طبية تتجاوز الكمية القانونية للأدوية، خصوصاً منها المدعومة التي تباع بأقل من سعر التكلفة. ويمكن تمريرها بطريقة قانونية إلى ليبيا، خصوصاً مع إقبال الليبيين على الدواء التونسي منذ خمسة أعوام. وهو الأمر الذي تسبب حتى اليوم في خسائر مالية كبيرة قدّرت بالمليارات، يضاف إليها ارتفاع التهريب عبر شبكات كبيرة تنشط منذ سنوات، من بينها أهل اختصاص في تونس". ويشدّد على أن "غياب الأدلة المادية عائق أمام النقابة والوزارة وكل الأطراف المتدخلة، لإدانة هؤلاء المهربين. وعلى الرغم من إغلاق أكثر من خمس صيدليات ونحو ثلاث نقاط توزيع بالجملة، إلا أنّ التهريب نحو ليبيا مازال مستمراً".

من أجل تفادي أي اختلال في السوق ونقص في الأدوية، ارتأت الصيدلية المركزية إنشاء خلية تراقب المخزون من الدواء والكميات المتوفرة في الصيدليات، يومياً. يُذكر أنّ الصيدلية المركزية تؤمن في الأيام العادية مخزوناً لثلاثة أشهر اعتماداً على معدّل الاستهلاك الشهري للتونسيين. لكن توافد آلاف الليبيين للعلاج في تونس صعّب عملية توقع معدل الاستهلاك الشهري لبعض الأدوية، خصوصاً وأنّ ليبيين كثيرين يعودون للعلاج أكثر من مرة. إلى ذلك، فإنّ 20% من الأدوية المتداولة في تونس هي صناعة محلية، وتمثل 45% من حجم الأدوية المستعملة. أما قيمة دعم الأدوية لعام 2012، فقد بلغت نحو 33 مليون دينار (17 مليون دولار).

اقرأ أيضاً: تهريب سيارات على ظهور الجمال
دلالات