وعمّت الفرحة أرجاء قرية أم طوبا، إذ كان الجيران يلتفون حول والدتهن نجاح شنيطي "أم إياد"، التي ذرفت دموع الفرح بتفوق توائمها الأربعة، اللواتي كبرن وكابدن الحياة بعد ولادتهن في 28 من إبريل/ نيسان 2001 في أحد مستشفيات القدس، وأيضاً تفوقن في دراستهن، والآن هن بانتظار تحقيق حلم عائلتهن الآخر بدراسة الطب والهندسة، كما توضح لـ"العربي الجديد".
حصلت دينا وهي أكبر التوائم بلحظات عن بقية شقيقاتها، على معدل 93.9 بالمائة، أما ديما الأصغر قليلاً فقد حصلت على معدل 92.1 بالمائة، والتوأم الثالث سوزان حصلت على 91.4 بالمائة، بينما حصلت رزان التوأم الأصغر على 91.1 بالمائة، لقد تقاسمن تعب الدراسة، وهنّ الآن يتقاسمن فرحة التفوق، ويأملن أن يدرسن بجامعات الضفة الغربية.
صبر وعزيمة
كانت دينا مثلها مثل أي طالب ينشد النجاح في امتحان الثانوية العامة، تخطط لدراستها، وتنجزها أولاً بأول، وما يصعب عليها من مسائل كانت تستفسر عنه بأي طريقة، وخاصة نقاشها لتلك المسائل مع شقيقاتها، وهي الآن بعد هذا التفوق تتمنى دراسة الطب البشري في إحدى جامعات الضفة الغربية.
وتوضح دينا لـ"العربي الجديد"، خطتها وشقيقاتها التوائم للدراسة: "كنا نستيقظ يومياً للذهاب إلى المدرسة، ثم نعود ونرتاح قليلاً، ونبدأ برنامج دراستنا الذي يستمر يومياً ما بين 4-6 ساعات، بحسب المادة الدراسية، وقد نتناقش في أيّ مسألة لا تعرفها إحدانا، وبعد انتهاء الدراسة نجلس مع بعضنا نسهر معاً، باستثناء أوقات الامتحانات فإن لها برنامجاً مختلفاً حتى ننجز مادة الامتحان، لكن لا يخلو البرنامج الدراسي من فترات استراحة خشية أن نشعر بالضجر من الدراسة".
وتشير إلى أن حفظها للقرآن الكريم مع شقيقاتها كان مهماً قبل إتمام الثانوية العامة، وتقول: "حفظ القرآن الكريم مهم لنا، فهو يفيدنا، لكي نجد ما ينظم تفاصيل حياتنا"، أما عن النجاح والتفوق، فتوضح أنه لا بد لكل طالب يريد ذلك، أن يتسلح بالصبر والعزيمة للتغلب على الإحباط كي يكون ذلك نتيجة حتمية للتفوق.
نقاش من أجل التفوق
أما ديما شنيطي وهي التوأم الثاني، فتفخر بتفوقها، لقد حقق الله لها ولشقيقاتها أمنيتهن بالحصول على معدل عالٍ، وتقول لـ"العربي الجديد": "لقد حقق الله لنا هذا الحلم بعد إتمامنا حفظ القرآن الكريم العام الماضي. اليوم، فرحتي ليست لطالبة ثانوية عامة فقط بل مضاعفة أربع مرات، وبعدما عرفت نتيجتي أصبح همّي أن أرى نتيجة شقيقاتي الثلاث، لقد عشنا توتراً، لكن حينما رأينا العلامات عمّت الفرحة أرجاء بيتنا، وآمل أن أحقق حلمي بدراسة تخصص الهندسة الكيماوية".
وتتغلب الشقيقات على صعوبات التعلم بالنقاش وتبادل الآراء، وهنّ دوماً يحفزن بعضهن للوصول إلى الهدف. وخلال دراستهن الثانوية العامة كنّ مضطرات للذهاب إلى مدرسة في قرية مجاورة نظراً لعدم وجود مدارس ثانوية في قريتهن، رحلة زال تعبها بعد هذه النتائج، إذ تستذكر ديما أنها كانت تذهب مع شقيقاتها إلى المدرسة يومياً وفي ذات الغرفة الصفية، إلا أنهن تفرقن فقط خلال تأدية امتحان الثانوية العامة قبل أكثر من شهر، ثلاث منهن تقدمن بذات القاعة، باستثناء واحدة، كن يوصلنها إلى القاعة ثم يعدن لتأدية امتحاناتهن.
