رمضان دائماً أجمل في الشتاء. ليس ذلك متعلقاً بقِصَر نهار الصوم بل بغير ذلك مما كان يشغلنا - نحن المراهقين- في ذلك الرمضان من العام 1995 والذي صادف في شهر فبراير/ شباط، وصادف عيده في بداية مارس/ آذار.
كانت بدايته جميلة بالنسبة إلينا. الصوم في المدرسة له نكهة أجمل مع ما فيه من تساهل داخل الفصل وفي الفروض المنزلية، الأمر الذي كان يسمح لنا بلعب كرة القدم كما نشتهي في ملعب الحيّ، المعروف بـ"البورة"، أي الأرض الرملية البور.
كانت البورة تشهد على صراخنا اليومي وقتالنا منذ الثانية والنصف عصراً وهو موعد عودتنا من المدرسة، حتى موعد الإفطار قبيل الخامسة والنصف. ولم نكن نعود إلى المنازل إذا كانت المباراة الحامية لم تُحسَم، إلاّ بعد ألف تهديد من أهالينا في المباني المحيطة.
لكلّ شيء طعم ألذّ في رمضان الشتاء، حتى أنّ شهيتنا على الأكل تكون أكبر من رغبتنا بالمياه، فإذا حضرت المشاوي كان عيداً لا يضاهيه إلاّ حلول عيد الفطر.
كلّ رمضان شتوي كان جميلاً، لكنّ رمضان العام 1995 خذلنا، خصوصاً في عيده. ففي أواخر الشهر طلب منا "الشيخ" وقتها طلباً مميزاً. والشيخ هو رجل الدين الوحيد الذي كان يعيش في الحيّ ويحظى باحترام متفاوت بين الأهالي. أما نحن فكنّا نحترمه ونحبّه لأنّه لم يكن يشغل باله بنا، خصوصاً أنّه لم يكن يبالي بلعبنا في البورة. لم يكن مثل بعض السكان ممن كانوا يرشقوننا بالمياه أو بحبات البندورة والبطاطا حين ينزعجون منا.
جمعنا، وكنّا نحو خمسة عشر فتى، وقال لنا إنّه يحضّر مفاجأة لنا بحلول عيد الفطر. مفاجأة هي عبارة عن تنظيم مهرجان مليء بالألعاب البهلوانية والدراجات النارية والمباريات والمنافسات والهدايا المتنوعة في البورة. حتى أنّه أقسم على جلب حصانين إن استطاع ذلك.
كانت فرحتنا عظيمة، فنحن موعودون بأجمل عيد على الإطلاق. وليس مطلوباً منّا أكثر من تنظيف البورة من الأوساخ والحجارة، وتسوية أطراف أرضيتها بالمعاول والرفوش كي تتسع مساحتها، بالإضافة إلى تنظيف المنزل المهجور الملتصق بالملعب من أكياس النفايات التي يستسهل السكان رميها إليه من شققهم. فهناك أيضاً ستعدّ المأكولات والحلويات الخاصة بالعيد.
طوال أكثر من أسبوع قبل العيد توقفنا عن اللعب، وعملنا كما لم نعمل في حياتنا. لكنّ العيد حلّ وصدمنا، إذ لم تصل إلى البورة أيّة تجهيزات بقينا مؤمنين أنّها آتية لا ريب فيها. وبعد انقضاء العيد مباشرة، بدأت ورشة بناء في المكان.
لم نكن نعرف أنّ شقيق الشيخ نفسه كان قد اشترى الأرض من أجل مشروعه الجديد.