يتشارك اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات لبنان البؤس نفسه. وتعاني البنية التحتية للمخيمات من فوضى كاملة في كافة أقسامها. وفي مخيم برج البراجنة، في الضاحية الجنوبية لبيروت، يعاني الأهالي منذ زمن بعيد من مشكلة أسلاك الكهرباء الممددة بشكل عشوائي وخطير.
في السنوات الأخيرة، وقع العديد من حالات الوفاة بسبب تلك الأسلاك. وآخرها مقتل عاملين سوريين صعقاً هذا العام بالذات بعد احتكاك الأسلاك مع مواسير المياه.
وعن مثل هذه الحوادث، يقول علي خالد الذي فقد والده البالغ من العمر 46 عاماً في إحداها لـ "العربي الجديد": "لامست أشرطة الكهرباء رأس والدي فقتل على الفور خلال عمله بإحدى الورش داخل المخيم. مر على وفاته أربعة أعوام ولم تغيّر الحادثة شيئاً في البؤس الذي نعيشه". ويتابع: "الأطفال يتجنبون اللعب في الباحات خوفاً من التعرض لحادث مماثل، فنحن نعيش تحت رحمة تلك الأسلاك القاتلة".
من جهته، يقول الكهربائي أبو حسين، أحد سكان المخيم، لـ "العربي الجديد": "نعاني من مشكلة الكهرباء في المخيم منذ زمن بعيد ولا أحد يبالي بنا. صحيح أنّنا تأقلمنا مع الفقر، لكنّ مشهد أسلاك الكهرباء المتشابكة مخيف، ووضعها كذلك خطير جداً. أولادنا محرومون من اللعب على الأسطح وفي الأزقة لأننا نخاف عليهم من أن تلك الأسلاك منتشرة في كلّ زاوية وحائط".
وعن مخاطر تلك الأسلاك، يقول أبو حسين: "قد تصعق فجأة أحد المارة. والمشكلة الأساسية أنّها تتشابك مع مواسير المياه. كما أنّها ممددة بشكل عشوائي في الهواء وعلى علو منخفض، ما يدفع الشخص للمشي بشكل متعرج من أجل تفاديها والوصول إلى مقصده".
يتابع: "المشكلة تكمن في ترتيب الأسلاك وتنظيمها. فعندما يكون سلك الكهرباء ساخناً تذوب حمايته ويلتصق معدنه بماسورة المياه، ما يؤدي إلى الاحتكاك، وهو ما يؤدي إلى صعق أيّ شخص يلمس الماسورة، لا السلك فقط". ويضيف: "بهذه الطريقة، تصبح بيوت كاملة من الأسمنت مكهربة. فلا نعود نستطيع مدّ أيدينا إلى الجدران خوفاً من الصعق".
يقول أبو حسين: "المخيم بحاجة الى صيانة وإعادة تأهيل بالكامل". ويشير إلى أنّ صناديق الكهرباء التي اعتمدتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لتقليص المخاطر، لم تعط نتيجة فعالة. ويفسر أنّ "لكل 15 بيتاً صندوقاً واحداً يوضع على حائط أحد المباني، ما يقلق أهالي المبنى ويدفعهم لرفض وضعه لديهم لأنه غير آمن".
يشير أبو حسين إلى أنّ "من المفترض وضع الصندوق على عمود طويل بعيداً عن متناول أيّ كان في الأزقة. لكن نظراً لعدم وجود مساحات كافية لتطبيق الفكرة ولتلاصق الأبنية العشوائية داخل المخيم، لم يجد المعنيون بداً من وضعه على جدران المباني".
وعن عمله في صيانة ما يعطل من خطوط، يقول أبو حسين: "لا أجرؤ على صيانة كل الأعطال. فأنا لا أريد أن أموت بسبب إهمال المسؤولين والبلد المضيف لنا، وحرماننا من أبسط حقوقنا بالعيش في كرامة واطمئنان". يبرر: "حتى الخشب المضاد للكهرباء يقتل كالحديد، بسبب قوة التيار في تلك الأسلاك". وعن الحوادث الأخيرة، يقول: "نسمع صوت التماس الكهربائي أحياناً أشبه بانفجار. قبل شهرين قتل شابان سوريان كانا يعملان في ورشة بناء داخل المخيم بصعقة كهربائية".
ومن الأسماء التي يحفظها أهل المخيم لهؤلاء الضحايا رباح خليل، ومحمد صبحي أبو عرب، وأحمد غضبان، وجمال عدنان حسين، ومحمد عسيلي، ونبيل عرب، وخالد يوسف.
قبل سبعينيات القرن الماضي، كان المخيم مجهزاً بعدادات للكهرباء (ساعات) تتعهدها "شركة كهرباء لبنان". وقد بلغ عدد الساعات 480. لكن، وكنتيجة للحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، بدأت حركة الإعمار في المخيم تتزايد. ويتكاثر معها عدد السكان، ما أدى إلى حدوث أزمة، خصوصاً أنّ الدولة اللبنانية غابت عن المخيم.
في المقابل، يؤكد أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم برج البراجنة أبو بدر، أنّ أكثر من 44 حالة وفاة حصلت في المخيم في السنوات العشر الأخيرة، بسبب تماس في الكهرباء. وتتراوح أعمار المتوفين بين 20 عاماً و46. كما تختلف جنسياتهم ما بين فلسطيني وسوري.
يقول أبو بدر إنّ حلّ مشكلة الكهرباء في المخيم وأسلاكها القاتلة "يكمن بتنظيم العلاقات بين المخيم والحكومة، والاتفاق على مبدأ أساسي وجوهري يتمثل باعتبارنا ضيوفاً إلى حين مجيء وقت الرحيل والعودة الى فلسطين المحتلة إنطلاقاً من مقررات الجامعة العربية. وبالتالي لا بد من تحديث الحوار مع الحكومة وتحديد واجبات اللاجئ تجاه الدولة المضيفة وحقوقه منها".
وعن دور الأونروا، يقول إنّها "معنية فقط بالمياه فقط باعتبارها حاجة أساسية. أما الكهرباء فتعتبرها الوكالة غير أساسية. لكن كيف يمكن للطالب إتمام واجباته المدرسية من دونها؟".
ومع ذلك، لا يخفي أبو بدر تحميله مسؤولية الوضع الحالي للاجئ الفلسطيني أيضاً. ويقول: "أسلاك الكهرباء والهاتف والإنترنت، كلّها متصلة ببعضها البعض، ولا أحد يردّ على تمنياتنا بوجوب تنظيمها".