وتؤكد ديما أنها وشقيقاتها أصررن على إتمام حفظ القرآن الكريم قبل دخولهن صفهن الثاني عشر وخوض امتحان الثانوية العامة، وتقول: "لقد أتممنا حفظ القرآن العام الماضي، بعدما حفظناه على فترات منذ الصف السابع الأساسي، وكرمنا من قبل مركز عبد الله بن مسعود العام في قريتنا العام الماضي، أنا أعتقد أن من يحفظ القرآن سيوفقه الله في دراسته".
التحفيز نحو الوصول للهدف
بالنسبة لسوزان شنيطي، فإنها عاشت لحظات صعبة خلال سنة كاملة، لكن التعب زال بعد إعلان نتائج الثانوية العامة، الخميس، وتأمل دراسة الهندسة المعمارية التي تحبها.
وتوضح أن وجود شقيقاتها بجانبها كان يخفف عنها، "لقد كنا دوماً إلى جانب بعضنا، متحفزات، وطاردات لكل الطاقة السلبية، نحفز بعضنا حتى نفهم المسألة الدراسية التي تصعب على إحدانا، غالباً نعتمد على شرح المعلمات، وفي بعض الأحيان نناقش المسألة بيننا، وإن لم نتمكن نذهب إلى الإنترنت أو لمدرس خاص، نحن نريد أن نصل لهدفنا، وأن نتأقلم مع أي صعوبات جديدة"، توضح سوزان لـ"العربي الجديد".
وتشير إلى أنها وجدت صعوبة في اجتياز الامتحانات في قاعة أخرى غير قاعة شقيقاتها الثلاث، فقد تعودت أن تكون معهن، لكنها تمكنت من ضبط أي عامل نفسي قد يؤثر عليها، وتقول: "يجب أن أجرب كل جديد، وأن أتغلب على كل الصعاب، فالمحاولة مهمة جداً، العام الماضي، سطرنا هدفاً لإتمام حفظ القرآن وأن نرضي ربنا، كنا ندعو الله دوماً أن يوفقنا في دراستنا ويحقق أمنياتنا بالنجاح والتفوق".
رزان حلم بالطب أو الهندسة
أصغر التوائم رزان، لم تقرر بعد دراسة تخصصها في الجامعة، هي الآن ستعكف على وضع خطة لمستقبلها، لكنها ترغب إجمالاً بدراسة الطب أو الهندسة، وهي سعيدة لأنها أتمت الثانوية العامة، وتقول لـ"العربي الجديد": "هناك موادّ دراسية صعبة وطويلة، لكن يجب أن نصل إلى الهدف الذي نريد".
وتؤكد رزان أنها وضعت وشقيقاتها العام الماضي، هدفاً بحفظ القرآن الكريم وقد حققنه، وهو أفضل أمر تعدّه لآخرتك، وتقول: "الآن حققنا هدفنا الآخر بالجدّ والاجتهاد، يجب أن لا نيأس وأن نتغلب على الصعوبات من أجل أن نستمر".
حينما رفضت الأم إجهاض حملها
عام 2001 حملت نجاح شنيطي "أم إياد"، بتوائمها الأربعة بشكل طبيعي، كان الأطباء يخبرونها بوجوب إجهاض اثنتين منهن خشية أن يصبن بإعاقات، لكن الأم أصرّت على إبقائهن، موضحة لـ"العربي الجديد": "لقد رفضت إجهاضهن، وأخبرت الأطباء أنني متوكلة على الله، بعد ولادتهن خرجن سليمات بحمد الله، وها هي الفرحة اليوم تكتمل، لقد شعرت بفرحة أكبر من تلك التي كانت لحظة ولادتهن".
بعد انضمام التوائم الأربعة لعائة مكونة من اثنين من الأبناء وأربع بنات، أصبح عدد العائلة عشرة، وكان الاهتمام بالتوائم الأربعة بادياً على الجميع، تساعد البنات والأبناء والدهم في الاهتمام بهن، أما الأم فقد حرصت أن يكنّ متشابهات في كل شيء إلى حد ما، في اللباس والطعام والشراء والألعاب وفي كل شيء لغاية الصف الثامن، واليوم يتشابهن بالتفوق أيضاً، وتقول "أم إياد": "توائمي يدرسهن الثانوية العامة لوحدهن، فقط في بداية دراستهن وهن طفلات درّستهن شقيقاتهن، ثم انطلقن نحو الدراسة".
"أم إياد" التي تسكن في منزل بالإيجار، وزوجها يعاني عدة أمراض ولا يعمل حالياً، تمكنت من تربية أبنائها، وهي وصلت في دراستها للصف السادس فقط، كانت أمنيتها أن يتفوق أبناؤها وبناتها، وتجد فيهن العوض عن الدراسة التي لم تتمكن من إكمالها، لذا فهي الآن تتمنى أن تتبناهنّ إحدى الجامعات الفلسطينية وتقدم لهن منحاً دراسية في مجال الطب والهندسة.