تجاهل العمل الذي يؤدّيه الموظّف وعدم تقديره على المدى الطويل، يخلّف لديه شعوراً بنوع من خيبة الأمل، فضلاً عن الإحساس بأنّ صاحب المؤسسة أو المدير لا يكترث لوجوده من عدمه. ويعاني موظفون كثر من ذلك، الأمر الذي يدفع بعضاً منهم إلى التراجع والتوقّف عن تقديم أفضل ما لديهم، حتى إنّ ثمّة موظّفين يبدون رغبة في تقديم استقالاتهم قبل أن يُطردوا. يُذكر أنّ المتخصصين في علم النفس يقولون إنّ الناس، بطبيعتهم، يرغبون في الحصول على ردود فعل واضحة حول ما ينجزونه حتى يتمكنوا من العمل بإيجابية أكبر.
ولأنّه من أكثر الأمور إحباطاً تجاهل عمل جيّد يؤدّيه موظف يُدرك أنّه يستحق الاعتراف بجودة عمله، يمثّل عدم التقدير سبباً أوّلَ لتخلّي الناس عن وظائفهم. وتبيّن دراسة جديدة حول تأثير التقدير أو غيابه في مكان العمل، أنّ نسبة الموظفين الذين قد يقدّمون استقالتهم بسبب تجاهل عملهم تصل إلى 76 في المائة. وتشير أخرى إلى أنّ موظّفَين اثنَين تقريباً من بين كلّ ثلاثة موظفين، على استعداد لتقديم الاستقالة في حال عدم الحصول على التقدير الكافي لقاء ما ينجزونه من أعمال.
وعلى الرغم من أهميّة تقدير عمل الموظف الذي يصبّ في مصلحة الشركة، فإنّ البحوث تبيّن شكوى نسبة كبيرة من الموظفين من ندرة الثناء على أعمالهم. إلى ذلك، فإنّ الشركات والمؤسسات التي تملك برامج تقدير وتقييم لعمل موظفيها، تُعَدّ فعّالة جداً في خفض نسبة استقالة موظفيها.
في السياق، يقول فادي (28 عاماً)، وهو شاب يقيم في لندن، إنّه يعمل لساعات طويلة يومياً لكنّه سعيد لأنّ المدير إيجابيّ في تعامله ومتعاون ويقدّر كل ما يقوم به. يضيف لـ "العربي الجديد": "أشعر بالإرهاق عند نهاية الدوام، لكنّني مرتاح نفسياً، إذ ثمّة فرص للتطوّر والتقدّم". ويخبر أنّه في السابق، "عملت في مؤسسة لقاء أجر أعلى وساعات دوام مرنة، لكنّني كنت غير مرئيّ أو أشبه بشبح لا يقدّر أحد ما أقوم به. فتوقّفت عن محاولات تقديم الأفضل، وصرت أعمل كماكينة وأوافق على تأدية ما يُطلب مني. عجزت عن الاستمرار على الرغم من ساعات العمل المرنة والقصيرة، لأننّي أردت أن أتقدّم وأن أحظى بالتقدير ولو مرّة في العام".
من جهتها تقول نينا (21 عاماً)، وهي طالبة في علم الجريمة في لندن، إنّها بدأت قبل فترة العمل بدوام جزئي في إحدى الشركات، وكانت متحمسة جداً عند توظيفها، لكنّها ما لبثت أن قدّمت استقالتها. وتشرح لـ "العربي الجديد" أنّ ذلك أتى "بعدما تبيّن لي أنّ ثمّة تمييزاً في التعامل مع الموظفين، وأنّه لا يوجد أيّ تواصل مع المسؤولين إلا نادراً، بالإضافة إلى انعدام الاجتماعات". تضيف: "أردت التعبير عن رأيي للمسؤولين في اجتماع، لكنّني أدركت أنّ لا صوت لنا، وأنّنا مجرّد أرقام لا قيمة لها، وأنّه من السهل استبدالنا بموظفين جدد". بالتالي، رأت نينا نفسها تتخلّى عن وظيفتها حتى قبل عثورها على وظيفة أخرى.