لا بدّ لمفتاح أرض كنعان في الحيّ الثقافي كتارا في العاصمة القطرية الدوحة، أن يلفت الأنظار. كيف لا وقد دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية، هو الذي يرمز إلى البيت الفلسطيني وأرض فلسطين العربية وحلم العودة.
في مقابل المطعم الذي سُمِّي "أرض كنعان" في كتارا في العاصمة القطرية الدوحة، مفتاحٌ دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية. وشهد المسرح المكشوف في "كتارا" تدشين مفتاح "أرض كنعان" في حفل شارك فيه الفنان الفلسطيني محمد عساف يوم 15 مايو/ أيارعام 2016، تزامناً مع الذكرى الـ68 للنكبة التي طاولت أكثر من 750 ألف فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم. وعن الفكرة، يقول صاحبها والشريك في مطعم "أرض كنعان" وسام سويلم، لـ"العربي الجديد"، إنها نبعت من الرغبة في إبداع شيء مرتبط بمطعم أرض كنعان، الذي يقدم المأكولات الفلسطينية كما كانت تعدها وتقدمها الجدات، وبما يذكّر بفلسطين وشكلها قبل الاحتلال. فكان المفتاح مربط الفرس برمزيته للبيت الفلسطيني وأرض فلسطين العربية وحلم العودة. فليس أكثر دلالة من المفتاح الذي يشير إلى أرض كنعان المرتبط بالعودة إلى الدار والضيافة والطعام الفلسطيني الحقيقي، وقد كتبت على المفتاح أسماء العديد من المدن والبلدات الفلسطينية. يضيف: "بعد الاستقرار على الفكرة، بدأنا تصميم أكبر مفتاح، واستوحيناه من مفتاح الدار، واستغرق صنعه مدة شهرين ونصف شهر، وذلك في أحد المصانع في المدينة الصناعية في قطر".
وحطَّم المفتاح الذي أشرفت على صناعته شركة "دلتا فابكو القطرية" الرقم العالمي المسجل لمفتاح قبرص عام 2006 بطول 5.5 أمتار، اذ بلغ طول مفتاح أرض كنعان 7.8 أمتار، فيما بلغ وزنه 2.7 طن، وعرضه 2.8 أمتار، ويعتبر الأكبر في العالم، وقد استوفى كل الشروط الخاصة لإنجاز هذا الرقم القياسي.
وحول رمزية هذا المفتاح ودلالات وجوده في الدوحة، يقول نائب السفير الفلسطيني في قطر، يحيى الآغا، لـ"العربي الجديد": "لا بد من العودة إلى الوراء لاستذكار التاريخ الأسود الذي شرّد الشعب الفلسطيني من بيته بفعل آلة الحرب التي مارسها المغتصب للأرض بممارسة أشد وسائل القتل، وهي حرق البيوت بمن فيها دون رحمة. ولم يجد الفلسطيني بُداً من الهرب من بيته حاملاً مفتاح البيت على أمل العودة إليه بعد هدوء الأوضاع، فمنهم من انتقل للعيش في قرى مجاورة، وآخرون توزعوا على الدول المجاورة الأقرب إليهم، فاحتضنتهم كل من سورية ولبنان والأردن وقطاع غزة، ومنهم من هاجر إلى مصر والعراق".
ويوضح الآغا أن المفتاح لم يكن إلا رمزاً من رموز التراث الفلسطيني، وضعته المرأة الفلسطينية في رقبتها خوفاً من الضياع، وحتى لا يستطيع أن يقترب منه أحد، ووضعه الرجل في جيبه كي لا تمتد إليه الأيادي لسرقته، وخرج معظم الفلسطينيين من بيوتهم حاملين هذا الرمز الفلسطيني الذي تحوّل فيما بعد إلى جزء من مكوّن الشاعر والأديب والممثل والفنان، فنوعوا في إبرازه بالشكل الذي يحفظ لهذا المفتاح توهجه مهما مرّت السنوات عليه، هو الذي يسلَّم من جيل إلى جيل.
ولماذا وضع أمام أحد المطاعم في "كتارا" الذي يحمل اسم أرض كنعان؟ يقول الآغا إنه قبل الوصول إلى سبب التسمية، لا بد من الاستعانة بالتاريخ والتراث، فنجد أن الكنعانيين، وهم العرب، قد نسبوا هذه التسمية إلى أرض فلسطين، فهي تعني الأرض المنخفضة. وبنوا عدّة مدن أطلقوا عليها مسميات ما زالت قائمة، منها عكا، وغزة، وأسدود، كذلك بنى اليبوسيون الكنعانيون (من سكان بلاد الشام) مدينة القدس التي سُميت يبوس نسبةً إليهم.
والمفتاح يعني الهجرة القسرية من البيت الفلسطيني المجبول برائحة الوطن، ويعني الأمل في العودة، ويعني الحق الفلسطيني، ويعني البندقية الحقيقية في يد كل فلسطيني، ويعني أنني سأعود يوماً إلى بيتي، برتقالي وزيتوني، وأرضي وسمائي، بحسب الآغا.
