أثار تسجيل الفيديو الذي تداوله مصريون على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي حول تعذيب طفلة تبلغ من العمر ثلاثة أعوام في حضانة بمحافظة الإسكندرية، غضب كثيرين طالبوا بضرورة مراقبة الحضانات التي صارت برأيهم أماكن لتعذيب الأطفال.
وثّق التسجيل تعدّي موظفة في الحضانة على طفلة تدعى جوري عبر شدّها بشعرها ووضْع كرسيّ فوق ظهرها والجلوس عليها، في حين استغرقت الموظّفة الأخرى التي سجّلت الفيديو بالضحك. يقول محمد إبراهيم عبد القوي، والد جوري: "تفاجأنا بالواقعة بعد مشاهدة تسجيل الفيديو المتداول، إذ إنّنا لم نكن نعلم بما حصل قبل ذلك"، مشيراً إلى أنّ الوالدة هي التي انتبهت للتسجيل عبر إحدى الصفحات الخاصة بأولياء الأمور. يضيف والد جوري: "شعرنا بالصدمة جرّاء التعامل غير البشري الذي شاهدناه، ولا يمكنني تخيّل أن طفلتنا واجهت الأمر من دون أن ندرك ما كان يحدث، على الرغم من متابعتها يومياً". يُذكر أنّ جوري ألحِقَت بالحضانة قبل أربعة أشهر فقط، وكانت والدتها ترافقها إليها صباحاً ومنها إلى المنزل عند انتهاء الدوام. وخلال تلك الفترة، لم تشكّ في تعرّضها إلى أيّ أذى بدنيّ، لكنّها كانت صامتة طوال الوقت وتعبّر عن رفضها الذهاب إلى الحضانة في الصباح. وقد ظنّ الوالدان أنّ ذلك حال معظم الأطفال في مثل عمرها.
عقب ذلك، توجّه والد جوري إلى الحضانة "لمعرفة ماذا حدث لطفلتي هناك. لم أجد أحداً هناك عند وصولي، فالدوام كان قد انتهى. لكنّني تواصلت مع الإدارة، فأكّد لي المالك أنّه صُدِم بدوره عند مشاهدته تسجيل الفيديو المتداول وطالب بالكشف عن المعلمات المشاركات في ما حصل لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقّهنّ".
تلك الحادثة ليست الأولى من نوعها التي تُسجَّل في الحضانات، فقد سبقتها عشرات وراحت تملأ أخبار تعنيف الصغار في تلك المرافق صفحات الصحف وتُبثّ عبر شاشات التلفزة. يُذكر أنّ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي شهد 90 حالة عنف ضد الأطفال. في مدينة الغردقة، بمحافظة البحر الأحمر، على سبيل المثال، اتّهم عدد من أولياء الأمور إدارة إحدى الحضانات الخاصة بتعذيب أطفالهم، بعد رصْد آثار حروق على أجسامهم وإصابات في مناطق متفرقة منها. كذلك أصيب طفل في الخامسة من عمره بالعمى في عينه اليسرى في مدينة البدرشين بمحافظة الجيزة، بعد الاعتداء عليه بالضرب بعصا خشبية داخل حضانة. وفي المعادي، جنوبيّ القاهرة، توفي طفل يبلغ من العمر عامَين، غرقاً في حوض سباحة في إحدى الحضانات الخاصة. وفي إحدى حضانات منطقة الطالبية بالجيزة، عمد صاحب حضانة داخل شقة مستأجرة إلى إجبار أربعة من الأطفال على خلع ملابسهم وتحرّش بهم قبل أن يهددهم بالحبس في حجرة الفئران في حال إبلاغ ذويهم. وتعرّض طفلان آخران في حضانة بحدائق المعادي لأمر مشابه، وثلاثة آخرون في منطقة شبرا شماليّ القاهرة.
في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد، انتشرت في مصر الحضانات غير المرخصة في كل قرية ومدينة، وصارت مشروعاً مربحاً لأسر كثيرة لديها إمّا شقة تمليك أو أخرى مستأجرة، إذ إنّ المبالغ التي تتقاضاها عن الطفل الواحد تراوح بين 300 و600 جنيه مصري (ما بين 17 و34 دولاراً أميركياً تقريباً) بحسب المنطقة. وتلك الحضانات تستقبل أطفالاً تتراوح أعمارهم بين شهر واحد وستّة أعوام، سنّ دخولهم إلى المدرسة. وقد تسبب عمل الوالدَين في انتشار تلك الحضانات، بالإضافة إلى رغبة الأسر في تعليم أطفالها منذ الصغر قبل دخولهم إلى المدرسة، سواء أكانت حكومية أو خاصة. ولأنّ أولياء الأمور منشغلون عن أطفالهم، ائتمنوا أصحاب الحضانات عليهم، غير أنّ الاعتداءات الحاصلة تكشف أنّ تلك الأماكن غير آمنة. يُذكر أنّ الحضانات بمعظمها غير حاصلة على تراخيص، وهي لا تهتم إلا بجمع المال. وتجد كلّ امرأة مصرية نفسها أمام اختبار صعب، تضطر فيه إلى ترك صغيرها في حضانة طوال ساعات النهار، من دون أن تدري أنّه قد يتعرّض إلى أقصى التجارب.
يصف أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في القاهرة، الدكتور سعيد صادق، التعذيب في الحضانات الخاصة بـ"الجريمة الكبرى" في حق الأطفال الصغار، مطالباً "الحكومة ممثلة في وزارة التضامن الاجتماعي بالتحرك لمواجهة الحضانات غير المرخصة ومتابعة تلك المرخصة بعد انتشار الحوادث التي تعدّ غير أخلاقية". ويشير صادق إلى أنّ "رعاية الطفل وتربيته من المفترض أن تكونا تحت مظلة حانية مهذبة تعلم جيداً مقدرات نموّ الطفل. فالعنف يتعارض مع التكوين السويّ للطفل، الأمر الذي يجعله يعاني من الجفاء الوجداني الذي يجعله ينشأ على عدم الطاعة والسلوك الجانح. لذلك لا بدّ لمؤسسات الدولة من أن ترعاه وترعى كل المؤسسات التي تتعامل معه مثل الحضانات، وأن تقدّم برامج رعاية لهذا الطفل وتشرف عليها". ويتابع صادق أنّ "الوقائع المسجّلة في الحضانات تعود إلى عدم الإشراف المباشر من قبل الجهات المسؤولة على تلك المرافق، واستقدام عناصر غير مؤهلة تربوياً لهذه المراحل العمرية. فالتعامل مع أطفال الحضانة يستوجب أسلوباً وطرقاً خاصة".
من جهته، يقول صاحب حضانة فضّل عدم الكشف عن هويته، إنّ "ما يحدث في الحضانات يترجم خللاً عند صاحب الحضانة، والمسؤولية الكبرى تقع على الذين منحوه ترخيصاً لإنشاء تلك الحضانة. وفي حال ثبوت إلحاق أذى بحق طفل، تطبّق على المعني العقوبة مغلّظة، لأنّه في مركز مؤتمن على الطفل". ويوضح أنّه "مع اضطرار الأبوَين إلى العمل ساعات طويلة خارج المنزل من أجل توفير تكاليف المعيشة في ظل ارتفاع كبير في أسعار السلع، صار التحاق الأطفال الصغار بالحضانة ضرورة حتمية"، لافتاً إلى "عشرات الحضانات غير المرخصة، وبعضها تعمد إلى تعذيب الأطفال تحت شعار تأديبهم. وهذا سلوك عدواني وأسلوب مرفوض".