لا يمكن أن يمر المرء في شوارع العاصمة المغربية، الرباط، دون أن يلفت انتباهه شارع محمد الخامس الشهير، وخاصة الساحة المقابلة لمقر البرلمان، إذ تغص بشكل شبه يومي بالمحتجين رجالا ونساء، يفدون من كل حدب وصوب إلى هذا الشارع، لعل أصواتهم وشكاياتهم تصل إلى "من يعنيهم الأمر".
وسمي شارع محمد الخامس، الذي يقع وسط العاصمة الرباط، تيمنا باسم السلطان المغربي الراحل محمد الخامس، جد العاهل الحالي محمد السادس، والذي قضى ردحا من ملكه في فترة الاستعمار الفرنسي للبلاد، قبل أن يقودها إلى الاستقلال عام 1956، ليتوفى بعد ذلك بست سنوات، وتحديدا في 21 فبراير/شباط سنة 1961.
ويشهد شارع محمد الخامس، سواء في الساحة المقابلة لمقر مجلس النواب، أو في ساحة البريد، وفي فضاءات أخرى من ذات الشارع، زخما يومياً من الاحتجاجات ذات الطابع السياسي أو الاجتماعي أو تلك المرتبطة بمطالب فئوية مختلفة.
ويعزى الزخم الكثيف للحراك الذي يعرفه هذا الشارع دون سواه في العاصمة الرباط وفي غيرها من مدن المملكة إلى كونه يرمز إلى الدولة، لضمه عددا من المؤسسات الدستورية، على رأسها مقر البرلمان، فضلا عن مقرات وزارات سيادية.
واتسم شارع محمد الخامس بحراك سياسي واجتماعي كثيف هذه السنة بالخصوص، حيث احتضن العديد من الوقفات الاحتجاجية المناصرة لاحتجاجات الريف، والمطالبة بإطلاق سراح معتقلين على ذمة الأحداث التي شهدتها هذه المنطقة.
الاحتجاجات المؤيدة لحراك الريف، والتي استقطبها شارع محمد الخامس بالرباط، كانت تتجاوز مطلب حرية المعتقلين إلى طرح مطالب سياسية محضة، من قبيل تعديل الدستور، وحل البرلمان، ورحيل الحكومة.
وهذه شعارات لم تُرفع في شارع آخر في البلاد كلها أكثر مما رفعت في شارع محمد الخامس، كما أنها أعادت إلى الأذهان الشعارات القوية، التي عرفها هذا الفضاء العام، بمناسبة احتجاجات حركة 20 فبراير المطالبة بمحاربة الفساد والاستبداد في البلاد.
وكانت احتجاجات حركة 20 فبراير أقوى ما شهده شارع محمد الخامس من حراك شعبي هائل لم يعرف له المغرب منذ استقلاله مثيلا من قبل، من حيث وتيرة وكثافة الاحتجاجات التي واكبت رياح الربيع العربي لسنة 2011.
شارع محمد الخامس استقطب أيضا هذه السنة أكثر من مرة المنافحين عن فلسطين، ومناهضي التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، آخرها وقفة احتجاجية دعت الحكومة إلى سن قانون يُجرم التطبيع مع الصهاينة في مجالات الثقافة والرياضة والبحث العلمي.
وضمّ هذا الشارع الذي يعتبره الكثيرون الرئة السياسية للعاصمة المغربية، احتجاجات ذات طابع سياسي، على سبيل المثال المسيرة الاحتجاجية الحاشدة التي شارك فيها أزيد من مليوني شخص احتجاجا على الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، بسبب وصفه للوضع في الصحراء بالاحتلال.
هذه الاحتجاجات والوقفات والمطالب المتوالية بإرساء الديمقراطية ومحاربة الفساد، دفعت كثيراً من الأحزاب السياسية إلى حث المواطنين للمشاركة فيها، الشيء الذي جعل من هذا الشارع محجاً لسياسيين ونقابيين وفاعلين من مختلف الأطياف والألوان السياسية، إسلاميين وليبراليين ويساريين وغيرهم.
وشكل هذا الشارع المحوري وسط الرباط حاضناً رئيسيًا لأشهر النشطاء الحقوقيين داخل وخارج البلاد، إذ لا تكاد وقفة احتجاجية تمر دون أن تظهر فيها أسماء حقوقيين مغاربة، كما أن الشارع يشهد أحيانا تدخلات أمنية ضد المحتجين، ما يجعله أقرب إلى ساحة معركة بين المحتجين، خاصة الشباب العاطلين عن العمل، وبين رجال الأمن.
ويمكن اعتبار أن هذا الزخم الهائل من الاحتجاجات والمطالب السياسية والاجتماعية والدستورية، التي تصب كلها في شارع محمد الخامس بشكل يومي، قد ساهم بشكل حاسم في التأثير في التحولات السياسية للبلاد، بالنظر إلى أن العديد من القرارات السياسية والحكومة جاءت بتأثير الحراك الذي يشهده شارع محمد الخامس بالخصوص، والذي في جزء هام منه ينطلق بدوره من فضاءات العالم الافتراضي ودعوات الفيسبوك.
دراسة حديثة أنجزها مختبر الأبحاث والدراسات بجامعة محمد الخامس في الرباط تسير في هذا السياق، إذ خلصت نتائجها إلى أن شارع محمد الخامس يعد من بين أهم الفضاءات العمومية، التي تساهم بشكل حاسم في تنشئة الشباب وحثهم على المشاركة المدنية والسياسية في الحياة العامة.
وبحسب الدراسة عينها، فإن شارع محمد الخامس صار بمثابة نواة سياسية واجتماعية وطنية لمختلف مناطق البلاد، بفضل موقعه المحوري وسط العاصمة، وقربه من القصر الملكي والوزارات والسفارات الأجنبية، ومقرات أكبر وسائل الإعلام المغربية والأجنبية.