مع انتشار الفساد في العراق واستفحاله في كافة مؤسسات الدولة، ظهرت للعيان عصابات خاصة تعمل على تهريب المفسدين خارج البلاد، وتوفير الحماية الكاملة لهم وتأمين خروجهم من المطارات بشكل رسمي، الأمر الذي أعاق عمل الجهات الرقابية، ومنح فرصا كبيرة للمفسدين لممارسة فسادهم، بينما تسبب بإصدار مئات الأحكام الغيابية بالمحاكم المختصة.
ووفقاً لتقارير حكومية وأخرى رقابية عراقية، فقد تمكّن من الإفلات من أحكام قضائية تتعلق بالفساد 876 شخصاً خلال السنوات الست الماضية فقط، بينهم وزراء ومدراء عامون، وبلغت قيمة المبالغ التي يقدر ضياعها بسببهم أكثر من ملياري دولار.
ويعكف فريق تحقيق دولي وصل العراق قبل أشهر، بدعوة من الحكومة العراقية، للتحقيق في مصير أكثر من 450 مليار دولار من الأموال، فقدت خلال السنوات الماضية بفعل عمليات فساد كبيرة.
وقال نائب في لجنة النزاهة البرلمانية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك عصابات ومافيات خاصة في البلاد، وعلى مستوى عال جدًا من العلاقات والارتباطات بمؤسسات الدولة، تعمل على تهريب كل من تثار الشكوك حوله أو تثبت إدانته بملفات فساد إلى خارج البلاد حتى في حال صدور أوامر اعتقاله ومنعه من السفر. وبيّن أنّ "هذه العصابات تعمل على توفير الحماية الكافية للمفسدين حال كشف ملفاتهم، وحتى الانتهاء من سفرهم خارج البلاد".
وأوضح النائب الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أنّ "هذه العصابات لديها أذرع ممتدّة في كافة مفاصل الدولة ومؤسساتها، وتتابع الملفات التي تعمل على كشفها اللجان والهيئات الرقابية، وتكشف أسماء الأشخاص المتورطين بتلك الملفات، وتقوم بإبلاغ المتورطين وتعمل على تهريبهم، مقابل أموال طائلة".
وأكد أنّ "أغلب ملفات الفساد تمت تسويتها بهذه الطريقة، ومنها ملف الأدوية الفاسدة الذي كشف عنه أخيرا في مطار بغداد"، موضحا أنّ "تلك العصابات هرّبت الجهات المتورطة وعملت على تعطيل التحقيق في هذا الملف حتى انتهت من تهريب المتورطين به". كما لفت إلى أنّ "ارتباطات هذه العصابات لا تعرف، لكنّها بالتأكيد ترتبط بجهات متنفذة بالدولة، ولا أحد يستطيع الوقوف بوجهها".
وأشار المتحدث إلى أنّ "هذه العصابات أعاقت عمل اللجان والهيئات الرقابية في الدولة، التي تعمل على متابعة وكشف ملفات الفساد، وتسببت بصدور مئات من الأحكام الغيابية ضد أشخاص تم تهريبهم إلى الخارج"، مؤكدا أنّ "لجنة النزاهة البرلمانية وحدها كشفت نحو 13 ملف فساد في مختلف دوائر الدولة، لكن لم يتم اعتقال أي متورط بهذه الملفات، الأمر الذي جعل من عمل الملفات الرقابية غير مجدٍ في البلاد".
من جهتها، ذكرت هيئة النزاهة، في بيان صحافي، أنّها "تعمل على التحقيق في المعلومات التي تردها من المصادر الخاصة بملفات الفساد"، مبينة أنّه "في أغلب الأحيان يكون المتهم هاربا أصلا قبل وصول ملف القضية إلى هيئة النزاهة، كأن يقدم الموظف على الهرب بعد اختلاسه مالا عاما أو تعاطيه رشوة، أو إحداثه ضررا أو تجاوزا على أموال الدولة أو ما شاكل ذلك من تفاصيل القضايا التي تقع ضمن اختصاص الهيئة".
كما أوضحت أنّها "تكون ملزمة بالتحقيق في القضية التي تردها، ومن ثمّ إحالتها للقضاء، بعد استكمال الإجراءات التحقيقية، وتكييف القضية ضمن المادة الحكمية، فهروب المتهم بقضية فساد لا يتيح للهيئة التوقف عن استكمال التحقيق فيها، بل هي ملزمة بالتحقيق فيما يردها من معلومات بغض النظر عن وجود المتهم أو هروبه".
وأشارت إلى أنّها "تنشر الأخبار حول القرارات الصادرة بمقتضى الأحكام الغيابية على الموقع الرسمي، من باب فضح المفسدين وإطلاع الجمهور على أسماء المدانين وجرائمهم، مع وضع إشارة الحجز على أموالهم المنقولة وغير المنقولة".
وفي السياق، أكدت مصادر قضائية صدور مئات الأحكام الغيابية من قبل المحاكم المختصة في البلاد بشأن قضايا الفساد، بينما تستمر المحاكم بمتابعة مئات الملفات التي لم تحسم بعد، في وقت هرب المتورطون فيها خارج البلاد.