اقــرأ أيضاً
ولماذا الحيّ الثقافي في الدوحة؟ ربما كلّ من يقرأ كلمة الحيّ الثقافي ومفتاح العودة، لا بد أن يستشعر أن هذا المكان يزخر بما هو تراثي أصيل، سواء المادي أو المعنوي، بحسب الآغا. من هنا، يضمّ الحيّ الثقافي ثقافات متنوعة. ويضمّ الحيّ حرفاً وفنوناً مختلفة تعكس ثقافات دول العالم، عدا عن التنوع في الفعاليات الثقافية الدينية والوطنية والقومية والفكرية، إضافة إلى المأكولات المختلفة التي تعكس ثقافة الدول والشعوب المختلفة. فجاءت فكرة مطعم أرض كنعان الفلسطيني. وحتى تكتمل صورة الفلسطيني أمام أي سائل عن المطعم أو راغب في زيارة الحيّ الثقافي، لا بد وأن يسأل عن رمزية هذا المفتاح، يقول الآغا. ويتابع أن للمفتاح قصة يرويها المفتاح نفسه. ففي عام 1948 هُجّر صاحب المفتاح من أرضه، واغتصبت كل حقوقه، وطرد بوسائل مختلفة من قِبل عصابات جاءت بالسفن من الشرق والغرب لتحتل المكان، ولتمنح الأراضي والبيوت لمن لا يستحقها. حملني صاحب الدار معه وحملتني مالكة العقار إلى حيث ألقت بنا النازلة والمصيبة، منتظراً صاحب الدار ليحملني مرة ثانية لأفتح له الباب عائداً إلى الوطن الذي ترعرع فيه، وبيته الذي يضمّ ذكريات الآباء والأجداد.
ويرى الآغا أن المفتاح رمز للأمل بالعودة مهما امتد الزمن، ورمز للحق في الأرض التي هُجّر منها الفلسطيني، ورمز للبقاء على هذه الأرض لديمومتها، ورمز إلى أن الأجيال الجديدة لن تنسى حقها في أرضها التي اغتُصبت منها، ورمز للسلام الذي سيعمّ العالم أجمع عندما يعود الحق إلى أصحابه.
وحين فكر الشريك في المطعم، في أن ينقل ثقافة المطبخ الفلسطيني إلى الحيّ الثقافي كتارا أسوة بباقي الثقافات، فكّر في أن يحمل رمزاً فلسطينياً ليكون شاهداً حيّاً على النكبة، وليكون جزءاً من مكوّن هذا المطعم. فأقرب ما يرتبط بكلمة أرض كنعان أي الأرض الفلسطينية هو المفتاح. فالرابط بينهما يرتكز على بُعد إنساني، لكن بأسلوب حضاري يعكس اللغة المستخدمة في كتارا، الواجهة الثقافية الرئيسة في دولة قطر.
اقــرأ أيضاً
ويشير الآغا إلى أن سفارة فلسطين في الدوحة شاركت في افتتاح هذا المطعم، لا كضيف، بل كجزء من منظومة الحدث الفريد من نوعه في قطر، التي تهتم بترسيخ مفاهيم ثقافية وتراثية لكل دول العالم وشعوبه من خلال الحيّ الثقافي. ويرى أن دلالة المفتاح ليست لفلسطين، بل لكل إنسان حر يجد في مفتاح بيته ملجأً وملاذاً وحماية وترسيخ حق من حقوق الإنسان الطبيعية، ليشهد أن صاحب الحق في المفتاح مشرَّد وينتظر العودة ليحمله معه إلى وطنه فلسطين.
وحطَّم المفتاح الذي أشرفت على صناعته شركة "دلتا فابكو القطرية" الرقم العالمي المسجل لمفتاح قبرص عام 2006 بطول 5.5 أمتار، اذ بلغ طول مفتاح أرض كنعان 7.8 أمتار، فيما بلغ وزنه 2.7 طن، وعرضه 2.8 أمتار، ويعتبر الأكبر في العالم، وقد استوفى كل الشروط الخاصة لإنجاز هذا الرقم القياسي.
وحول رمزية هذا المفتاح ودلالات وجوده في الدوحة، يقول نائب السفير الفلسطيني في قطر، يحيى الآغا، لـ"العربي الجديد": "لا بد من العودة إلى الوراء لاستذكار التاريخ الأسود الذي شرّد الشعب الفلسطيني من بيته بفعل آلة الحرب التي مارسها المغتصب للأرض بممارسة أشد وسائل القتل، وهي حرق البيوت بمن فيها دون رحمة. ولم يجد الفلسطيني بُداً من الهرب من بيته حاملاً مفتاح البيت على أمل العودة إليه بعد هدوء الأوضاع، فمنهم من انتقل للعيش في قرى مجاورة، وآخرون توزعوا على الدول المجاورة الأقرب إليهم، فاحتضنتهم كل من سورية ولبنان والأردن وقطاع غزة، ومنهم من هاجر إلى مصر والعراق".
