تبدو حياة أكثر من 22 ألفاً و952 مصاباً بنقص المناعة المكتسب (الإيدز) في السعودية، صعبة إلى درجة كبيرة. بالإضافة إلى المرض بحدّ ذاته، تفرض عليهم عزلة اجتماعية ، هي اختياريّة غالباً، تجنّباً لنظرات العار والخوف التي تلاحقهم في كل مكان، بغض النظر عن الأسباب التي أدّت إلى إصابتهم به.
ورغم التدابير المتّخذة من قبل الجهات الصحيّة في السعوديّة، تزداد نسبة الإصابة بالمرض. وبعدما كان عدد المصابين به في العام الماضي نحو عشرين ألفاً، كشفت آخر إحصائيّة أعدّتها وزارة الصحة السعودية أن عدد الحالات المصابة بالإيدز في السعودية بلغ 22 ألفاً و952، منها 6770 سعودياً و16 ألفاً و182 من جنسيات أخرى. وفي العام الماضي، اكتشف 1191 إصابة جديدة، من بينها 436 سعوديّاً و755 من غير السعوديّين، وسط مخاوف حقيقيّة من كشف حالات جديدة، بسبب إدراج فحص الإيدز ضمن فحوص ما قبل الزواج الإلزامية.
ويؤكّد المشرف العام على مركز الأمير سلمان لأمراض الكلى، محمد العومي، أنّ عدد المرضى في السعودية في ارتفاع، وزاد في عام 2015 بنسبة 27 في المائة، مقارنة مع الحالات المكتشفة في عام 2012. ويمثّل الرجال نسبة 98.5 في المائة من المصابين، لافتاً إلى أنّ "العلاقات الجنسيّة من دون وقاية تشكّل نحو 94 في المائة من الإصابات في السعودية، فيما يؤدي تعاطي المخدرات من خلال إبر غير نظيفة إلى 3 في المائة من الإصابات، ويصاب نحو 2 في المائة من الأجنّة من خلال أمهاتهن".
ورغم تزايد نسبة الحالات المصابة بالمرض، تشدّد وزارة الصحة على أنّها حقّقت نجاحات كبيرة، من خلال تطوير قدراتها الوقائية والعلاجية واكتشاف الحالات مبكراً، وبدء العلاج، وهو أمر كان سيؤدي إلى إصابات أكبر. يشير أيضاً إلى توفير الرعاية النفسيّة وتأهيل المصابين وعائلاتهم. لذلك، خصّصت الوزارة 11 مركز علاج في كل من الرياض، وجدة، ومكة، والطائف، وعسير، وجازان، والدمام، والمدينة المنورة. ويقدّر عدد المراكز بنحو 150، ولا يقتصر دورها فقط على العلاج الطبي. علماً أن كلفة علاج المريض سنوياً تقدر بأكثر من 100 ألف ريال (نحو 27 ألف دولار) تتكفل بها الدولة بالكامل، بالإضافة إلى تنفيذ برامج ونشاطات خاصة للمصابين والفئات الأكثر عرضة للإصابة بالمرض، بهدف الحد من شعورهم بالعزلة، تحت شعار "الكرامة فوق كل اعتبار".
ومؤخّراً، أطلقت الوزارة برنامجاً يهدف إلى تزويج مرضى الإيدز، وكانت النتيجة 460 حالة زواج، وإنجاب ثلاثين طفلاً. إلّا أنّ هذه الخطوات تبقى ناقصة، كونها لم تتطرّق إلى الجانب الأهم، وهو نظرة المجتمع التي ما زالت ترى أن مريض الإيدز ارتكب ذنباً لا يُغتفر، ولا بدّ من معاقبته عليه.
وفشلت خطط الوزارة في دمج المصابين بالمرض في المجتمع، لأنّ كثيرين يفضّلون الابتعاد عن محيطهم، هرباً من النظرة السلبية والاحتقار التي تلاحقهم. وتعترف مديرة برنامج الإيدز في وزارة الصحة السعودية والمشرفة على قسم المناعة، سناء فلمبان، أنه "ما زالت هناك نظرة غير مقبولة للمصابين بالإيدز، ولا يؤخذ في الحسبان أن من بين هؤلاء أطفالاً ونساء انتقلت إليهم العدوى بطرق أخرى غير الاتصال الجنسي المحرم". وتقول: "رغم أنه ليست هناك قوانين في السعودية تمنع المصاب من الدراسة أو العمل، لكن هؤلاء محرومون من كل ذلك، بسبب الخوف من انتقال المرض إلى آخرين. وعندما يعلم أحد أن شخصاً ما مصاب بالإيدز، يبدأ في الابتعاد عنه وتحاشيه".
في هذا السياق، تؤكّد الباحثة الاجتماعيّة أماني العمر أن الإصابة بالإيدز، في بلد محافظ مثل السعودية، تعني النهاية. تقول لـ"العربي الجديد": "عدا عن أنه مرض مؤلم، يعاني المريض من نظرة دونية، حتى من أقرب الناس إليه". تضيف أن خطط وزارة الصحة لدمج المصابين في المجتمع لم تنجح تماماَ، ولم يصدق الناس بعد أن هناك أدوية لهذا المرض. ويعتقد كثيرون أنه معد، وذلك لأن الوزارة سعت إلى إيصال الرسالة بشكل متسرّع ومن دون تخطيط دقيق لها".
إلى ذلك، تسرّعت الوزارة في خطوة دمج مرضى الإيدز، وقررت إغلاق مستشفى الملك سعود في جدة (غرب السعودية) الذي كان يعالج أكثر من ثلاثة آلاف مصاب بالمرض، لأنّه لم يؤمّن لهم الخصوصيّة التي يحتاجونها. في هذا السياق، يؤكّد محمد، وهو أحد المصابين بالإيدز، أنّ المرضى منبوذون في مجتمعهم، حتى باتوا يشكّلون مجتمعاً خاصاً بهم. ويقول لـ "العربي الجديد": "المرض قاسٍ لا يرحم، والمجتمع أشد قسوة منه. ابتعد عنّي أقرب الناس. حتى عائلتي باتت تتصرف معي وكأنّني جرثومة قاتلة. لذلك، قرّرت الابتعاد عنهم، والعيش بمفردي".