تعود قضايا الضرب داخل المؤسسات التربوية إلى الواجهة، بعضها لم يفلت خارج أسوار المدرسة، في حين دخل بعضها الآخر أبواب المحاكم الجزائرية.
والمثير في الحوادث داخل المؤسسات التربوية هي قضايا الضرب، والتي يكون ضحيتها التلميذ أحياناً، أو الأستاذ الذي يتعرض للاعتداء من قبل تلميذه أحياناً أخرى.
إحدى تلك القضايا رفعتها أستاذة الرياضيات في ثانوية فضيلة سعدان بمنطقة قسنطينة شرق العاصمة، والتي تحلّت بالشجاعة الكافية لترفع دعوى قضائية ضد طالب في السنة الثالثة والمقبل على امتحان شهادة البكالوريا. القضية جاءت عقب الضرب والتعنيف النفسي واللفظي والجسدي الذي تعرضت له الأستاذة داخل حرم الثانوية، وعدم تحرك الإدارة، على حد تعبيرها لـ"العربي الجديد".
إدارة الثانوية، حسب الأستاذة نورية بن عروق، اكتفت بتوبيخ التلميذ واتخذت موقفاً باهتاً على حد قولها، باعتبار أن التلميذ يمر بظروف قاسية ومقبل على امتحان مصيري في شهر يونيو/حزيران المقبل. لكن الأستاذة تخوفت من ردة فعل الطالب وأصحابه خارج أسوار الثانوية، خصوصاً أنها تلقت تهديدات عنيفة بالقتل، أو على حد قولها "ذبحها"، ما جعلها ترفع دعوى قضائية ضد الطالب المعتدي بهدف تأديبه ومعاقبته، وليكون عبرة لكل من تسول له نفسه بأن يتهجم على أساتذته.
القضية التي تطرقت إليها الأستاذة ليست الأولى من نوعها عبر ولايات الجمهورية الجزائرية، بل هناك قضايا عديدة باشرت إدارات المؤسسات التربوية بالنظر فيها، وغالبا ما يتم إما طرد التلاميذ أو توبيخهم أو إرسال إنذارات لأهاليهم. لكن المواقف التي تمر دون معاقبة التلاميذ المعتدين تجعلهم يتمادون في أفعالهم.
ويقول المتابع للشأن التربوي الإعلامي نصر الدين زاوي لـ"العربي الجديد" إن "الاكتفاء بالتوبيخ لن يغير في الأمر شيئاً، بل يزيد من "شحن التلاميذ" في حال واجهوا انتقادات، أو حصلوا على نقاط سيئة، فغضبهم في هذه الحالة يتحول إلى فعل عنيف ضد أساتذتهم".
قضية أخرى كان ضحيتها التلميذ "ايبا بوبكر" ذو العشر سنوات، والذي تعرض للضرب المبرح بواسطة قضيب من معلمته، ما ترك آثاراً بليغة على جسمه. وحصل على شهادة طبية بالعجز لمدة أسبوع ما دفع بوالده إلى رفع دعوى قضائية في المحكمة، دعمها بالوثائق التي تثبت تعرضه للضرب، لتطرح القضية العديد من التساؤلات.
وسبق لوزارة التربية الجزائرية أن أرسلت تعليماتها إلى مديرياتها عبر الولايات الجزائرية ومنها "منع العقاب البدني من طرف المعلمين والأساتذة لتأديب التلاميذ"، لأنه بحسب التعليمة فإن "العقاب البدني" يمكن أن يتسبب بمشاكل نفسية من شأنها الإضرار بمواصلة التلاميذ دراستهم، ودعت إلى "تفادي معاملة التلاميذ بكلام جارح يمس كرامتهم"، مؤكدة أن ارتكابه من قبل المربين يعد خطأ جسيماً تترتب عليه عقوبات تأديبية صارمة ضد المعلمين.
وأخذ الضرب داخل الحرم التربوي منحى آخر، إذ تفشت الاعتداءات على الأساتذة لفظياً أو جسدياً، ما يفتح الباب على إعادة النظر في القوانين التي تسيّر قطاع التربية. هذا الواقع جعل نقابات التربية في الجزائر تدق ناقوس الخطر، واصفة تفشي الاعتداءات بأنه "انحراف خطير في قطار المنظومة التربوية في الجزائر، على القائمين عليها فتح نقاش مستعجل لمعالجة هذه الظاهرة التي تهدد مسار التعليم في البلاد".