سيطرة النظام السوري على معظم مناطق البلاد في الفترة الأخيرة، لم تبدد مخاوف وهواجس الأهالي، إذ إنّ أشخاصاً كثيرين يستبعدون أن يزوروا بعض المناطق لمخاوف أمنية وطائفية.
يترقب مازن (24 عاماً) وهو جامعي يسكن في مدينة دمشق، أخبار الغوطة الشرقية خصوصاً مدينة دوما، التي قُتل فيها أحد أصدقائه ممن كانوا يقاتلون إلى جانب الأمن العسكري عام 2012. تختلط لديه مشاعر الكره وحب الانتقام مع التوجس الأمني، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يمكن أن أنسى أنّ في هذه المدينة قُتل أعز أصدقائي، على يد مجموعة تكفيرية. وعلى الرغم من أنّ زعيم تلك المجموعة قُتل على يد تنظيم جيش الإسلام، فالأخير ليس أفضل من المجموعة الأولى". يضيف: "لا أعتقد أنّي سأدخل تلك المنطقة في حياتي، أشعر أنّ الموت يخيم عليها، ولا أجدها آمنة مهما تحدثت الدولة عن ذلك". يختم: "أعتقد أنّ الجانبين لن ينسيا أنّ بينهما دماء".
في المقابل، لم يغادر أبو محمد (52 عاماً) بعد، مدينة دوما، على الرغم من تسوية أوضاعه مع النظام. يقول لـ"العربي الجديد": "لم أزر مدينة دمشق منذ عام 2012، ولا أفكر بزيارتها حالياً... ما زلت أخشى السير في شوارعها، وأشعر أنّي قد أكون في خطر دائم هناك. في دوما أشعر نوعاً ما بالأمان أكثر". يضيف: "قد يكون ذلك لأنّي فقدت أخي داخل دمشق عام 2012، بعدما اعتقل على أحد الحواجز فقط لأنّه من دوما، وما زلت أجهل مصيره حتى اليوم". يتابع: "لا أعلم كيف سأنظر إلى سكان دمشق، وهم الذين صمتوا عن حصارنا وجوعنا وقصفنا، في حين كانوا يعيشون حياتهم الطبيعية في كنف النظام". يلفت إلى أنّه بقي في مدينته ليعتني بقبر ابنه، الذي فقد حياته جراء أحد الصواريخ التي سقطت على المدينة طوال سنوات. ويعتبر أنّ "من السذاجة أن يعتقد أيّ شخص أنّ سبع سنوات من الموت والخوف والجوع والحصار يمكن أن تمحى من ذاكرتنا، أو ذاكرة الأجيال المقبلة التي سترثها كما سترث أسماء عائلاتها، فنحن لن ننسى ما عشناه من معاناة وقهر".
بالعودة إلى دمشق، يقول المحامي يامن، لـ"العربي الجديد"، "زرت بلدة يلدا في جنوب دمشق مؤخراً، تحت ضغط العمل. بدا الوضع طبيعياً، لكنّي تحاشيت أن أتحدث مع عدة أشخاص، فأنهيت عملي ورحلت سريعاً عنها". يضيف: "يبدو أنّ لديّ حساسية أنّني من طائفة أخرى. كنت متوجساً من الناس بشكل كبير، قد يعود ذلك إلى كونها المرة الأولى التي أدخل فيها إلى إحدى المناطق الساخنة السابقة".
العنف الذي اعتمده النظام لقمع المناهضين له وطبيعة التوزع الديموغرافي للسوريين، الذي يصبغ كثيراً من المناطق بهوية سكانها الطائفية يزيدان من حساسية المجتمعات من بعضها البعض، وقد يبدو ذلك واضحاً في المخاوف التي يتبادلها أهل محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، ممن لم يتورط معظمهم في الصراع المسلح، مع جارتهم درعا ذات الغالبية السنّية، إذ عاش الطرفان نتائج الحرب، فارتكبت العصابات عمليات خطف متبادل، بالإضافة إلى المعارك التي وقعت في الحدود الادارية المشتركة، وكان رأس الحربة فيها جبهة النصرة.
يقول زياد (45 عاماً)، وهو سائق، لـ"العربي الجديد": "خُطفتُ في درعا عام 2014، إذ كنت أتوجه إلى معبر نصيب، ودام الخطف نحو شهر. كدت أقتل أكثر من مرة، ولم يطلق سراحي إلاّ بفدية، بعدما عانيت من التعذيب الذي عشته. ولا أعتقد أنّي سأفكر في الذهاب إلى تلك المناطق في زمن قريب". يضيف: "الوضع لم يستقر في درعا فكما نسمع هناك حراك مناهض للنظام، وما زال الأمر لم يستقر، وإلى اليوم هناك عمليات خطف وسلب".
من جهته، يتساءل نجيب (41 عاماً)، وهو مدرس في السويداء، ويملك أرضاً على الحدود الإدارية مع درعا، لكن لم يزرها منذ عام 2013، إن كان يستطيع أن يزرعها هذه السنة، فتتضارب الإجابات بين مشجع ومحذر، ليتركوه حائراً. هو يحاول أن يجمع بعض أصدقائه ليرافقوه إلى الأرض كي يرى ماذا حل بها.
أما أبو عماد، وهو وجيه اجتماعي، لعب دور الوسيط في عدة قضايا خطف، وقعت بين المحافظتين، يقول لـ"العربي الجديد": "غالبية عمليات الخطف من تنفيذ مجموعات محددة من الطرفين، لكنّ الفعل كان يجري تناقله كأنّ أهل المحافظة كلها مشاركون فيها، فيقولون إنّ أهل درعا خطفوا أو هاجموا نقطة ما أو العكس، الأمر الذي أوجد شرخاً يشعر به غالبية أهالي المحافظتين، مع أنّ آلاف العائلات من درعا تعيش في السويداء". يضيف: "على الرغم من سيطرة النظام على درعا، وهو الذي لم تغب سيطرته عن السويداء، ما زالت الطريق بين المحافظتين مليئة بالحواجز. وما زالت تقع عمليات خطف أو احتجاز، الأمر الذي يبقي على المخاوف، كما تقع في السويداء عمليات خطف بهدف الفدية وهذا ما يساهم في رحيل من كان يقيم فيها من أهل درعا".