ويوضح الآغا أن المفتاح لم يكن إلا رمزاً من رموز التراث الفلسطيني، وضعته المرأة الفلسطينية في رقبتها خوفاً من الضياع، وحتى لا يستطيع أن يقترب منه أحد، ووضعه الرجل في جيبه كي لا تمتد إليه الأيادي لسرقته، وخرج معظم الفلسطينيين من بيوتهم حاملين هذا الرمز الفلسطيني الذي تحوّل فيما بعد إلى جزء من مكوّن الشاعر والأديب والممثل والفنان، فنوعوا في إبرازه بالشكل الذي يحفظ لهذا المفتاح توهجه مهما مرّت السنوات عليه، هو الذي يسلَّم من جيل إلى جيل.
ولماذا وضع أمام أحد المطاعم في "كتارا" الذي يحمل اسم أرض كنعان؟ يقول الآغا إنه قبل الوصول إلى سبب التسمية، لا بد من الاستعانة بالتاريخ والتراث، فنجد أن الكنعانيين، وهم العرب، قد نسبوا هذه التسمية إلى أرض فلسطين، فهي تعني الأرض المنخفضة. وبنوا عدّة مدن أطلقوا عليها مسميات ما زالت قائمة، منها عكا، وغزة، وأسدود، كذلك بنى اليبوسيون الكنعانيون (من سكان بلاد الشام) مدينة القدس التي سُميت يبوس نسبةً إليهم.
والمفتاح يعني الهجرة القسرية من البيت الفلسطيني المجبول برائحة الوطن، ويعني الأمل في العودة، ويعني الحق الفلسطيني، ويعني البندقية الحقيقية في يد كل فلسطيني، ويعني أنني سأعود يوماً إلى بيتي، برتقالي وزيتوني، وأرضي وسمائي، بحسب الآغا.
ولماذا الحيّ الثقافي في الدوحة؟ ربما كلّ من يقرأ كلمة الحيّ الثقافي ومفتاح العودة، لا بد أن يستشعر أن هذا المكان يزخر بما هو تراثي أصيل، سواء المادي أو المعنوي، بحسب الآغا. من هنا، يضمّ الحيّ الثقافي ثقافات متنوعة. ويضمّ الحيّ حرفاً وفنوناً مختلفة تعكس ثقافات دول العالم، عدا عن التنوع في الفعاليات الثقافية الدينية والوطنية والقومية والفكرية، إضافة إلى المأكولات المختلفة التي تعكس ثقافة الدول والشعوب المختلفة. فجاءت فكرة مطعم أرض كنعان الفلسطيني. وحتى تكتمل صورة الفلسطيني أمام أي سائل عن المطعم أو راغب في زيارة الحيّ الثقافي، لا بد وأن يسأل عن رمزية هذا المفتاح، يقول الآغا. ويتابع أن للمفتاح قصة يرويها المفتاح نفسه. ففي عام 1948 هُجّر صاحب المفتاح من أرضه، واغتصبت كل حقوقه، وطرد بوسائل مختلفة من قِبل عصابات جاءت بالسفن من الشرق والغرب لتحتل المكان، ولتمنح الأراضي والبيوت لمن لا يستحقها. حملني صاحب الدار معه وحملتني مالكة العقار إلى حيث ألقت بنا النازلة والمصيبة، منتظراً صاحب الدار ليحملني مرة ثانية لأفتح له الباب عائداً إلى الوطن الذي ترعرع فيه، وبيته الذي يضمّ ذكريات الآباء والأجداد.
ويرى الآغا أن المفتاح رمز للأمل بالعودة مهما امتد الزمن، ورمز للحق في الأرض التي هُجّر منها الفلسطيني، ورمز للبقاء على هذه الأرض لديمومتها، ورمز إلى أن الأجيال الجديدة لن تنسى حقها في أرضها التي اغتُصبت منها، ورمز للسلام الذي سيعمّ العالم أجمع عندما يعود الحق إلى أصحابه.
وحين فكر الشريك في المطعم، في أن ينقل ثقافة المطبخ الفلسطيني إلى الحيّ الثقافي كتارا أسوة بباقي الثقافات، فكّر في أن يحمل رمزاً فلسطينياً ليكون شاهداً حيّاً على النكبة، وليكون جزءاً من مكوّن هذا المطعم. فأقرب ما يرتبط بكلمة أرض كنعان أي الأرض الفلسطينية هو المفتاح. فالرابط بينهما يرتكز على بُعد إنساني، لكن بأسلوب حضاري يعكس اللغة المستخدمة في كتارا، الواجهة الثقافية الرئيسة في دولة قطر.
ويشير الآغا إلى أن سفارة فلسطين في الدوحة شاركت في افتتاح هذا المطعم، لا كضيف، بل كجزء من منظومة الحدث الفريد من نوعه في قطر، التي تهتم بترسيخ مفاهيم ثقافية وتراثية لكل دول العالم وشعوبه من خلال الحيّ الثقافي. ويرى أن دلالة المفتاح ليست لفلسطين، بل لكل إنسان حر يجد في مفتاح بيته ملجأً وملاذاً وحماية وترسيخ حق من حقوق الإنسان الطبيعية، ليشهد أن صاحب الحق في المفتاح مشرَّد وينتظر العودة ليحمله معه إلى وطنه فلسطين.