والد منى المذبوح منتقداً الصمت الحقوقي والدبلوماسي: اعتذرنا للسيسي وابنتي تعرّضت للتحرّش
منى المذبوح فتاة لبنانية تبلغ من العمر 24 عاماً، وتتحدر من منطقة علي النهري في البقاع. أوّل من أمس، قضت محكمة جنح مصر الجديدة بمعاقبتها بالحبس ثماني سنوات مع الشغل بتهمة "نشر فيديو خادش للحياء وازدراء الأديان والتطاول على الشعب المصري"، وذلك في نهاية مايو/ أيار الماضي. قرار المحكمة أشار إلى أن المذبوح ثبتت إدانتها بإهانة المصريّين وخدش الحياء العام عبر مقطع مصوّر سجلته بنفسها ونشرته على صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
وكانت المحكمة قد قرّرت حبسها لمدة 11 عاماً، إلّا أنّها عدّلت المدة إلى 8 سنوات، بعدما دقّقت في الشهادة الطبية المقدمة من محامي المتهمة، والتي تؤكد أنها تعاني مرضاً في المخ أدى إلى إصابتها باضطرابات عصبية ونفسية.
محامي المتّهمة استأنف الحكم، ومن المقرر النظر في طلب الاستئناف في 29 من شهر يوليو/ تموز الجاري. وأحال النائب العام المصري، المستشار نبيل صادق، السائحة اللبنانية إلى المحاكمة الجنائية العاجلة في 3 يونيو/ حزيران الماضي، بعد اعتقال الأمن لها قبيل مغادرتها للبلاد. وكان المحامي المقرب من السلطة الحاكمة، سمير صبري، قد سارع إلى التقدم ببلاغ إلى النائب العام يتهم فيه السائحة اللبنانية بـ"التطاول على المرأة المصرية، والرجل المصري، ووصف الدولة المصرية بألفاظ وصفات وعبارات نابية".
والد منى، علي المذبوح، لا يملك حيلة غير انتظار قرار الاستئناف، والاستجابة إلى وسائل الإعلام، علّ الضغط الإعلامي يساهم في تسوية قضية ابنته. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه قابل ووالدة الفتاة القنصل المصري في لبنان وائل السيسي، وقدّما اعتذاراً. واللافت أن الأخير سعى إلى طمأنة الأهل بالقول إنه "مجرّد فيديو". وكرّر الأمر خلال مقابلة مع الصحافي المصري وائل الإبراشي على قناة "دريم".
ويحكي الوالد أنّ ابنته سافرت إلى مصر في أوّل يوم من شهر رمضان، وأرادت تمضية شهر الصوم فيه. إلّا أنّ تعرّضها للتحرّش جعلها تنشر هذا الفيديو، مشدّداً على أنّ التحرّش أمر مرفوض تماماً بالنسبة لابنته. يضيف أنه عرف بتوقيف منى من خلال القنصل كمال أبو مرشد، الذي حضر التحقيق معها.
ينتقد الوالد عدم تحرّك المنظمات الحقوقية والدولة اللبنانية إزاء هذه القضية. ويوضح أن السفارة اللبنانية في مصر أخبرته بأنّه ليس من صلاحياتها توكيل محامٍ للدفاع عن منى. لذلك، اضطرّ إلى الاستدانة لإرسال المال إلى المحامي الذي يدافع عن ابنته في الوقت الحالي. لم يستطع السفر إلى مصر والوقوف إلى جانب ابنته لعدم امتلاكه المال. "أنا رجل عجوز وبالكاد نستطيع العيش. ثم جاءتنا هذه المصيبة". ولا ينسى التأكيد على الوضع الصحّي لابنته التي كانت قد خضعت لعملية جراحية في الدماغ حين كانت طفلة، وباتت تعاني من موجات عصبيّة من حين إلى آخر.
كما قال علي المذبوح إنه كان لافتاً صمت المنظّمات الحقوقيّة المعنيّة بالدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، وعدم إصدارها أي بيانات إدانة أو توصيات، ولم تظهر أي مساعٍ للتحرّك حيال هذه القضية. منظّمة الكرامة السويسريّة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، ومقرّها جنيف، ما زالت تسعى إلى التواصل مع محامي المذبوح، لافتة إلى أنه لا يمكن لها تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة من دون الحصول على إذن من العائلة.
من جهتها، تدرس منظمّة العفو الدوليّة القضية قبل إبداء أي موقف منها، وهي من القضايا الموضوعة على جدول أعمالها اليوم. أمّا الباحث في قسم الشرق الأوسط في منظمة "هيومان رايتس ووتش"، عمرو مجدي، فيقول لـ"العربي الجديد": "مرة جديدة، هذه صورة الدولة البوليسية العسكرية الهستيرية المدعومة بسلك قضائي مسيّس بشكل كبير. جميعهم يزعمون أنهم يمثلون الأخلاق، وأن مهمتهم هي حماية الأخلاق، ويدعون أنهم أنقذوا البلاد من المستقبل المظلم في ظل حكم الرئيس الإسلامي. إلا أنهم لا يتورعون عن حبس الأبرياء بسبب حرية التعبير بذريعة حماية الأخلاق، ويدعون أن كلّ التدابير الاستثنائية لا تستخدم إلا في وجه التهديدات الإرهابية والأمنية. بالنسبة إليهم، فإن حرية التعبير تشكل تهديداً أمنياً".
بدوره، يعزو المدير التنفيذي للمفكّرة القانونية المحامي نزار صاغية، في حديث لـ"العربي الجديد"، عدم تحرّك المعنيّين، إلى ضيق الوقت، كون الحكم صدر أول من أمس فقط. ويلفت إلى أن الحكم تتمّة لما تشهده مصر من أحكام قاسية وصارمة وغير معقولة، والتي باتت "مقلقة جداً". يضيف أنّ النظام القضائي في مصر يتّجه نحو فرض عقوبات قاسية.
ويرى صاغيّة أنّه يتوجب على وزارة الخارجية التحرّك لأن في الحكم انتهاكاً للمواثيق الدولية، في ظل عدم وجود أي تناسب كلّي بين الفعل والحكم. من هنا، على الدولة "حماية منى المذبوح دبلوماسياً"، مؤكداً أن حرية التعبير مضمونة في المعاهدات الدولية. ويصف الحكم بـ"المخيف". في الوقت الحالي، يسعى إلى الحصول على الحكم وقراءته بالتفصيل قبل إصدار أي موقف قانوني، والضغط في سبيل مساعدة الفتاة.
المسؤولة الإعلامية في وزارة الخارجية اللبنانية نانا فيصل، تقول لـ"العربي الجديد"، إن الوزارة تتابع مجريات القضية مع السفارة اللبنانية في مصر، ولا يمكن إصدار أي بيان قبل الاطلاع على تفاصيل القضية ومجرياتها.
يشار إلى أن منى كانت قد قالت إن "مصر تستحق ما يفعله بها رئيس البلاد عبدالفتاح السيسي". إلا أنها عادت ونشرت فيديو آخر تعتذر فيه عن الأول، موضحة أنها "لم تكن تقصد جميع المصريين".