تجذب واحات موريتانيا السياح والزائرين في مثل هذه الفترة من كل عام، أي في موسم أشهى أنواع البلح والتمر والرطب. ويحرص الموريتانيون على نصب الخيم بالقرب من مزارع النخيل في شهرَي أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول، في موسم "القيطنة" للاستفادة من الإنتاج الطازج، وسط مزارع النخيل الساحرة بعيداً عن المدينة وصخبها وروتينها.
تضم منطقة أدرار في وسط موريتانيا، أبرز وأكبر مزارع النخيل في البلاد، تلك التي تنتج تموراً ذات جودة عالية. ولعلّ الصعوبات التي يواجهها المزارعون في تعبئة التمر المحلي وتسويقه، تجعل السكان والسياح يستفيدون من أجود أنواعه وبأسعار متدنية جداً. أما في مواسم الوفرة، فيمنح المزارعون الزائرين حقّ الاستفادة مما تنتجه تلك المزارع مجاناً.
تمتدّ واحات النخيل في منطقة أدرار على مساحة قدرها 1876 هكتاراً، أي ما يشكّل نصف مساحة واحات النخيل في البلاد. ويقدّر عدد واحات الولاية بنحو 53 واحة موزّعة على مدن أطار وشنقيط ووادان وأوجفت، وهي تنتج أنواعاً مختلفة من التمر. أما إنتاجها السنوي فيتجاوز 17 ألف طن.
يطلق الموريتانيون على فترة التخييم على مقربة من مزارع النخيل، اسم "موسم القيطنة". ويرتفع الإقبال على الاصطياف في الواحات وبالقرب من مزارع النخيل في هذا الموسم، للاستفادة من التمور والبلح والمناخ الجاف المسيطر هناك، والذي يفيد الجسم ويشفي من الأمراض.
صفية بنت المعيوف ربّة منزل، ترى أن "الإقامة في الواحات في موسم القيطنة تساعد على الشفاء من بعض الأمراض، بالإضافة إلى الهروب من ضغوط المدينة. كذلك هي تفيد في ربط المواطنين بتراث أسلافهم وتعزيز الصلات ما بين الأهل من خلال التجمعات العائلية التي تميّز الحياة في ضيع النخيل". وتشير إلى أن هذا الموسم يمتدّ في بعض المناطق طوال فصل الصيف، إلا أن ذروته هي في شهر أغسطس/ آب حيث تنضج الثمار ويكون موسم القطاف في أوجه ويعرض المزارعون محاصيلهم.
اقرأ أيضاً: موريتانيات يحيين الصناعة التقليديّة
وتؤكد بنت المعيوف على تمسّكها بالتخييم في واحات أدرار، "للاستفادة من مزايا موسم القيطنة واسترجاع نمط حياة الأجداد. نحن نحرص على العودة إلى البساطة ونمط حياة الأسلاف الذين كان غذاؤهم بأكثره يرتكز على التمر والبلح في هذه الفترة من العام. كذلك، كانت خيمهم وفرشهم تصنع من سعف النخيل بالإضافة الى الأواني التقليدية".
تنشط الحركة السياحية في المدن والبوادي القريبة من الواحات الداخلية، فيزور واحات النخيل آلاف الموريتانيين الذين يتركون مدنهم ويتوجهون إلى البوادي والواحات الخضراء. هذا موسم لمّ الشمل والتجمع العائلي والاستفادة من وفرة التمر والبلح والرطب.
بالنسبة إلى محمد عبد الله ولد اعلي الذي يملك مزرعة للنخيل، فإن "التمر هو غذاء وفاكهة ودواء بالنسبة إلى عدد كبير من الموريتانيين الذين يحرصون على الإقامة بالقرب من الواحات وتناول كميات كبيرة من التمر والرطب يومياً وفي أوقات مختلفة من اليوم، للاستفادة من الثمر الطازج". ويشير إلى أن محصول هذه السنة يانع وذو جودة عالية، بفضل الأمطار التي روت المنطقة في بداية هذا العام، بالإضافة إلى وفرة العيون المائية التي يعتمد عليها المزارعون لريّ أشجار النخيل في فترات معينة من العام.
إلى ذلك، توفّر الأسواق الشعبية في المدن الموريتانية عيّنات مختلفة من التمر والرطب، للذين لا يحظون بفرصة السفر إلى الواحات. وتعرض الدكاكين والبسطات في الأسواق الشعبية بواكير محاصيل التمر وعراجين البلح وصناديق التمر بطريقة مغرية. والموريتانيون الذين يقصدون الواحات ولو لأيام قليلة، يحاولون الاستفادة من مزايا موسم القيطنة وشراء كميات كبيرة من التمر والرطب لتخزينها أو إهدائها بعد عودتهم إلى المدينة.
لنحمِ الواحات من التصحّر
في موسم "القيطنة"، تنظم موريتانيا مهرجانات خاصة بالتمور، تسعى من خلالها إلى التعريف بتراث الواحات وإحياء الفنون والتقاليد المرتبطة به. ويدعو الخبراء إلى حماية واحات النخيل من الجفاف والتصحّر، وإلى دعم المزارعين بتوفير مصانع تعليب وتصدير منتجاتهم. وكانت الحكومة قد عمدت إلى زيادة عدد النخيل بنسبة 5.2% وتسييج 35 واحة على مساحة 5145 هكتاراً، بالإضافة إلى توفير مياه الري وإنشاء السدود.
اقرأ أيضاً: صانعات الألبان في موريتانيا